• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ثناء الملائكة على الله تعالى

ثناء الملائكة على الله تعالى


الحمد لله الخلاق العليم؛ خلق الملائكة من نور، وخلق الجن من نار، وخلق بني آدم من صلصال كالفخار، نحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه؛ فله القدرة على خلقه، وله الحكمة في فعله وأمره، وهو العليم القدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ما عبده عابد بمثل ذكره، ومن ذكره الثناء عليه بما هو أهله {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] فلا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان كثير الثناء على الله تعالى، وكان يثني عليه في العسر واليسر، وفي الرخاء والشدة، وكان يذكره سبحانه في كل أحواله وأحيانه، وبعد ألم أحد ومصيبتها، وعلى ثرى أرضها؛ صف الناس خلفه صفوفا، ووقف يثني على الله تعالى بما هو أهله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وعظموه، وأثنوا عليه بما هو أهله؛ فإنه سبحانه خالقكم ورازقكم وهاديكم لما يصلحكم في أمور دينكم ودنياكم، وإليه مرجعكم ومآبكم، وعليه حسابكم وجزاءكم {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأنعام: 48- 49]. 

أيها الناس: الملائكة عليهم السلام خلق من خلق الله تعالى{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26- 27].

 والملائكة مع دأبهم في طاعة الله تعالى، ومحبتهم لأهل الطاعة من المؤمنين، وكراهيتهم لأهل الكفر والنفاق والفجور؛ فإنهم كثيرو الثناء على الله تعالى، لا تفتر ألسنتهم عن ذكره وتسبيحه وحمده والثناء عليه بما هو أهله، وفي قصة آدم عليه السلام، خاف الملائكة عليهم السلام من إفساد البشر، ونشر فسادهم في الأرض، وتأدبوا مع الله تعالى في محاورتهم له، وأثنوا فيها عليه سبحانه بما هو أهله من العلم المحيط بكل شيء، وأقروا بأنهم لا يعلمون إلا ما علمهم الله سبحانه،  {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 30 - 32].

وفي أعظم شهادة على أعظم مشهود، شهد الملائكة عليهم السلام لله تعالى بالوحدانية، وهي أعظم الثناء؛ لأنها أحسن الحسنات، وهي العروة الوثقى، وهي كلمة التقوى، وهي كلمة الله العليا، والدين كله لأجلها، والحساب والجزاء عليها {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].

ومن ثناء الملائكة على الله تعالى: شهادتهم على كتابه الكريم، وكتابه عز وجل كتاب ثناء عليه؛ فقد تضمن بيان أسمائه وصفاته وأفعاله التي يثنى عليه سبحانه بها {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166].

ومن ثناء الملائكة على الله تعالى: تسبيحهم بحمده، والتسبيح تنزيه وثناء؛ فحملة العرش والحافون به مقيمون على تسبيح الله تعالى في كل لحظة، ويثنون عليه سبحانه بسعة رحمته التي وسعت كل شيء، ويُصدرون دَعواتهم للمؤمنين بهذا الثناء العظيم، ويختمونها بالثناء عليه بالعزة والحكمة؛ لبيان أن رحمته سبحانه عن عزة وليست عن ضعف، وأن أفعاله عز وجل اقتضتها حكمته {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7-9].

وليس الثناء على الله تعالى بالتسبيح خاصا بحملة العرش، بل هو دأب الملائكة كلهم؛ تعظيما لله تعالى، وإجلالا له، وهيبة منه، وخوفا من غضبه {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الشورى: 3 - 5] {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13].

ولا يتوقف الملائكة عليهم السلام في ثنائهم على الله تعالى، ولا يملون منه، ولا ينقطع تسبيحهم له عز وجل لحظة من ليل أو نهار {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19-20] 

وثناؤهم على الله تعالى وتسبيحهم له مستمر لا ينقطع أبدا، فيسبحون الله تعالى في الدنيا، ويسبحونه يوم القيامة إذا جمع الخلق كلهم لفصل القضاء {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75].

 فكل الدنيا وما قبلها وما بعدها، ويوم القيامة وما بعده إلى ما شاء الله تعالى زمن لثناء الملائكة على الله تعالى، ويا له من زمن طويل ليست الدنيا من بدايتها إلى نهايتها شيئا يذكر عنده.

وإذا تبين ذلك فلم يعجز العباد عن قضاء حياتهم كلها -وهي جزء يسير من الدنيا- في الثناء على الله تعالى، مرطبين ألسنتهم بذكره سبحانه وتسبيحه وحمده وتهليله وتكبيره واستغفاره، محركين قلوبهم بما تقوله ألسنتهم، مستدلين على عظمة الله تعالى بخلقه وآياته في أنفسهم وفي الآفاق، وفيما يمر بهم في حياتهم الدنيا {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].   

نسأل الله تعالى أن يرطب ألسنتنا بذكره، وأن يلهمنا الثناء عليه بما هو أهله، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عباده إنه سميع مجيب.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 18-19].

أيها المسلمون: كثرة ثناء الملائكة على الله تعالى تستوجب منا نحن البشر أن نثني على الله تعالى في كل حال وحين وأوان؛ وذلك لأن الملائكة يعلمون من عظمة الله تعالى ما لا نعلم، وهم في الدنيا أقرب إلى الله تعالى منا؛ فهم في الملكوت الأعلى، ويرون من خلقه في السموات ما لم نر، وما لم نسمع، وما لا يخطر على قلوبنا، وعظمة المخلوقات دليل على عظمة الخالق. كما أن الملائكة عليهم السلام يعلمون من أمر الله تعالى الكوني ما لم نعلم، وكل ذلك يستوجب الثناء على الله تعالى بما هو أهله؛ ولذا فإنه إذا صدر الأمر من الله تعالى فزع الملائكة عليهم السلام، وأكثروا التسبيح والثناء على الله تعالى؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الحَقَّ، وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ...» رواه البخاري، وفي حديث آخر قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ، إِذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا...» رواه مسلم.

ومع تعظيم الملائكة لله تعالى، وثناؤهم عليه، وعدم انقطاعهم عن ذكره وتسبيحه وعبادته فأنهم مقرون بتقصيرهم في الثناء على الله تعالى، معترفون بأنهم لم يعبدوه حق عباده، وما ذاك إلا لعظمته سبحانه وتعالى التي مهما ذكره الخلق بها وأثنوا عليه وعبدوه؛ فإنهم لا يفون الله تعالى حقه، ولا يقدرونه قدره، ولن يبلغوا ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه . روى سَلْمَانُ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوْ وُزِنَ فِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوَسِعَتْ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ لِمَنْ يَزِنُ هَذَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلَ حَدَّ الْمُوسَى فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: مَنْ تُجِيزُ عَلَى هَذَا؟ فَيَقُولُ: مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِي، فَيَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» رواه الحاكم وقال: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، ووافقه الذهبي.

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ.

وصلوا وسلموا على نبيكم....

أعلى