• - الموافق2024/11/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أطـفـال الزنـازيـن.. أبـطـال المقاومة الصـغـار

أطـفـال الزنـازيـن.. أبـطـال المقاومة الصـغـار


                                 

قبل أيام قليلة؛ توجه الطفل المقدسي محمد عليان، البالغ من العمر 3 سنوات ونصف، للتحقيق معه في مركز المسكوبية التابع لشرطة الاحتلال في القدس المحتلة، الطفل الذي يُعدّ أصغر مطلوب للتحقيق في تاريخ القضية الفلسطينية، استدعته شرطة الاحتلال للتحقيق معه بتهمة إلقاء الحجارة على جنود الجيش الصهيوني. الحادثة التي أثارت استهجان كل من سمعها أو عَلِمَ بها، أعادت إلى الذاكرة جرائم الاحتلال ضد أطفال فلسطين،

"هذه الحجارة يمكن أن تتسبب في موتنا"، هذا ما ادعته ذات يوم نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية "إيلانا شتاين"، عندما كانت تدافع عن إلقاء شرطة الاحتلال القبض على أطفال فلسطينيين، بين الحين والآخر، بتهمة إلقاء الحجارة على عناصر الجيش والشرطة، لكن النائبة نسيت ـ أو تناست عمدًا ـ أن القذائف الإسرائيلية والصواريخ الموجهة والقنابل العنقودية والذكية التي تطلقها إسرائيل بغزارة على القرى والمدن الفلسطينية تتسبب في الموت المحتوم للأطفال والكبار وكل ما هو حي في المكان الذي تُقذف عليه. ففي كل عام على مدى السنوات العشر الماضية، بحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تعتقل إسرائيل حوالي 700 طفل فلسطيني، تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 17 عاماً، معظمهم من الفتيان، بمتوسط طفلين في اليوم الواحد،

سوء معاملة الأطفال تتم على نطاق واسع ومنهجي ومؤسسي، بدءاً من الاعتقال إلى التحقيق والمقاضاة ثم الإدانة في نهاية المطاف، معظم الاعتقالات تحدث في جوف الليل، ولا يتم إخطار الآباء دائماً عن اعتقال أبنائهم، فغالبًا ما يحدث الأمر بشكل مفاجئ، وأثناء الاستجواب، يُمّنَع الأطفال من الحصول على مشورة محام، أو وجود أحد الأقارب معهم، ويتعرض الأطفال للضرب المبرح، والحرمان من النوم، ومن الطعام، والتهديد والشتائم، والتحرش الجنسي، والحرمان من الزيارة، كما يُستخدم معهم أبشع الوسائل النفسية والبدنية لانتزاع الاعترافات، والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية. الأسوأ في الأمر أن التهم الموجهة إليهم أحيانا ما تكون هى قذف الحجارة على المركبات الإسرائيلية، رغم كونها مصفحة ضد الرصاص والقذائف، فإسرائيل لا تقيم وزنًا لحياة الأطفال الفلسطينيين، تضعهم دائمًا في دائرة الاستهداف، خلال العام 2016م فقط تم إصابة وجرح نحو 3230 مواطناً فلسطينيًا، كان من بينهم نحو 1040 طفلاً، وخلال مسيرات العودة في قطاع غزة؛ منذ انطلاقتها في 30 مارس من عام 2018م، تم إصابة ما يقرب الـ 4072 طفل.

