لماذا ضربت إسرائيل قواعد إيرانية في ثلاثة دول؟
"قواتنا تعمل في كل مجال ضد العدوان الإيراني... إذا تقدم أحد لقتلك اقتله أولا"
هذا تصريح لرئيس الوزراء الصهيوني نتانياهو أطلقها كتغريدات على تويتر عقب الضربة التي شنها الكيان الصهيوني منذ عدة أيام على قرية عقربا بريف دمشق وأضاف نتانياهو “أحبطنا بفضل جهود عملية كبيرة هجوما على إسرائيل من قبل فيلق القدس الإيراني ومليشيات شيعية... أؤكد أنه لا حصانة لإيران في أي مكان".
وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي: "أعطيت توجيهات لقواتنا بالاستعداد لكل السيناريوهات. سنواصل اتخاذ إجراءات حاسمة ومسؤولة ضد إيران ووكلائها من أجل ضمان أمن إسرائيل".
ويقول الجيش الإسرائيلي إن العملية أحبطت هجوما ضد إسرائيل من قبل "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني و"مليشيات شيعية" انطلاقا من المنطقة.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الغارات استهدفت مواقع للإيرانيين وحزب الله في المنطقة الواقعة بين مطار دمشق الدولي والسيدة زينب في جنوب شرق دمشق وأسفرت عن وقوع ما لا يقل عن 3 قتلى؛ اثنان من حزب الله وثالث إيراني.
وعقب ساعات على الغارات الإسرائيلية في سوريا، أفاد مسؤول في حزب الله اللبناني عن سقوط طائرة مسيرة وانفجار أخرى في معقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية.
وأشار المسؤول الإعلامي في الحزب محمد عفيف في تصريح للوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان إلى أن "الطائرة الأولى سقطت من دون أن تحدث أضرارا، في حين أن الطائرة الثانية كانت مفخخة وانفجرت وتسببت بأضرار جسيمة في مبنى المركز الإعلامي"، واصفا ما حصل بـ “الانفجار الحقيقي" ومؤكدا أن "الحزب لم يسقط أي طائرة".
وقبلها بدأت تفجيرات غامضة تصيب قواعد ومعسكرات الحشد الشعبي أحد أذرع إيران في العراق في يوليو الماضي وأغسطس الجاري في بغداد ومناطق محيطة ومنذ عدة أيام أعلنت ميليشيات الحشد عن تعرض عناصر لها لغارتين عبر طائرتين مسيرتين في بلدة القائم قرب الحدود مع سوريا واتهمت الميليشيات الموالية لإيران إسرائيل بتنفيذ هذه الهجمات وذلك بعد أن نفت واشنطن ضلوعها فيها. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن مسؤول كبير في الاستخبارات في الشرق الأوسط أن إسرائيل قصفت قاعدة تقع شمالي بغداد في يوليو الماضي، بينما قال مسؤولان أميركيان أن تل أبيب شنت عدة ضربات في العراق في الأيام الماضية الأخيرة.
وبعد هذه الضربات المتكررة يثر التساؤل الكبير إذا كان الكيان الصهيوني قد ضرب هذه الأذرع الإيرانية فهل كانت هذه الضربات استباقا بالفعل لهجمات إيرانية متوقعة داخل إسرائيل؟
طبعا لن نجد من إيران من يعطينا توضيحات أو ردا على تفسيرات أو أجوبة ولكننا سنجد بروباجندا إعلامية وتهديدات جوفاء يطلقها المسئولون الإيرانيون مباشرة أو عبر أذرعهم السياسية والعسكرية في المنطقة مثل تهديدات حسن نصر الله الأخيرة العنترية والتي تلاقي تهليلا من الحضور مثل التي يقول فيها "أقول للجيش الإسرائيلي على الحدود، من الليلة قف قرب الحائط... وانتظرنا يوما، اثنين، ثلاثة، أربعة".
لقد سكتت إسرائيل خلال السنوات الماضية عن تمدد النفوذ الإيراني في الثلاث دول: العراق وسوريا ولبنان ...فماذا استجد؟
نقلت وكالة "رويترز" في أغسطس 2018 أن إيران نقلت صواريخ باليستية إلى الميليشيات الموالية لها في العراق، "لدرء الهجمات المحتملة على مصالحها في الشرق الأوسط ولامتلاك وسيلة تمكنها من ضرب خصومها في المنطقة".
