• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
السوشيال ميديا.. مصانع الكراهية ونشر الإسلاموفوبيا

السوشيال ميديا.. مصانع الكراهية ونشر الإسلاموفوبيا


يعدّ الدور السلبي المشبوه الذي تقوم به بعض وسائل الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" من العوامل الرئيسية التي أدت إلى انتشار مصطلح "الإسلاموفوبيا" وإنتاج آثاره الفكرية المضللة، إذ تعمل على تصوير الإسلام على أنه دين إرهاب يكره المخالفين ويعاديهم، والزعم بعدم وجود مشترك إنساني بين المسلمين ومخالفيهم في العقيدة أو الرأي، و"الإسلاموفوبيا" والذي يعني "الرهاب من الإسلام" هو أحدُ المصطلحات المستحدثة التي تعبر عن حالة الكراهية والاستعداء والتحامل والخوف اللاعقلاني تجاه دين الإسلام والمسلمين، وهو نوع من أنواع العنصرية البغيضة وسلوك إقصائي ليس له مبرر، فضلا عن كونه وقودًا يشعل مواجهات مستمرة على أصعدة عديدة، بهدف خلق حالة من العداء غير المبرر والكراهية ضد المسلمين في كل أرجاء العالم، ومع إرتفاع وتيرة الكراهية مؤخرًا بشكل كبير، خاصة على وسائل السوشيال ميديا، تبرز عدة تساؤلات: من يغذي موجة الكراهية تلك؟، وإلى متى سيظل العالم الإسلامي في خانة الدفاع؟، وهل كانت هناك إرادة ورؤية حقيقية من منصات السوشيال ميديا لدحر هذه الموجة من الإسلاموفوبيا، أم أنها تغض الطرف عن ذلك بغية تحقيق الأرباح، حتى وإن تحولت إلى مصانع للكراهية والعنصرية؟

قبل أيام قليلة؛ نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تحقيقًا إستقصائيًا تحدثت فيه عما وصفتها بـ "المؤامرة السرية"، التي تمكنت من خلالها مجموعة من أكبر تنظيمات وجماعات اليمين المتطرف حول العالم من السيطرة على صفحات ومجموعات كبيرة على موقع التواصل الإجتماعي الأشهر في العالم "فيسبوك"، والبدء في بث الكراهية ضد الإسلام، في حين أن إدارة "فيسبوك" لم تتخذ ما يكفي من إجراءات لوقف هذه الجريمة، فالتحقيق يتحدث مجموعة من الحسابات الغامضة التي تتخذ من إسرائيل والولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا والنمسا ونيجيريا مقرات لها، تدير من خلالها مئات الصفحات ذات الفكر اليميني المتطرف التي يتابعها الملايين، من أجل بث رسائل تحمل التمييز والكراهية ضد المسلمين والمهاجرين، بل وحتى ذوي الأصول المسلمة في الدول الغربية، من أبرز المستهدفين خلال الفترة الماضية؛ عمدة لندن "صادق خان"، وعضوة الكونجرس الأمريكي "إلهان عمر"، كما ساهمت تلك الحملات الممنهجة في صعود شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في أستراليا وكندا وبريطانيا والنمسا، بل ووصل الأمر إلى استعداء عدد من السياسيين المعاديين لخطابات الكراهية، مثل زعيم حزب العمال البريطاني "جيرمي كوربين"، وتعمل تلك المجموعات على نشر أكثر من ألف منشور إسبوعيًا، يصل المنشور الواحد إلى أكثر من مليون متابع، ويتم توجيه حملات دعائية كبيرة تجاهه، كما يتم من خلال هذه المنشورات إعادة توجيه الجمهور إلى 10 مواقع أخرى كثيفة الإعلانات لجني المزيد من الأرباح عن طريق حشد المزيد من حركة المرور "ترافيك" على تلك المواقع.