معاملة قاسية ولا إنسانية لا يُمكن أن تمارس بحق أطفال لا تتجاوز أعمارهم عدد أصابع اليدين، لكن الاحتلال يفعل ذلك بكل أريحية، وصولًا إلى حد القتل، فقد وثَّقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين استشهاد 2094 طفلاً على يد جيش الاحتلال منذ عام 2000م؛ أي مع بدء انتفاضة الأقصى وحتى الآن، جرائم قتل الأطفال عديدة وتأخذ صورًا مختلفة، أبرزها جريمة إحراق وقتل الطفل المقدسي "محمد أبو خضير"، بعد أن اختطفه المستوطنون، وجريمة إحراق أطفال عائلة دوابشة في داخل منزلهم في نابلس، وقصف طائرة إسرائيلية دون طيار لثلاثة أطفال في خان يونس، وهم: (خالد بسام، وعبد الحميد أبوظاهر، ومحمد السطري)، وجميعهم لا تتجاوز أعمارهم 13 عامًا، مما أدى إلى استشهادهم على الفور، والرضيعة "إيمان حجو" التي توفيت على إثر قصف دبابات الاحتلال لخان يونس بشكل عشوائي عام 2001م، أما الطفل الأيقونة "محمد الدرة" الذي استهدفه جنود الاحتلال وهو يحتمي بحضن والده في شارع صلاح الدين بقطاع غزة عام 2000م، وتحت رصد كاميرات المصورين، فهى الحالة الأبرز على حالات استشهاد الأطفال بسبب عنف جنود الاحتلال، هذه مجرد نماذج قليلة، إذ تتسع القائمة لتشمل آلاف الأطفال والأجنة والرضع الذين استشهدوا منذ بدء القضية الفلسطينية وحتى الآن، الأمر الذي حوّل موت الطفل الفلسطيني إلى مشهد يومي متكرر، ضمن يوميات مليئة بشتى أشكال الألم والفقد والمعاناة المستمرة، ولتغدو قصة استشهاد الطفل الفلسطيني معاناة مفتوحة، بلا سقف، وبلا حدود.

أحيانا ما تفتح سلطات الاحتلال بعض التحقيقات الخاصة بشكل انتقائي في عدد محدود من حوادث قتل أو إصابة الأطفال الفلسطينيين، لكن كثيرًا ما تكون إجراءات هذه التحقيقات غير نزيهة وليست مستقلة، وفي ظل انتشار ثقافة الإفلات من العقاب في أوساط الجنود الصهاينة وعلمهم المسبق أنهم لن يحاسبوا على أفعالهم مهما كانت النتيجة، فإن إنتهاكاتهم لا تتوقف، رغم كونها ترتقي لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فإسرائيل لا تعطي بالًا إلى إتفاقية حقوق الطفل، أو اتفاقية مناهضة التعذيب، أو غيرها من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، حتى قرارات الشجب التي تصدر بشكل متكرر عن منظمة الأمم المتحدة وأفرعها ومنظمات حقوق الإنسان والأطفال باتت من الأمور المعهودة، ولا يراعي الاحتلال حداثة سن الأطفال أثناء تقديمهم للمحاكمة، فلا يتم تشكيل محاكم خاصة لهم، كما أن الاحتلال يحدد سن الطفل بما دون الـ 16 عاماً، ويستند في استصدار الأحكام ضد الأطفال إلى أمر عسكري إسرائيلي رقم "132"، وهو ما يشكل مخالفة صريحة لنص المادة رقم "1" من اتفاقية الطفل، التي عرفت الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة عام". وعلى الرغم من عدم وجود الحكم بالسجن في القانون الإسرائيلي لقاصر دون سن 14 عاماً، فيجوز سجن فلسطيني يبلغ من العمر 12 عاما بموجب القانون العسكري للاحتلال.

في السجون والمعتقلات الإسرائيلية؛ يعاني الأطفال الأسرى من نفس الويلات التي يعاني منها الأسرى البالغين، من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، تفتقر إلى مراعاة الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأسرى، إلى جانب الانقطاع عن العالم الخارجي، والحرمان من زيارة الأهل، كما يعانون من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية أو إنارة مناسبتين، ناهيك عن الإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية وتفشي الأمراض، أحيانا ما يتم احتجاز الأطفال الأسرى مع جنائيين إسرائيليين، مما يعرضهم للإساءة اللفظية والضرب والتحرش الجنسي. فالإجرام الإسرائيلي لم يتبق أمامه أي خطوط حمراء، فبعد انتهاك حرمة المستشفيات ودور العبادة وبيوت المدنيين وسيارات الإسعاف، وإطلاق الرصاص بقصد القتل من المسافة صفر على المصابين والشيوخ والنساء، لن يكون اعتقال الأطفال ومحاكمتهم أمرًا مستغربًا على الاحتلال، ولن تكون هذه الجرائم هى الأخيرة، خاصةً إذا استمر الصمت الدولي حيالها. لقد وُلِدَ أطفال فلسطين ليكونوا كل شيء إلاّ أطفالا، وخرجوا إلى هذه الدنيا وقد أنفقوا حياتهم حتى قبل أن يعيشوها، إنهم أبطال المقاومة الصغار الذين يسطرون أبهى صفحات التاريخ ببطولاتهم. 

أعلى