• - الموافق2024/11/28م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ملك الاردن والمحيط المشتعل

ملك الاردن والمحيط المشتعل


مرت ستة عشر عاماً على حكم الملك عبد الله بن الحسين، الذي يبلغ من العمر 53 عاما فقط ومع ذلك هو أحد الحكام المخضرمين والمتمرسين في المنطقة.

أثناء عودته من عيادة "مايو كلينك" الأمريكية ورُغم أنه كان يحتضر، اتخذ الملك حسين قراره المفاجئ بعزل أخاه الأمير الحسين من منصب ولاية العهد عام 1996، ليعين مكانه عبد الله أبنه البكر من زوجته الثانية الانجليزية "أفريل جردنر" المعروفة بالملكة منى، فعبد الله نفسه لم يكن يتوقع وفاة أباه ووصوله إلى عرش المملكة حسب ما أكد في لقاء متلفز، مشيراً إلى أنه كان يطمح بالاستمرار في عمله داخل الجيش، لكن جروح الأمير الحسن الذي سُلب منه العرش في اللحظات الأخيرة لم تلتأم حتى يومنا هذا، لأن الملك عبد الله منعه من الظهور في وسائل الاعلام داخل الأردن وسمح له بذلك في الخارج فقط.

بالرُغم من عمل عبد الله في الجيش، إلا أن لغته العربية كانت معيوبه، لأنه تلقى معظم تعليمه باللغة الانجليزية وتميز نُطقه باللكنة الأجنبية، لكنه تجاوز هذا الأمر وبات اليوم لا يظهر من هذا سوى أثر قليل. وبالعودة الى الماضي يبدو أن الملك حُسين رأى في ابنه منذ الصغر مميزات تؤهله لأن يكون ملكاً، فكان قد أرسله للالتحاق بدورات عسكرية مطوله في بريطانيا والولايات المتحدة، ثم توجه عبد الله إلى واشنطن لدراسة الدبلوماسية.

عبد الله هو الملك الاردني الوحيد الذي تزوج من امرأة واحده فقط، فالملكة الفلسطينية رانيا التي جاءت من الكويت جلبت له تعاطف كبير مع الشعب الاردني وأنجبت له ابنه الحسين ذو الـ 21 عاماً ليصبح ولياً للعهد، وهذا يعني أن ملك الأردن القادم سيكون نصفه فلسطيني، وهذا ليس أمراً سهلاً بالنسبة لدولة 60% من سكانها تقريباً من أصل فلسطيني، فولي العهد يجري تجهيزه لهذه اللحظة التي ستحين يوماً ما من خلال ظهوره المتكرر على الشعب وإشراكه في المناسبات الاردنية الرسمية المختلفة وإلقاءه لبعض الخطابات الشعبية لتقريبه من الشعب الاردني.

حينما كان عبد الله أميراً فإن اهتماماته العسكرية كانت تطغى على اهتماماته الأخرى، لأنه ضابط كومندوز موهوب ومتحمس ولا تزال صناعة نماذج الدبابات الصغيرة هوايته المفضلة حتى يومنا هذا، لكن من يحيطون به من أصدقاء وأعداء يعتبرونه سياسي محنك وحليم، لأنه يتحرك بحذر وسط المستنقع الهائج المحيط بالأردن ويحافظ على مملكته من عدة براكين تفجرت من حوله في سوريا والعراق وفلسطين، فعبد الله يُعاني الآن من توترات من جميع من حوله، فقد قطع علاقاته مع بشار الأسد منذ زمن وقام بطرد السفير السوري من الاردن، فهو يبغض الحكومة الشيعية في بغداد ويحذر من قيام هلال شيعي يُسيطر على الهلال الخصيب، وعلاقاته مع المملكة العربية السعودية ليست كما يُريد لأنه يشتكي من قلة دعمها المالي له.

إن "سيداً" كما يلقبونه نجح في أن يحافظ على الاستقرار في دولة فقيرة الموارد تعتمد على مساعدات خارجية، ودون أن يتعانق مع الكيان الصهيوني فهو يحافظ معه على تعاون هادئ رُغم المعارضة الصاخبة داخل الأردن، فاستقرار حكمه هو مطلب ضروري بالطبع بالنسبة له وللكيان، الذي يتخذ من الأردن خط دفاع أول له يعزله عن الكثير من العرب. ورُغم علاقاته الحميمة مع الكيان إلا أن لديه شكاوي مريرة من نتنياهو، ولا يتورع في التعبير عن غضبه أمام تغاضي حكومة نتنياهو عن جبهة النصرة التي تُعد امتداد لتنظيم القاعدة على حدود الجولان، ويتهم أردوغان بالتعاون مع  الجماعات وينتظر بفارغ الصبر نهاية فترة الرئيس الأمريكي اوباما.

