تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا وتأثيرة على الوجود الإسلامي
صبت تفجيرات ستوكهولم الأخيرة الزيت على النار التي أشعلها اليمينيون المتطرفون حول علاقات المسلمين في السويد، كما ساهمت في المزيد من الانطباعات السيئة وتعكير الأجواء بين المسلمين والغرب، وأوجدت للأحزاب المتطرفة المناخ الملائم لقبول دعواهم المتشددة في أرجاء المجتمعات الأوروبية.
إلى ذلك تباينت صور وأشكال العداء للإسلام في أوروبا؛ فمن قانون منع المآذن وتفاخر اليمين السويسري بقمع الحريات المدنية ، إلى مطالبات اليمين في الدنمارك بخفض أجور المهاجرين إلى النصف ، مرورًا بحملات اليمين الإيطالي المتطرف على المنتقبات، إلى تشبيه الحزبية الفرنسية «مارين لوبن» لصلاة المسلمين بالاحتلال النازي ! .... إلى غيرها من مظاهر العداء في البلدان الأوربية.
كما يعكس فوز المنتمين إلى اليمين المتطرف بمقاعد برلمانية في عدد من الدول الأوربية حالة من التحفز ضد نمو المظاهر الإسلامية في الغرب والتي أصبحت من الظواهر الجلية في القارة الأوربية.
وبما أن الإسلام هو الدين الأوسع انتشارًا في الغرب، فقد كان من الطبيعي أن تنتشر المظاهر والعادات والتعاليم الإسلامية لتصبح أمرًا واقعًا ملموسًا في الحياة الأوروبية ، وصاحب هذه الحقيقة تزايد أعداد المهاجرين المسلمين إلى تلك البلاد إما طلبًا لمناخ الحرية التي افتقدوها في بلادهم؛ وإما سعيًا وراء الأرزاق.
ومن ثم فإن لكل فعل ردة فعل؛ حيث تنامت كذلك الحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة المحملة بأفكار الإسلاموفوبيا والتي تضع على أجندتها بنودًا وأهدافًا طافحةً بالعداء والعنصرية.
وقد وصل الأمر إلى أن وصفه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بقوله: إن بعض الساسة الأوربيين يقومون باستغلال موجة العداء للمسلمين لتحقيق مآرب سياسية وحصد الأصوات الانتخابية.
جيرت فيلدرز
من بين هؤلاء المتطرفين اليمينين في أوروبا المدعو جيرت فيلدرز زعيم حزب الحرية ذي التوجهات اليمينية في هولندا، حيث تمكن من دخول البرلمان بأكثر من عشرين مقعدًا .
ويشار إلى أن فيلدرز يحاكم في أمستردام بتهمة الكراهية والتمييز ضد المسلمين، وهو ملحد لا دين، لا يتوانى عن استفزاز مشاعر المسلمين في مقدساتهم ، لم يزل بين الحين والحين يعرض فيلمه المسيء للإسلام "فتنة" والذي يحتوي على مشاهد تدنيس للقرآن الكريم.
ويعظم فيلدرز الدور الصهيوني في حرب الإسلام، بل يصرح في مدونته بكل وضوح قائلاً: إن إسرائيل تخوض الحرب ضد المسلمين من أجلنا نحن، كما أدلى بتصريحات مماثلة لصحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 22 نوفمبر 2010 م.
وفيما يشبه الوباء انتشرت الدعاوى المتطرفة المعادية للإسلام في العديد من المجالس النيابية للدول الأوروبية؛ ففي السويد، حدثت سابقة هي الأولى من نوعها عندما اقتحم "الحزب الديمقراطي" المتطرف البرلمان بحصوله على عشرين مقعد .
ويعكس هذا الفوز تمكن تلك الأحزاب من استقطاب عدد أكبر من الناخبين مستغلين بذلك احتقان الأجواء ضد المهاجرين المنتمين إلى الديانة الإسلامية .
من جهة أخرى ساهمت الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالأنظمة الرأسمالية في توسع التطرف بشتى صوره وأنواعه جراء انتشار البطالة وتدهور الدخل.
وبطبيعة الحال ربط أصحاب الاتجاهات اليمينية بين مشاكلهم الاقتصادية في أوروبا وبين ارتفاع أعداد المهاجرين زاعمين أنهم السبب فيها هم المسلمون.
والحقيقة أن أعداد المهاجرين لم ترق إلى حد لصق المشاكل الاقتصادية بهم، إذ إن الأغلبية الساحقة منهم أصبحوا مواطنين وحاصلين على جنسيات الدول التي يعيشون فيها، بالإضافة إلى أنه لم تحدث هجرات جماعية مطلقًا - باستثناء موجة الهجرة في التسعينيات التي تسببت بها حرب البلقان، وكذلك عدد محدود بعد احتلال العراق.
ومن المثير للدهشة أن يتفوه أولئك اليمينيون بأن مظاهر الإقصاء والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منها الكثير من المهاجرين هي التي تدفعهم أحيانا إلى الرغبة في الانتقام من المجتمع، فما داموا يدركون أسباب قيام البعض بأعمال انتقامية؛ فلماذا لا تكون هناك محاولات استيعابية لطاقات الشباب المسلم للنهوض بهم اقتصاديًا واجتماعيًا؟.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة مونستر أن الألمان هم الأقل تسامحا مع المسلمين مقارنة بغيرهم من الشعوب الأوروبية حيث وجد أن 30 ٪ من الألمان لا يعادون المسلمين ويفكرون بشكل إيجابي إزاء قضاياهم فى مقابل 62 ٪ من الهولنديين و 56 ٪ من الفرنسيين و 55 ٪ من الدنماركيين و 47 ٪ من البرتغالين يحملون مواقف إيجابية إزاء المسلمين.
وينبغي أن يوضع في الحسبان أن ذلك الاستطلاع كان قد أجرى قبل أن تعلن المستشارة أنجيلا ميركل أن محاولات خلق التعددية الثقافية بألمانيا قد "فشلت تماما" ، وكذلك قبل صدور كتاب تيلو سارازين العضو السابق في البنك المركزي الألماني والذي وصف فيه الألمان " بالغباء" لسماحهم بوجود المهاجرين المسلمين بينهم!.