صرخة ثقافية أم حالة دينية؟!
غرفة نوم ومشاهد حميمية لفتاة مراهقة تشتكي عدم قدرتها فهم الإلوهية، كانت الدقيقة الأولى من فيلم "في سبع سنين" الذي بثته قناة الجزيرة مؤخراً وآثار ضجة داخل الوسط الإعلامي المصري بين ناقد ومستنكر وبين مؤيد ومجيز لمادة إعلامية سلطت الضوء على التحولات الدينية في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011. هناك الكثير من التقارير وأغلبها مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية أو منظمات المجتمع المدني الغربية التي دائماً تتحدث عن تمركز "الإرهاب" و"الإلحاد" في العالم الإسلامي وفي بلدان مثل مصر التي تمثل كثافة بشرية عالية في العالم الإسلامي. ففي سبتمبر 2017 أكد تقرير لصحيفة "دي فيلت" الألمانية ارتفاع نسبة الملحدين في مصر لكن الصحيفة لم تشر إلى مرجعية المعلومات الواردة في التقرير، فهل هناك جهة سيادية مصرية تقوم بإحصاء أعداد الملحدين أو الذين تخلوا عن إيمانهم بخالقهم؟! وهل يشمل مفهوم الإلحاد في مصر جميع الديانات؟! أم أن العملية فقط تخص المسلمين؟! الإلحاد هو الغلاف الوحيد الذي يمكن للإنسان الذي يرفض تقييد شهوانيته أن يتغلف به، لذلك جميع النماذج الذي استعرضها الفيلم الوثائقي" في سبع سنين" عبارة عن أشخاص في مقتبل العمر، لأن الأمر يتعلق بالمادة أكثر من كونه يتعلق بالهوية الفكرية أوالدينية للشخصية. الكثير من الشبان الذين يواجهون عقبات إجتماعية أو إقتصادية تتشكل لديهم قناعة زائفة بمرور الوقت بأن الدين أو المجتمع هما مصدر فشلهم، لذلك يشقون طريقهم نحو الإنحراف الأخلاقي والإنسلاخ من الهوية الدينية معتقدين أن ذلك طريق مختصر لبناء شخصية مستقلة أكثر تحرراً عن ماضيها، لكن مع مرور الأيام يجدون أنفسهم خارج دائرة المجتمع الديني والقومي والوطني لأن تجربتهم خارجة عن أعراف وقيم المجموعة الأم. يركز الفيلم على ما يصفه بـ" التطرف" و"الإلحاد" كظواهر خرجت بعد الثورة المصرية بسبب الظروف السياسية والاقتصادية ويركز على كون تلك الظواهر خيارات إجبارية للشباب المصري ويركز على الجماعات المسلحة في سوريا وانتماء العديد من الشبان المصريين لها والسبب الهروب من الواقع المصري، لكن تلك المغالطة التي يحاول الترويج لها الفيلم قد ينفيها وجود عشرات الآلاف من الشبان من أوروبا وأمريكا والعالم الإسلامي في سوريا خلال تلك الفترة لمحاربة النظام السوري أسوة بمليشيات شيعية تقاتل مع النظام.. نحن بحاجة لتصحيح مفاهيم تتعلق بهويتنا الدينية فالتطرف هو القتل لأجل القتل مثل التفجيرات الإنتحارية التي تستهدف المدنيين والأبرياء والمعاهدين والذميين بغض النظر عن دينهم أو لونهم أو جنسيتهم، أم ما كان يجري في سوريا فهو قتال بين الشعب السوري والنظام المليشياوي المدعوم من إيران وروسيا، ومثله مايجري في اليمن من قيام جماعات مسلحة يمنية بمقاتلة المليشيات الحوثية وهذا المفهوم الواضح والصريح لفكرة " الجهاد" الواردة في القرآن الكريم. أما التطرف كمفهوم وفعل فهو لا ينتمي إلى الإسلام أصلاً حتى نجعله أحد مفاهيمه!.
درامية الفيلم تؤكد للمشاهد أنه مصطنع ليس لتغطية ظاهرة يمكن تعميمها في مصر بل لتشويه الهوية الدينية للمجتمع المصري ولتضخيم سلوكيات نادرة تماشياً مع ما تسعى إليه جهات غربية لتحفيز الإنحراف وتقنينه وشرعنة وجوده. لذلك يجب التأكيد دائماً أن ظواهر مثل الإلحاد والشذوذ الجنسي والتطرف هي سلوكيات لا تنتمي لمجتمعاتنا الإسلامية ولا يجب الإعتراف بوجودها كظواهر بل كسلوكيات تحتاج علاج، لأن الغاية منها تغليف الإنحراف وتشريعه لمسخ هوية المجتمع الحقيقية.