الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه، وبعدُ:
لا يخفى على من يتابع تطورات الأحداث أن العالم تسوده أجواء حرب باردة شديدة الخطورة، شبيهة بالتي كانت بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن تلك كانت بين تكتلـين واضحين هما الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه، والولايات المتحدة وحلفاؤها، وكانت زعامة كلِّ تكتل محصورةً بقوةٍ واحدةٍ مهيمنة. أما الوضع الحالي فأكثر تعقيداً؛ فهو بين قوى وتكتلات متعددة تجمعها مصالح وتفرقها تنافسات. ولذا تشهد الساحة الدولية شبكة معقدة من التجاذبات ويمكن تقسيم العالم إلى قوى رئيسية، هي (أمريكا وروسيا والصين)، وقوى مرجِّحة هي الدول الأوروبية الثلاث الكبرى (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) التي عادت أمريكا لمحاولة جمعها والتعامل معها بصورة جماعية بعد أن تداعى الاتحاد الأوروبي وتم تفـريغ حلف الناتو من محتواه بتصاعد التوترات العسكرية بين أعضائه وانقسامهم.
ومن جانب آخر بدأ يظهر على السطح ملامح تحالف تركي باكستاني يحاول أن يكون على مسافة واحدة من الجميع ويوظف حالة الصراع لتحقيق مكاسب إستراتيجية.
وستشهد المرحلة القادمة تعاظم دور كلٍّ من الهند وإيران ولكنه دور الدولة الوظيفية التابعة للغرب للوقوف أمام أي نهوض للعالم السني.
ومن بوادر ونُذُر هذه الحرب التنافس الكبير على بناء القواعد العسكرية الأمريكية والروسية، وتعزيز الوجود العسكري في منطقة الشرق الأوسط الكبير الحيوية من شمال إفريقيا، واليونان مروراً بسوريا والعراق والبحر الأحمر، انتهاء بأفغانستان. ومن المضحك المبكي أن ميناء بور سودان (يتشرف) بزيارة سفينة حربية روسية تمهيداً لبناء قاعدة عسكرية روسية تتبعها مباشرة زيارة مدمرة أمريكية للميناء نفسه في صورة معبرة لما يجري في كل المنطقة من تجاذبات يصدق عليها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق، كما تداعى الأَكَلَة على قصعتها. قال: قلنا: يا رسول الله! أَمِن قلَّة بنا يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، تنتزع المهابةُ من قلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوَهْن. قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت».