الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
من الطبيعي أن تشهدَ أيُّ دولة تتغيَّر فيها الزعامة مرحلةً مما يمكن تسميته عدم الاتزان. فمع انقضاء مرحلة التنافس على السلطة وما يصاحبها من الوعود الكثيرة المبنيِّة على أساس تحريك عواطف - بل غرائز - الناس من أجل كسب أصواتهم. ومع وصول أحد المتنافسين إلى السلطة واطلاعه على أسرار الدولة يدخل في مرحلة جديدة يضطر فيهـا إلى تطبيق بعض الوعود جزئياً، وأما بعضها الآخر فمصيرها النسيان، إلا أننا مع الوقت نجد أن الدولة تسير في كثير من الملفات على المنوال السابق نفسه مع تغييرات ظاهرية وشكلية في مسرحية مكشوفة ومتكررة.
ولكن يحدث أحياناً ما لم يكن في الحسبان؛ فبينما كان التوجه الرئيسي للسياسة الأمريكية قائماً على التركيز على محاصرة الصين وقيام وزيري الخارجية والدفاع معاً بزيارةٍ لكلٍّ من الهند وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا، وبداية حشد عسكري في هذه المنطقة بل التصريح بأن إدارة بايدن انشغلت كثيراً بالشرق الأوسط وحان الوقت للتفاهم مع إيران. إلا أنه - من جانب آخر - لا تخطئ العين كثرة الكلام عن الملف الطبي للرئيس الروسي العجوز فلاديمير بوتين، وأن دخوله مرحلة العجز الصحي باتت قريبة، وتمَّت إعادة المعارض المدعوم غربياً إلى موسكو بعد فترة علاج وتأهيل في ألمانيا، وبالطبع تم استقباله بحفاوة رسمية ومن ثَمَّ نقله مباشرة من المطار إلى مركز اعتقال، وبعد فترة من الاضطراب في الشارع تم احتواء أنصار المعارضة وخَفَتَ صوتهم إلى حين، وهنا بدأ الحديث في أمريكـا عن تدخُّل روسيا وإيران في الانتخابات ولكن مع التصريح ببراءة الصين! وفي مقابلة تلفزيونية للرئيس الأمريكي جو بايدن ودون مقدمات سأله المذيع: هل تقول إن بوتين قاتل؟ أجاب بعفوية: نعم! وهنا عاجله المذيع بسؤال آخر: هل ستعاقبه؟ وكانت الإجابة الصادمة أيضاً بـ (نعم)! ويبدو أن بايدن نسي أنه أصبح رئيس أمريكا ولم يعد مجرد مرشح يخوض حملة انتخابية! وتورطت أمريكا، واضطرت لتبنِّي تصريحات الرئيس الهرم ومحاولة لملمة الموضوع الذي تصاعد مع تصريحات نارية لبوتين ذكَّر فيها بجرائم أمريكا، ولكن الأهم أنه تمنى للرئيس بايدن الشفاء مع حملة إعلامية تركز على تعثر الرئيس الأمريكي، وأنه يعيش في بداية مرحلة الخَرَف.