"سلوان.. يريدونها "مدينة داود"
بأحجام مختلفة، ترفرف أعلام صهيونية على منازل فلسطينية بالعشرات استولت عليها جماعات استيطانية صهيونية في بلدة سلوان، أقرب أحياء شرقي القدس المحتلة إلى المسجد الأقصى، من ناحيته الجنوبية.
المستوطنون والمسؤولون الصهاينة يشتركون في تهويد سلوان عبر الاستيلاء على منازلها، وتنفيذ أعمال حفر واسعة بحثا عن آثار يهودية مزعومة؛ مما يهدد حياة سكانها (نحو 55 ألف فلسطيني)، ضمن جهود صهيونية لاستهداف البلدة، باعتبارها خط الدفاع الأول عن الأقصى، ولإقامة ما يزعمون أنها "مدينة داود التاريخية" على أنقاضها.
فعلى بعد مئات الأمتار من الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى، يخوض فلسطينيون و صهاينة، في سلوان، واحدة من أصعب الصراعات في المدينة، التي احتلتها القوات الصهيونية عام 1967، ثم ضمتها إليها، في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي، ويرفض كل ما يترتب عليها من تداعيات.
لماذا سلوان ؟
باستثناء البلدة القديمة في شرقي القدس المحتلة، فإن الحياة في سلوان مختلفة عن باقي أحياء المدينة، حيث بات تنقل مستوطنين صهاينة حاملين أسلحتهم ومعتمرين قلنسواتهم الدينية (الكيبا) مشهدا يوميا.
لكن أيضا، ومنذ سنوات، بات معتادا مشهد فلسطينيين وهم يلقون حجارة وزجاجات حارقة باتجاه منازل فلسطينيين استولى عليها مستوطنون. فخري أبو دياب، رئيس "لجنة الدفاع عن سلوان" (غير حكومية)، قال إن "الجماعات الاستيطانية، وعلى مدى السنوات الماضية، استولت على 57 عقارا في البلدة.. وعشرات المنازل الأخرى مهددة".
أبو دياب، تابع أن "سلوان من المناطق الأكثر استهدافا بالاستيطان من بين الأحياء الفلسطينية في القدس لعدة أسباب، أهمها أنها الأقرب إلى المسجد الأقصى، وبالتالي هي خط الدفاع الأول عنه".
وموضحا، تابع أنه: "خلافا لباقي الأحياء في شرقي القدس، التي تسعى جماعات المستوطنين إلى الاستيلاء على منازل فيها، فإن هذه الجماعات تريد إقامة ما يسمونه مدينة داود العبرية على أنقاض سلوان".
"مدينة داود" !
جمعية "عطيرات كوهانيم" الاستيطانية تنشط في تهويد عدد من أحياء القدس، بينها البلدة القديمة والصوانة وجبل الزيتون والشيخ جراح، بينما تشترك مع جمعية "إلعاد" الاستيطانية في استيطان سلوان؛ ما يجعل الخطر على البلدة مضاعفا.
ويقول موقع إلكتروني صهيوني، مخصص لشرح معنى عباراة "مدينة داود"، باللغات العبرية والعربية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية والألمانية، إنه "في مدينة داود قبل 3000 سنة، ترك الملك داود مدينة الخليل لصالح مدينة صغيرة (يقصدون سلوان) على قمة التل المعروف باسم أورشليم-القدس، وجعلها عاصمة موحدة لقبائل اليهود".
ووفق الموقع: "اليوم قصة مدينة داود لا تزال مستمرة في أعماق الأرض، مدينة داود تكشف بعض التحف الأثرية الأكثر ندرة من العالم القديم، بينما فوق الأرض، فالمدينة هي مركز حيوي، ومركز الزوار يرحب بالزائرين، ويقدم لهم جولة مثيرة للموقع، حيث تم كتابة الكثير من أسفار الكتاب المقدس".
طرد وتوطين
تلك الأقوال الصهيونية يصفها سكان سلوان بـ"المزاعم"، ولكنهم يدفعون ثمنها معاناة يومية ومخاوف على مستقبلهم في البلدة.
ولتلك المخاوف ما يبررها، إذ اتفقت ثلاث منظمات حقوقية صهيونية، في تقارير منفصلة، على أن استهداف سلوان تصاعد على نحو كبير في السنوات الأخيرة.
فبحسب "مركز المعلومات الصهيوني لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة" (بتسيلم- غير حكومي):" تحدث في حيّ بَطن الهوى، وسط سلوان، كبرى عمليات الترحيل التي تشهدها أحياء شرق القدس في هذه الفترة".
المركز الحقوقي أضاف، في معطيات كررتها أيضا حركة "السلام الآن" وجمعية "عير عاميم" (غير حكوميتين)، أنه "حتى الآن تم تقديم دعاوى إخلاء ضد 81 أسرة فلسطينية تعيش في الحي منذ عشرات السنين".
