"جيريمي كوربين".. صوتٌ مناصرٌ لفلسطين خنقته اللوبيات الصهيونية
"إذا وصلنا ليوم نرى فيه (جيريمي كوربن) داخل مكتب رئيس الوزراء، فيجب بكل صراحة أن يرموننا جميعنا بالرصاص"، بهذه الكلمات عبّر النائب المحافظ "بوب سيلي" عن رفضه وصول هذا الرجل الذي يتولى رئاسة حزب العمال البريطاني إلى رئاسة الحكومة، وهذا الرفض القاطع يتماهى مع حملة كبرى قادتها اللوبيات الإسرائيلية في بريطانيا للحيلولة من وصول كوربن إلى السلطة والفوز بالانتخابات التشريعية الأخيرة. فما هو السبب لذلك؟، ومن هو (جيريمي كوربن) الذي يعاديه الصهاينة بهذه الشراسة؟
"جيريمي برنار كوربن"، المولود في 26 مايو 1949، هو سياسي بريطاني ورئيس حزب العمال المعارض منذ عام 2015، وهو عضو بالبرلمان البريطاني عن دائرة إسلنغتون الشمالية منذ عام 1983، عُرّف الرجل بمواقفه المعاكسة للتيار السائد في المجتمع البريطاني، أو بمعنى أدف للتيار الذي تريد الحكومة واللوبيات المتحكمة في وسائل الإعلام أن تجعله سائدًا في أوساط المجتمع البريطاني، فقد عارض كوربن بشدة الحرب في أفغانستان، وتعهد كوربن بالإعتذار عن مشاركة بلاده يومًا ما في حرب العراق تحت قيادة رئيس الوزراء السابق "توني بلير"، بل ودعا إلى التحقيق مع بلير بتهم ارتكاب جرائم حرب خلال تلك الحرب، وانتقد قيادة حلف شمال الأطلسي للتدخل العسكري في ليبيا، حذر كوربن من التدخل الخارجي في سوريا، معتبرًا أن أفضل السبل لحل الأزمة السورية هى التوصل إلى تسوية سياسية تهدف إلى إيقاف الحرب الأهلية السورية، وقد شغل كوربن منصب رئيس ائتلاف "أوقفوا الحرب"، معتبرًا أن "الملايين من المواطنين البريطانيين قد باتوا يشعرون بأن ديمقراطيتنا قد تم تشويه سمعتها بسبب الطريقة التي تم بها قرار الذهاب إلى تلك الحروب".
لم يرق يومًا لـ "كوربن" أن تدخل بلاده في عضوية المجتمعات الأوروبية، وهي المنظمة التي سبقت الاتحاد الأوروبي، لكن بالرغم من ذلك فإنه كان من المعارضين لفكرة انسحاب بلاده من الإتحاد الأوروبي، إذ كان يرى أن الاتحاد الأوروبي قد جلب لبلاده فرص العمل والاستثمار وحماية العمال والمستهلكين، لكن بالرغم من ذلك فقد دعم مقترح الاستفتاء على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2011، وكثيرًا ما انتقد سياسات الإتحاد المجحفة، ومنها أنه قد اتهم الاتحاد بالتصرف بصورة وحشية في الأزمة اليونانية عام 2015 بالسماح للممولين بتدمير اقتصادها. أما فيما يخص الولايات المتحدة فيرى كوربن أن الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" لا يقدم حلولًا للمشكلات، ولكنه ببساطة يعمل على التقسيم وخلق الخلافات، وسبق أن دعا كوربن إلى إلغاء زيارة مقترحة من ترامب إلى بريطانيا، بعد إصدار ترامب أمرًا تنفيذيًا بمنع الزوار من بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة، كما انتقد هجوم ترامب المتكرر على عمدة لندن المسلم "صادق خان".
فيما يخص القضية الفلسطينية؛ فإن كوربن لا يُخفي عداؤه لسياسة إسرائيل والغرب تجاه فلسطين والدول العربية، بل إنه لا يترك فرصة للتنديد بالانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينين إلا وفعل، كما أنه يؤيد مشاركة حماس وغيرها من الفصائل في عملية السلام في الشرق الأوسط، معتبرًا أن قيام الحكومة البريطانية بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية هو "خطأ تاريخي كبير للغاية، فهى منظمة مكرسة من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني"، وهو عضو في حملة التضامن الدولية مع فلسطين، وفي عام 2010 صرح كوربن بأن بعض الخطب التي يلقيها أعضاء من البرلمان البريطاني تكون معدة مسبقًا من قِبل إسرائيل، وقال ساخرًا: "أنا متأكد من أن السفير الإسرائيلي قد كتبها، لأنها جاءت بنفس الكلمات الرئيسية، نفس العبارات الطنانة مثل: 'حاجة إسرائيل إلى الأمان'، و'التطرف من الناس على أحد الجوانب'، و'وجود مسلحين أتراك على متن السفينة' جاء ذلك الكلام في كل خطاب"، لذا ففي عام 2012 ومرة أخرى في عام 2017؛ دعا كوربن إلى إجراء تحقيق حول تأثير إسرائيل على السياسة البريطانية، كما دعم مقترح يدعو الحكومة البريطانية إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل وتخصيص ميزانيات إضافية لـمنظمة "الأونروا" العاملة في فلسطين.
