• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خرافات قام عليها الكيان الصهيوني

خرافات قام عليها الكيان الصهيوني

اعتمد الكيان الصهيوني على تحقيق الظاهرة التي تؤكد أنه إذا تصرف كثيرون على أساس أن نبوءة معينة ستحدث فإن تصرفهم هذا يحقق النبوءة، أو بمصطلح آخر "النبوءة ذاتية التحقق"، ولعبت "الأسطورة" دوراً كبيراً في نشأته وبقائه، فمنذ وجوده عام 1948 حتى يومنا الحاضر وهو يعرض نفسه على أنه ظاهرة خارقة تحقق المعجزات، ونجح الكيان الصهيوني في العقد الأخير من الزمن أن يجعل مستقبل العلاقات مع العرب على أساس نظام "المحور والأضلاع" في فرض واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط، على أساسه اعتبر العرب بضعف المستوى الرسمي أن لا ممر للدخول في العالم الجديد بتقنياته الحديثة إلا عبر الكيان الصهيوني وفق ما جاء في كتاب "الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل".

واستمرت الماكينة الإعلامية الصهيونية في الغرب بقوة اللوبي الصهيوني الضاغط في أمريكا، تروج أن العلاقة بين الطرفين الأمريكي والصهيوني علاقة متينة مبنية على التبادل التقاني المشترك، عبر ترويج مشاريع عسكرية وأبحاث علمية متقدمة، ومحاولة إنشاء "وادي سيلكون" صهيوني في مدينة "تل الربيع" المحتلة وضواحيها، وقد تحدث رئيس وزراء الكيان الصهيوني "بنيامين نتنياهو" في الأول من ديسمبر 2015 أمام جمع غفير من قادة العالم، أنه يملك الحل التقاني لظاهرة الإرهاب في العالم.

في الأسطورة الأولى سعى الكيان الصهيوني طوال فترة الخمسينات حتى منتصف الستينات من القرن الماضي لعرض أسطورة "المعجزة الزراعية" لترويج بقائه في فلسطين، وبدأ الكيان الصهيوني يصدَّر الحمضيات بآلاف الأطنان إلى أمريكا لإثبات أسطورته، لكن حقيقة الأمر غير ذلك تماماً؛ فقد كانت في الواقع زراعة تعتمد على الدعم الحكومي المرتفع، وما كان يجنيه الكيان الصهيوني من بيع الحمضيات في الولايات المتحدة أقل من التكلفة الحقيقية لزراعتها وتصديرها، لكن تكريس معجزة "تحويل الصحراء إلى جنة خضراء" - والقصد هنا فلسطين - لتبرير بقائه عالمياً في سعيه لإنشاء اقتصاد زراعي يعود على الفلسطينيين أنفسهم بالتنمية، عادت عليه بأضعاف الخسارة عبر بيع "سنداته"، وجمع التبرعات والهبات، وكسب الأصدقاء والمؤيدين لإثبات بقائه.

كان في استعمال المياه لإثبات "المعجزة الزراعية" هدر كبير لهذا المورد ذي الندرة الاقتصادية العالية في المنطقة كلها، وبعد حرب 1967 تحولت آلية هدر المياه في الزراعة داخل الكيان الصهيوني، من الدعم الحكومي إلى سرقة مياه الضفة الغربية، وتبين في فترة الجفاف النسبي لأعوام 2004 - 2008 أن الزراعة داخل الكيان بالأسلوب المتبع غير قابلة لأن تدوم.

في تفنيد الأسطورة الثانية "الجيش الذي لا يقهر" - أي "المعجزة الحربية" - استطاع الكيان الصهيوني أن يهزمَ جيوش ثلاثة دول كبيرة في ستة أيام فقط، وعلى مبدأ "Divad and Goliath" صورت معظم وسائل الإعلام الأمريكية حربَي 1948 و 1967 على أنها صراع "داوود وجوليات"، في إشارة للأسطورة التي تتحدث عن الصراع بين المقاتل العملاق الشرير الوثني جوليات، وبين داوود الصغير المؤمن، وكيف كانت الغلبة لـ "داوود" الذي أصبح في ما بعد أول "ملك" للكيان الصهيوني.

إن حقيقة ما حصل في "المعجزة الحربية" أن الجيش الصهيوني في 1948 قاتل بنحو 60 ألف جندي حارب بعضهم في الحرب العالمية الثانية مع الحلفاء، وكان له قيادة مركزية واحدة، في المقابل كان عدد مقاتلي الدول العربية السبع لا يتجاوز 40 ألف جندي، لم يكن لديهم قيادة مركزية إلا قيادة الملك عبد الله الذي كان جيشه أصلاً بقيادة بريطانية، وكان متفقاً مع الحركة الصهيونية على الدور الذي سيقوم به خلال الحرب، وفق ما كتبه محمد حسنين هيكل في كتابه "العروش والجيوش" عام 1999.

