مارتن جريفيث.. مبعوث بريطاني بهوية أمريكية
قبل أن يكمل الدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد مهمته كمبعوث أممي إلى اليمن، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بعدم الاستمرار في مهمته بعد انتهاء عقده، الأمر الذي اقتضى تعيين البريطاني مارتن جريفيث مبعوثا إلى اليمن.
كانت علاقة إسماعيل ولد الشيخ بالحوثيين قد وصلت إلى حد المفاصلة، تحت اتهامات بأنه يتعاون مع السعودية والتحالف العربي، رغم أن تحركاته خلال فترة ولايته كانت تصب لصالح الحوثيين، فكلما تقدم الجيش الوطني في جبهة سارع ولد الشيخ إلى طلب هدنة ومصالحة.
الترقب الآن للمبعوث الجديد مارتن جريفيث، وهو دبلوماسي ممارس، وخبير في العلاقات الدولية، وعمل طويلاً مع الأمم المتحدة بمجال الشؤون الإنسانية والسياسية.
عند البحث عن سيرة هذا الدبلوماسي، نجد أنه مصنف في قائمة الأمم المتحدة وسيطاً دولياً كبيراً، وكان أول مدير تنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام بين عامي 1999- 2010، ولذلك تم دفعه للإشراف على أحد أعقد الملفات التي تلقي بظلالها على الأمن الاقليمي والدولي.
مارتن جريفيث كان قد أصبح نجماً يشار إليه بالبنان في إبريل 2014 بعد أن تقلد منصب رئيس مكتب الأمم المتحدة في دمشق، وممثل الوسيط الأممي الأخضر الإبراهيمي في الأزمة السورية، وقاد عملية انتقال الوساطة في الأزمة من الأخضر إلى ستيفان دي ميستورا.
من الدوافع التي قادت إلى الدفع بمارتن جريفيث إلى اليمن، خبرته في تطوير نماذج الحوار السياسي بين الحكومات والمتمردين في مجموعة من البلدان في إفريقيا وآسيا وأوروبا خلال الفترة بين عامي 2012 و2014، وبالتالي يبدو أن اختياره كمبعوث أممي في اليمن محكوم بهذه الخبرة السابقة.
بناء على متابعة تصريحات ومشاركات المبعوث الجديد السابقة، فإن له تصور خاص وقناعات حول اليمن، أبرزها أن الحرب في هذا البلد تختلف عن الحرب في سوريا، ففي سوريا الحل أمر ممكن، ولكن فرص الحل تتضاءل في اليمن مع مرور الوقت، فالأزمة الاستثنائية في اليمن ذات بعد إنساني، وهي أسوأ من العراق وجنوب السودان.
ربما أن هذه القناعة جاءت بعد زيارته لليمن قبل عدة أشهر، حيث التقى بقيادات جماعة الحوثي والرئيس السابق الراحل علي عبدالله صالح، ثم انتقل بعدها إلى العاصمة السعودية الرياض والتقى بالرئيس عبدربه منصور هادي.
قد لا يتفق الكثير مع هذه القناعات التي ترسخت في ذهنية المبعوث الجديد، لكن الملاحظ أن الدور الذي يقوم به وسطاء الأمم المتحدة لا يعدو عن كونه يرسخ للمليشيات والجماعات المتمردة، فالتجارب واضحة للعيان من خلال النماذج السابقة في كثير من البلدان.
سيكون البريطاني غريفثت ثالث مبعوث أممي يمسك ملف الأزمة اليمنية منذ العام 2011، حيث سبقه في المنصب، المغربي جمال بن عمر، الذي استمر من 2011 حتى 2015، ثم الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ (2015ـ 2018 ).
بعد إعلان أخبار تعيين مارتن في اليمن، جاء الرد سريعاً من الحوثيين بالترحيب به على لسان محمد علي الحوثي مطالباً المبعوث الجديد بالتعاون في جمع الأطراف لاستئناف المفاوضات السياسية والعمل على نجاحها ونسيان جراحات الماضي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. ماذا يحمل المبعوث الجديد في حقيبته هذه المرة إلى اليمن، ولماذا سارع الحوثيون إلى إعلان الابتهاج بعد انتهاء مهمة ولد الشيخ وتعيين المبعوث الجديد، وهل يبدأ البريطاني مارتن من حيث أنتهى الموريتاني ولد الشيخ؟ .
تلك أسئلة تطرحها حالة المشهد اليمني الراهن، فالأوراق لا تخلط مختلطة، خصوصا بعد استفراد الحوثي بالسلطة في شمال اليمن وقتل علي عبدالله صالح الحليف المشارك في الانقلاب على سلطة الرئيس عبدربه منصور هادي، وتشتت حزب المؤتمر الشعبي العام بدون واجهة موحدة.
الواضح في المشهد أن هناك ضغط أمريكي واضح على التحالف العربي وعلى الحكومة اليمنية لعدم إكمال تحرير مدينة الحديدة بعد أن وصلت القوات الشرعية على مشارفها، وفيما يبدو أن الأمريكيين يفرضون خطوطاً حمراً على تحرير صنعاء أو الحديدة.
تأكيداً على ذلك يذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في تقليم أظافر الحوثيين في اليمن، رغم حالة العداء المعلنة من قبل الحوثيين ضد واشنطن وشعارهم المعروف (الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل)، فأمريكا ترى أن الحوثي قوة مهمة يلزم وجودها لابتزاز حلفاءها في المنطقة وكسب المزيد من المال في عمليات بيع السلاح، فضلا عن أن الحوثي يمثل جزء من المشروع الإيراني الذي تضبطه واشنطن حسب مزاجها، فهي تريده قوياً بالقدر الذي يضر بالعرب، وضعيفاً بالقدر الذي لا يتعدى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على وجه الخصوص.