في عام 2014 وخلال زيارته لتونس؛ قام كوربن بوضع إكليل من الزهور على قبور شهداء فلسطينين قتلتهم إسرائيل خلال تفجيرها لمقر منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى بتونس، وكذلك مقابر أعضاء من جماعة "أيلول الأسود" المنشقة على منظمة التحرير والتي نفذت هجوم ميونيخ ضد رياضيين إسرائيلين في أولمبياد ميونيخ عام 1972، وقد تبادل حينها كوربن و"بنيامين نتنياهو"، الاتهامات عبر تويتر بشأن الأمر، إذ كتب نتنياهو: "وضع كوربن إكليلًا من الزهور على قبور(الإرهابيين) الذين ارتكبوا مذبحة ميونيخ وتشبيهه إسرائيل بالنازية يستحق إدانة لا لبس فيها من الجميع"، ليرد كوربن بالقول: "مزاعم نتنياهو بشأن أفعالي وأقوالي كاذبة، ما يستحق إدانة لا لبس فيها هو قتل القوات الإسرائيلية أكثر من 160 فلسطينيًا، بينهم عشرات الأطفال، في غزة في مارس الماضي".
هذا النهج المناصر لفلسطين وقضيتها لم يرق لإسرائيل واللوبيات الصهيونية المتواجدة بكثرة في بريطانيا، فعمدوا إلى حملة تشويه مخططة لكوربن، وقد جنَّ جنون اليهود عندما أعلن كوربن في أحد مؤتمرات حزبه بأنه على استعداد للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة بمجرد وصوله للسلطة، وليس خفيًا على أحد أنه في الآونة الأخيرة قد صعّدت إسرائيل بشكل مباشر أو عبر الجالية اليهودية في بريطانيا، من حملات الهجوم على حزب العمال وزعيمه، وقد وصل الأمر إلى قيام وزير شؤون البيئة والتراث في حكومة الكيان الصهيوني "زئيف إلكين"، إلى الدعوة إلى عدم انتخاب كوربن وحزبه، مضيفًا: " إسرائيل لا تقرر للبريطانيين من سينتخبون لكن عليها إعلان موقفها، وأعتقد أن كوربين قد أثبت بنفسه، أكثر من مرة، أنه شخصية تكره بشدة دولة إسرائيل والشعب اليهودي"، فيما قالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي "تسيبي حوتوفيلي": "ما من شك في أن حزب العمال، في ظل وجود كوربن، يمثل مشكلة كبيرة جدًا لعلاقات إسرائيل الخارجية"، أما وزير خارجية الكيان الصهيوني "يسرائيل كاتس" فقد تمنى في تصريح علني أن يخسر كوربن الانتخابات البريطانية لصالح بوريس جونسون.
وبالرغم أنه من النادر أن يقوم زعيم ديني بانتقاد رئيس حزب سياسي في بريطانيا بشكل علني؛ إلا أن كبير الحاخامات اليهود ي بريطانيا "إفرايم ميرفيس" أقدم على توجيه انتقادات مباشرة لكوربن، في إطار حملة منهجية يقوم بها قادة اليهود في بريطانيا كوربن، كما أن الصحف الثلاث الناطقة بلسان اليهود في بريطانيا، وهى "جويش كرونيكال" و"جويش تلغراف" و"جويش نيوز" قد دعت الناخبين صراحةً إلى على عدم دعم حزب العمال في الانتخابات، واصفة زعيمه جيريمي كوربن بأنه "معاد للسامية"، معتبرةً أن "التقاعس شبه التام للسيد كوربن وبقية قيادات حزب العمال في التعامل مع معاداة السامية في الحزب، قد جرّأتهم وشجعت الآخرين".
هذا التشويه الإعلامي الموجه ضد كوربن وحزبه، قد أدى في نهاية المطاف إلى فوز حزب المحافظين بزعامة "بوريس جونسون" بالأغلبية المطلقة في البرلمان البريطاني في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرًا، وبالتالي فإنه لن يحدث تغيير كبير في سياسة بريطانيا الخارجية إزاء إسرائيل، ولا سيما فيما يتعلق بموضوع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية، لقد نجحت اللوبيات الصهيونية في خنق أحد الاصوات المناصرة لفلسطين وقضيتها، لكن هذه مجرد جولة واحدة، والأصوات التي تصدح بالحق لن تتوقف أبدًا.