العراق وصناعة المليشيات الأمريكية
تلعب المنظمات الشيعية في العراق دوراً هاماً في الحفاظ على استمرار الوصاية الأمريكية على البلاد، بالإضافة إلى ضمان إستمرار إيران كحليف قوي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هذا الامر خلص إليه تقرير أعده الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشأن الأدنى فيليب سميث، وجاء فيه أن من أبرز المنظمات الشيعية تقرباً من إيران "الحشد الشعبي" الذي اعتبره التقرير حليفاً جيداً لواشنطن كونه لاينخرط في أي نشاطات "جهادية" على حد وصفه. وأشار التقرير إلى " المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي يرأسه عمار الحكيم، و تأسست المنظمة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي على يد مجموعة من المنفيين الشيعة العراقيين. وكانت هذه الجماعة، التي أنشئت في إيران تحت وصاية طهران، تُعرَف آنذاك باسم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق". وفي عام 1982، شكلت جناحاً عسكرياً يدعى "فيلق بدر".
وبعد غزو قوات الائتلاف للعراق واحتلالها البلاد في عام 2003، تمكن أعضاء "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" من العودة إلى بلادهم. وفي شهر آب/أغسطس من ذلك العام، تم اغتيال مؤسس المجلس وزعيمه لفترة طويلة محمد باقر الحكيم، فخلفه في الحكم أخوه عبدالعزيز الحكيم. وفي عام 2007، غيّرت الجماعة اسمها إلى "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي".
وبعد وفاة عبدالعزيز الحكيم في عام 2009، خلفه ابنه عمّار الحكيم الذي أصبح منذ ذلك الحين زعيم "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي". وخلال فترة قيادته، انتهج «المجلس» مواقف انتخابية واجتماعية أكثر تماشياً مع سياسات رجال الدين التقليديين النافذين مثل آية الله علي السيستاني. ومع ذلك، نشأ انشقاق داخلي نتيجة معارضة الحكيم لبعض السياسات الإيرانية، وفي عام 2012، دفع ذلك الانشقاق بـ "فيلق بدر" التابع لـ "المجلس الأعلى" تحت قيادة هادي العامري إلى الانفصال وتشكيل مجموعة إصلاحية جديدة باسم "منظمة بدر"، وهي جماعة سياسية تضم ميليشيات من أشد أنصار إيران.
في عام 2014، عندما اجتاح تنظيم "داعش" مدينة الموصل وسيطر عليها ومع تقدّمه بوتيرة سريعة باتجاه أقسام أخرى من العراق، عمد "المجلس الأعلى"، وتماشياً مع الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لمحاربة التنظيم في العراق إلى تشكيل ميليشيا خاصة به باسم "سرايا عاشوراء". وتشمل هذه القوة عدداً من المقاتلين السابقين في "فيلق بدر" وتحرص بانتظام على استعراض أسلحتها التي تلقتها من إيران.
على الرغم من العلاقات المتوترة بين الحكيم وبعض وكلاء إيران، حافظ "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" على صلات عميقة مع باقي الجماعات المدعومة من إيران. وفي عام 2014، تأسست كتلة "المواطن" البرلمانية بقيادة "المجلس الأعلى" وشملت ما يقرب من 20 مجموعة مختلفة، بعضها تحافظ على روابط وثيقة مع إيران.
في عام 2011 تأسست "حركة الجهاد والبناء" كإحدى الجماعات الحليفة والمقربة من «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» ولها ممثلون في كل من البرلمان العراقي والمنظمة الأم غير الرسمية التي تعمل تحت مظلتها ميليشيات «المجلس الأعلى». ويشغل عضو البرلمان حسن الساري، منصب الأمين العام للجماعة، وكان سابقاً قائد «حركة حزب الله في العراق» وعضواً في مجلس الشورى التابع لـ «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق». وتحت قيادته، قاتلت «حركة حزب الله في العراق» قوات صدام حسين في منطقة الأهوار في جنوب العراق؛ وكانت عائلة الساري تعيش في إيران في ذلك الوقت. وفي الآونة الأخيرة، دعا الساري إلى دعم الوجود الإيراني المسلّح في العراق.
في عام 2014، التمس الحكيم مساعدة حركة الجهاد والبناء من أجل تجنيد أعضاء لميليشيا، سرايا الجهاد وأظهرت هذه الجماعة استعداداً أكبر شأناً بأشواط للاستجابة لمطالب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي. أرسلت حركة الجهاد والبناء العديد من المقاتلين إلى ذلك البلد بناءً على طلب طهران. ومن بين أولئك المقاتلين صالح جبر البخاتي، نائب الأمين العام لـسرايا الجهاد» الذي قُتِل في معركة الفلوجة في حزيران/يونيو 2016. وسابقاً، شارك البخاتي في معارك في سوريا والتُقِطت صور له في العراق وهو يناقش خطط المعارك مع قاسم سليماني، قائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني.
استخدم المجلس الأعلى مليشياته لشن حرب تطهير عرقي على سنة العراق، وكان أبرز قيادته جلال الدين الصغير، إمام في "جامع براثا" في بغداد وعضو سابق في مجلس الشورى المجلس الأعلى ويشغل منصب الأمين العام لميليشيا سرايا أنصار العقيد» الشيعية التي استخدمت "جامع براثا" كقاعدة لفرق الموت الشيعية التي استهدفت السنة.
مع استمرار الولايات المتحدة في تشكيل تحالفات مع مختلف وحدات الحشد الشعبي، لا بدّ للإدارة الأمريكية أن تعتمد نهجاً دقيقاً وحذراً، يتمثّل في عدم اعتبار الميليشيات نفسها وعناصرها التشكيلية ككيان موحَّد، ففي ظل الضغوط الخارجية التي تواجهها مجموعة المظلة الأم وعدم قدرتها على بسط السيطرة الكاملة على العديد من مجموعاتها الحليفة، تمرّ هذه المنظمة الأم اليوم بمرحلة معقدة، لاسيما مع محاولتها اللعب على جميع الأطراف والتطرّق إلى العديد من المصالح المتنافسة في كثير من الأحيان.
وفي الوقت نفسه، يقول التقرير "هناك بعض الفرص في متناول الولايات المتحدة قد تساعدها في التأثير في مواقف المجلس الأعلى الإسلامي العراقي إزاء إيران وعملائها من الشيعة العراقيين، ولذلك، لا بد من مواصلة جهود التعاون مع المجلس الأعلى". ومن هذا المنطلق بحسب التقرير فإن، إدارة أوباما تستحق الثناء لإشادتها بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذها الحكيم ومساعيه الرامية إلى صد التنامي الجامح لنفوذ وحدات الحشد الشعبي التي تهيمن عليها إيران. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل سياسة المجلس الأعلى القائمة على التعاون الوثيق مع الجهات الفاعلة الطائفية بشكل متطرف والمجموعات المناهضة بشدة للولايات المتحدة الخاضعة لسيطرة إيران.