فعبد الله الذي يقف الآن وحيداً دون وجود حليف حقيقي، كان قد كرر منذ وقت قصير في تصريحات تلفزيونية على إيمانه بأن مستقبل الكيان الصهيوني لا يتعلق بالحدود مع الاردن أو سوريا أو مصر، لأنه يؤمن تماماً بأن مستقبلها في أن تندمج بشكل كامل مع جيرانها العرب، ويبدو أن ما تنبأ به عبد الله وأكد عليه مراراً يمكن أن يتحقق في وقت قريب، لأن كسب ود نتنياهو أضحى شيء طبيعي لدى الكثير من الحكومات العربية التي تحاول جاهداً الآن تفصيل مبادرات على مقاسه!.

رُغم توتر علاقة الملك عبد الله برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلا أنه يحرص دوماً على التقارب مع الفلسطينيين، وخصوصاً طبقة رجال الأعمال التي تُسيطر على الاقتصاد المحلي، لأنه يدرك تماماً دور هذه الطبقة في دفع عجلة الاقتصاد الاردني من خلال الاستثمارات ورؤوس الأموال في المملكة، وكثيراً من أصحاب رؤوس الأموال الفلسطينيين يقدمون دعمهم للحكومة الاردنية، فالفلسطيني عبد الحميد شومان مؤسس البنك العربي كان قد أنشأ صندوقاً لدعم البحث العلمي في الاردن عام 1999.

في المقابل فإن علاقات الملك عبد الله يشوبها بعض التوتر والغضب مع بعض القبائل البدوية الاردنية التي تعيش في الجنوب، لأنهم يشعرون بأنهم فقدوا حياة الرفاهية التي كانوا يحصلون عليها في السابق، لذلك فإن المطلوب من الملك دائماً أن لا يصطدم مع التيارات السياسية في عمان وأن يتعامل معها بنوع من الحكمة بشكل دائم، فهو يترك مساحة واسعة نسبياً من حرية التعبير ويشجع في أحيان أخرى على تأسيس الأحزاب السياسية، لكنه لا يجد أي غضاضة في معالجة الازمات الداخلية من خلف الكواليس، فيقف بالمرصاد لنشاطات جماعة الاخوان المسلمين، وبعض التيارات الاسلامية الأخرى.

يقع على الاردن عبء نحو 700 الف لاجئ سوري، فالمملكة لا تمتلك بنية تحتية ملائمة توفر لهم خدمات وتعليم وسبل للرزق، فشظف العيش وسوء أحوال اللاجئين السوريين حول اللاجئات السوريات في مخيمات اللجوء إلى سلعة تُباع وتشترى لبعض القادمين من مناطق مختلفة من العالم العربي، وقد تحول هذا الأمر الى تجاره كاملة، لكن موجات اللجوء إلى الأردن تراجعت أو توقفت مؤخراً، ومع ذلك يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه الملك عبد الله هو منع تسلل عناصر داعش الى الاردن، خاصة وأن بعض مفكري ومؤسسي التنظيم كانوا قد خرجوا من الاردن.

 لذلك يعمل الجيش والمخابرات الاردنية داخل العمق العراقي والصحراء السورية دون الاعلان عن ذلك لإجهاض أي محاولات لداعش في وقت مبكر، كما أن جيش الملك يسعى جاهداً لتدريب وتسليح بعض العشائر السُنية هناك لجعلها حائط صد ضد أي اختراق للحدود الاردنية، لكن قبل كل شيء ينظر عبد الله لانتهاء هذه العاصفة من حوله، وقد يحتاج لسنوات أكثر ليحقق ذلك، لأن الهجوم الذي تعرض له مبنى المخابرات الاردنية في مدينة البقعة قبل ساعات قليلة من الآن يؤكد على ان العاصفة ما تزال قائمة ونهاية المواجهة لا تبدو قريبه. 

 

أعلى