وقد لعب الإعلام الغربي دوراً كبيراً في دعم "أسطورة الجيش الذي لا يهزم"، في أسطورة حاكتها أجهزة الدعاية الصهيونية وحلفاؤها في العالم الغربي، وساهم أيضاً الإعلام العربي في تكريسها على أنها حقيقة، عن سابق تصميم وإرادة حتى ولو بدون قصد أحياناً.

تكسرت الأسطورة الثانية "الجيش الذي لا يهزم" على أبواب التاريخ الحديث، فما حدث في لبنان عام 2006، وفي غزة على مدار ثلاث حروب 2008 و 2012 و2014، في مواجهة جيش الكيان لجماعات مسلحة غير منتظمة، في "ميدان القتال المباشر"، وعبر نظرية "الكر والفر" هو كسر لأسطورة الكيان الصهيوني، الذي ما عاد قادراً على فرض المعادلة السابقة من احتلال الأرض التي يخوض عليها غمار معركته، يرجعنا ذلك في إثبات معادلته التاريخية حروبه السابقة، 1984،1967،1956.

إن نتائج الحرب الأخيرة على قطاع غزة كانت خطيرة على مستوى كسر الأسطورة الثانية، ففشل العدو الصهيوني في "ميدان القتال المباشر" جعله يسعى لتطبيق نظرية "الغابة الإسمنتية" أو ما يعرف بخيار "هانيبال" في مناطق (رفح، وحي الشجاعية، وخزاعة، وبيت حانون)، حيث دمرها بالكامل لتصبح مكشوفة تحت ميدان رؤيته الجوية في أي حرب مستقبلية، وبعد فشله في خوض "حرب الشوارع" فيها، سعى لتحويل "إعمارها المقاوم" إلى "إعمار عابر" ، وسيتجنب الكيان الصهيوني في أي مواجهة قادمة "ميدان الاشتباك المباشر" لميدان امتلاك "الرؤية الفوقية" عبر التكنولوجيا العسكرية المتمثلة فعلياً بسلاح الجو، لقصف الأهداف والمناطق دون الدخول فيها، يدفعنا هذا التوجه للدخول في الأسطورة الثالثة "صناعة التقنية العالية" في الكيان الصهيوني.

قبل الدخول في الأسطورة الثالثة علينا معرفة أن بقاء الكيان الصهيوني متعلق بمقدرته على إثبات "شرعيته" وتقديم مبررات لوجوده في هذا العالم، حيث لازمته عقدة "شرعية الوجود" ككابوس يطارده على الدوام، لذلك سعى لدخول العالم الجديد عبر بوابة "التقنية العالية"، وإثبات نفسه ككيان مركزي في المنطقة العربية، وكوسيط للتقانة العالية بين الغرب والشرق، ولا يمكن للعرب الولوج لهذا العالم إلا من خلال بوابة الكيان الصهيوني.

في بداية الأمر روَّج الكيان لمعجزته التقنية في كتاب "أمة البدايات: قصة المعجزة الاقتصادية في إسرائيل"، وظل هذا الكتاب يحتل مكانة عالية في "الكتب الأكثر مبيعاً" لصحيفتي "نيويورك تايمز" و "ول ستريت جورنال" وتم ترجمته لأكثر من عشرين لغة، لتعزيز الأسطورة الثالثة "المعجزة التقنية"، وإن كان الأمر لا يخلو من الحقيقة المفرطة في تقدم "تكنولوجيا السلاح" وتطبيقاتها المدنية للكيان، إلا أن نجاحه ما كان ليحدث لولا الدعم الأمريكي أولاً، والدعم الإعلامي الغربي ثانياً، ونجح الكيان في ترويج هذه المعجزة إعلامياً لتصبح "نبوءة ذاتية التحقق" لكن هذه الأسطورة واجهت مشكلة كبيرة وحديثة في مطلع عام 2012 مع حملات المقاطعة الدولية له، بالرغم من بقاء الكيان في سلم الحافة التقنية مع أمريكا، في تصدر "ميدان الرؤية" على سبيل المثال صناعة "طائرات الاستطلاع" ما يعرف بـ "Drones" حيث يصدِّر الكيان الآلاف منها سنوياً لشركات خاصة وبمليارات الدولارات.

تمثلت فكرة تحويل النموذج الصغير لـ "صناعات كبيرة" كأساس لتمويل جيش الكيان، ونجاح النموذج مرتبط بتطوير الأبحاث العلمية عليه، وعانى الكيان منذ عام 2012 من جودة الأبحاث العلمية، مع الحفاظ عليها كماً، بعد حملات المقاطعة الأكاديمية له، تمثلت في رفض علماء كبار كعالم الفيزياء الكبير "ستيفن هوكينغ" الإشراف على طلبة البحث العلمي القادمين من الكيان، وهنا مربط الفرس في تفنيد الأسطورة الثالثة "المعجزة العلمية" والعودة لعقدة الكيان الصهيوني الرئيسية "أزمة البقاء ومبررات الوجود".

 

 

أعلى