وقد رصدت "الغارديان" من خلال شراكتها مع مركز أبحاث الوسائط الرقمية في جامعة "كوينزلاند" للتكنولوجيا، في شهر أكتوبر 2019، أي خلال شهر واحد فقط، انتشار أكثر من 6795 منشورًا مزيفًا عن الدين الإسلامي، تلقت تلك المنشورات أكثر من 846 ألف و244 إعجاب أو مشاركة أو تعليق، لكن الأخطر أن تلك المنشورات قد حظيت بـ165 ألف مشاركة، وجذبت 14.3 مليون إعجاب بعد إعادة النشر، لكن "المصيبة الأكبر"، كما يصفها التحقيق الاستقصائي، هو فشل موقع "فيسبوك" أو رفضه منع تلك المجموعات من استخدام منصته لإدارة حملات التضليل والكراهية المنظمة تلك، نظرًا للاستفادة التي يجنيها "فيسبوك" من الحملات الإعلانية الودعائية الضخمة جدًا، التي تقوم بها هذه الصفحات لمنشوراتها بالرغم مما تحمله من محتوى مضلل، والأكثر خيبة للآمال أنه عندما أبلغت "الغارديان" إدارة "فيسبوك" بما توصلت إليه في تحقيقها الاستقصائي، قامت منصة "فيسبوك" بإزالة عدد من الصفحات الهامشية، التي لا تؤثر على مديري تلك الحملات المنظمة، ولا يتابعها عدد كبير من المتابعين.

إنها مصانع للكراهية؛ بهذا التوصيف المختصر يمكن وصف الحالة التي وصلت إليها مواقع التواصل الإجتماعي بدقة، بعد أن كانت ادوات لإختصار المسافات وتقريب الثقافات ووجهات النظر، فإنها قد باتت مصانع لخطاب التمييز والعنصرية وبث الكراهية، ولا تزال مذبحة المسجدين في نيوزليندا التي راح ضحيتها العديد من الأبرياء على يد أحد الإرهابيين البيض ماثلة للعيان، إذ استخدم ذلك الإرهابي خاصية البث المباشر في الفيسبوك لبث جريمته على الملأ، لقد باتت مواقع الوتاصل الإجتماعي هى أبرز المواقع على الشبكة العنكبوتية قصدًا من مستخدمي الإنترنت حول العالم، ويقصدها بكثافة أولئك الذين يريدون إشاعة البروباجندا وحملات التضليل، وذلك باستخدام الحسابات الوهمية أو خاصية الترند الممول، وبالرغم من هذه الفوضوية والمعلومات المغلوطة التي تسهل هذه الشبكات نشرها، ناهيك عن الاتهامات التي تطولها بشكل مستمر حول مدى قدرتها على المحافظة على خصوصية المستخدمين، إلا أن عدد مستخدمي وسائل السوشيال ميديا قد زاد بأكثر من ربع مليار شخص على مدار الشهور الاثني عشر الماضية، ليصبح عددهم 3.5 مليار شخص، أي ما يقرب من 46% من إجمالي سكان العالم.

هذا غيضٌ من فيض، فالأرقام تثير الدهشة، والمساوئ التي لم تظهر تثير القلق أكثر، وهذا يضعنا أمام خيار لا مفر منه وهو أن منصات التواصل الاجتماعي سوف تحوز مزيدًا من القوة والانتشار مستقبلًا، وسنشهد في المستقبل إقحامًا متزايدًا لهذه المنصات في حملات التضليل والتلاعب بالرأي العام ضد الأديان والطوائف والبروباجندا، وبالتالي فإن المشكلات التي تنجم عنها ستكون أسوأ وذات عواقب وخيمة بشكل يفوق ما نواجهه الآن، فالأمر يتطلب التدخل بشكل عاجل لإقرار وصياغة وتنفيذ سياسات ومواقف عملية من شأنها إجهاض حروب الكراهية ووقف آلة الخوف والتشويه التي تساعد السوشيال ميديا على تأجيج لهيبها، وتبديد صناعة الخوف والكراهية الممولة من قوى يهودية وغربية متطرفة، كما أن واجبنا في نشر المعرفة المتجردة الصادقة للإسلام جملة وتفصيلًا، قد باتت ضرورة لابد منها، وزيادة معدلات ترجمة الفكر الإسلامي، وتغذية شبكة الإنترنت بأمهات الكتب بمختلف اللغات في شتى مجالات هذا الفكر، وترجمة تفسير القرآن الكريم ومعانيه، كذلك السنة النبوية والسيرة السمحة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بمختلف لغات العالم، خاصة وأن دعوة الإسلام تقوم على إرساء قيم التعايش والتسامح والتعاون والرحمة والمساواة بين البشر، والنظر إليهم على أنهم جميعًا خلق لإله واحد، هو الله الواحد القهار.

أعلى