بعد هذا التاريخ فوجئنا بالهجمات الإسرائيلية على الميليشيات الإيرانية.
ففي سبتمبر 2018، لمّح وزير الجيش الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، إلى أن تل أبيب ستعمل ضد ما وصفها بمصادر التهديد الإيراني في العراق، في وقت كانت الطائرات الإسرائيلية تغير على أهداف إيرانية في سوريا.
وعلى ما يبدو أن هناك رسالة إسرائيلية إلى إيران أوضحت فيها الخطوط الحمر في العلاقات بينهما مفادها أن المجال الحيوي لأمن إسرائيل يمتد عبر العراق وسوريا ولبنان وأن وجود صواريخ أو طائرات مسيرة قد تشكل تهديدا لإسرائيل.
فإسرائيل في الماضي وفي عام 1981 قصفت المفاعل النووي العراقي في عهد صدام حسين لأنه قد يشكل خطورة عليها مستقبليا.
الكيان الصهيوني بالطبع يدرك جيدا أن إيران لن تستخدم أي أسلحة متطورة في الدول الثلاث ضدها بصورة شاملة، ولكنها ورقة استراتيجية إيرانية في المنطقة لزيادة نفوذها الإقليمي ليضاهي النفوذ الاستراتيجي الإسرائيلي في الإقليم أو يفوقه أو استخدامه في محاولات محدودة لضرب إسرائيل ففي الضربات الصهيونية الأخيرة أوضح المتحدث باسم الجيش الصهيوني أن القوات الإيرانية شنت في 2018 ثلاث ضربات صاروخية على إسرائيل انطلاقا من سوريا، كما قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن العملية الجوية الأخيرة في سوريا استهدفت "رأس الأفعى" واقتلاع أنيابها.
وأوضح كاتس، في مقابلة مع إذاعة "كان" الإسرائيلية أن "رأس الأفعى هي إيران وأنيابها هم قاسم سليماني وفيلق القدس".
وتابع "كانت هناك عمليات في الماضي قامت إسرائيل بالرد عليها بصورة جلية.. تدور هنا معركة مع إيران التي تعمل مباشرة من سوريا".
وأضاف أن "القصف جاء لمنع العملية ضدنا وجاء أيضا لنقل رسالة لإيران ولكل المنطقة أنه لا توجد لإيران أو لوكلائها أية حصانة".
كما أشار إلى أنهم اعتمدوا على "مواد استخباراتية نوعية وقدرات تنفيذية عالية لكشف مؤامرات إيران والعمل على منعها في كل مكان".
وأردف "من يريد أن يمنع حربا شاملة مع إيران عليه أن يضرب الآن بعنف وأن يظهر قوته"، مُشيرًا إلى أنه "لولا العمليات التي قام بها الجيش الإسرائيلي خلال السنوات الماضية لكانت إيران جاهزة لهذه الحرب.. لقد أقامت ميليشيات في سوريا بعد عشرات السنوات من الهدوء".
اذن هذه التهديدات الإيرانية المحتملة لإسرائيل لن يسمح بها الكيان الصهيوني مطلقا.
والذي يتتبع ما يجري بين هاتين القوتين يدرك جيدا أن المصالح بين الدولتين تتفقان على وضع حد لأي نفوذ سني سواء كان عربي أو تركي في المنطقة ولكن قد تتعارض المصالح بين القوتين عندما تتقاطع مجال نفوذهما وهذا ما يحدث في سوريا ولبنان والعراق فالنفوذ الإيراني من وجهة النظر الإسرائيلية مسموحا به بل ومدعوما إذا كان يمنع صعود أي قوة سنية وبقدر القضاء على مثل هذه القوة ولكن عندما يزداد هناك يكون الخطر ويشكل تهديدا على أمن إسرائيل وهذه الهجمات الأخيرة رسالة بذلك.
ولهذا جاءت الضربات محدودة، وليست ضربات شاملة أي أنها لقص النفوذ الإيراني وجعله داخل حدود وخطوط الصراع بينهما بما يحقق أهدافهما المشتركة ويجعل الكيان الصهيوني هو المتفوق الأكبر إقليميا.