ووفق المركز، "تجنّدت في السنوات الأخيرة الوزارات المختلفة وبلدية القدس لمساعدة الجمعية الاستيطانيّة عطِرِت كوهَنيم على طرد أسر فلسطينية تقيم في حيّ بطن الهوى، ولتوطين المستوطنين اليهود مكانهم".
هذا الواقع بكافة جوانبه، تعمل المحاكم الصهيونية، وبحسب "بتسليم"، على "شرعنته، وهي بذلك توفر غطاء قانونيا لعنف الدولة المنظّم، والهادف إلى تحقيق غاية مخالفة للقانون، وهي الإزاحة القسريّة لسكان محميين من منازلهم في أرض محتلة".
أساليب صهيونية
استيلاء المستوطنين على عقارات الفلسطينيين يتم عبر ثلاثة أساليب أساسية، أولها، وفق رئيس "لجنة الدفاع عن سلوان"، "عبر مساندة الحكومة الصهيونية وأجهزتها، وخاصة ما يسمى بحارس أملاك الغائبين (جهة رسمية صهيونية)، الذي استولى على عقارات بداعي غياب أصحابها، ثم باعها بأسعار رمزية إلى المستوطنين".
أبو دياب أضاف أن الأسلوب الثاني يتم "من خلال تواطؤ القضاء الصهيوني، الذي قبل وثائق مزورة رغم وجود ما يدحضها من وثائق قديمة تؤكد ملكية فلسطينيين لتلك العقارات، بينما الأسلوب الثالث للاستيلاء يتم من خلال سماسرة، يعملون (في الخفاء) لحساب الجمعيات الاستيطانية، حيث يشترون العقارات من أصحابها، ثم يحولون ملكيتها إلى مستوطنين".
أوامر هدم لمنازل
بموازاة تلك الأنشطة الاستيطانية، تعمل البلدية الصهيونية في القدس على تقليص عدد الفلسطينيين في سلون عبر هدم المنازل بداعي إقامتها بدون تراخيص بناء.
وبحسب أبو دياب: "هناك 487 أمر هدم لمنازل في سلوان؛ ما يهدد حوالي 26 ألف شخص، أي قرابة نصف عدد سكان البلدة".
بالمقابل، لا تتحرك البلدية الصهيونية لهدم مبنى "بيت يوناثان"، الذي أقامه مستوطنون في سلوان، وبجانبه مبنى "بيت العسل"، وهما العصب الرئيس للمستوطنين في البلدة، رغم وجود قرار، ومنذ سنوات، من المحكمة العليا الإسرائيلية بهدمه.
واستنادا إلى جمعيات حقوقية صهيونية، توفر الحكومة الصهيونية ميزانيات مالية كبيرة لفرق حراسة للمنازل التي تم الاستيلاء عليها في القدس الشرقية، وبينها سلوان.
حفريات وتشققات
إضافة إلى النشاط الاستيطاني فوق أرض سلوان، يقول سكان البلدة إنهم يخشون أكثر مما يجري تحت الأرض.
ووفق أبو دياب: "توجد قرابة 27 حفرية تحت الأرض في سلوان بينها 16 نفقا تصل إلى محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة.. السكان يعانون، فجراء هذه الحفريات حدثت تشققات في جدران العديد من المنازل، وفي الكثير من الأحيان حدث هبوط في أرضيات شوارع، وكذلك أرضيات منازل".
وبجانب ذلك، أعلنت البلدية الصهيونية، خلال السنوات القليلة الماضية، نيتها إقامة عدد من "الحدائق التوراتية" في سلوان، إحداها على أنقاض حي البستان (تسكنه نحو 90 عائلة) في سلوان، بدعوى أن تلك المنازل غير مرخصة، ومقامة على أرض زراعية وحديقة توراتية تعود إلى ثلاثة آلاف عام.كما صادقت البلدية مؤخرا على إقامة مركز تهويدي في مدخل البلدة.
وإضافة إلى تهجير سكان سلوان الفلسطينيين، بحسب رئيس لجنة الدفاع عن البلدة، فإن "هناك محاولات محمومة لإظهار سلوان وكأنها يهودية، فمن ناحية هناك الاسم وهو (مدينة داود)، ومن ناحية أخرى وضع الإعلام الصهيونية على المنازل التي تم الاستيلاء عليها، فضلا عن مخططات لإقامة حدائق توراتية ومركز تهويدي".
وعلى اختلاف توجهاتها، تجمع الحكومات الصهيونية حتى الآن على رفض وقف الاستيطان؛ مما أدى إلى توقف المفاوضات بين الفلسطينيين و الصهاينة منذ أبريل 2014.
وفي شرق القدس المحتلة وحدها توجد أكثر من ٥٨ ألف وحدة سكنية استيطانية، يعيش فيها أكثر من ٢٢٠ ألف مستوطن، مقابل ٣٠٠ ألف فلسطيني، بحسب تصريح أدلى به رئيس دائرة الخرائط ونظم المعلومات بجمعية الدراسات العربية في القدس (غير حكومية)، خليل التفكجي.