• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حزب الله عندما يطمئن الصهاينة

حزب الله عندما يطمئن الصهاينة


تحول حزب الله إلى مادة للسخرية من قبل الإعلام الصهيوني، بعد اتهامه لقوى المعارضة السورية باغتيال القيادي مصطفى بدر الدين بدر الدين، وتجنبه اتهام تل أبيب بالعملية.

 وفي مقال نشرته صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر يوم الأحد، قال تسفي بارئيل، معلق الشؤون العربية في الصحيفة: إن حزب الله يعي تماماً أن قوى المعارضة السورية "غير قادرة من ناحية تقنية على تنفيذ مثل هذا العمل لكنه أقدم على هذا الاتهام لأنه مريح بالنسبة له".

ويرى يؤآف ليمور، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "يسرائيل هيوم" أن تعمُّد حزب الله عدم اتهام تل أبيب يأتي لأنه غير معني بفتح مواجهة مع الكيان الصهيوني في هذا الوقت تحديداً. وحسب ليمور، فإن حزب الله بات يقتفي آثار نظام الأسد الذي يتجاهل هجمات الكيان الصهيوني ويعزوها إلى قوى المعارضة لكي يبرر عدم قيامه بالرد.

وقد اعتبر المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" نوعم أمير أن حسن نصر الله قبِل بأن يظهر الضعف من خلال تجنب اتهام الكيان الصهيوني باغتيال بدر الدين، على أن يخاطر بمواجهة مع هذا الكيان. وفي مقال تحليل، أوضح أمير أن حسن نصر الله يرسل بذلك رسالة غير مباشرة لإسرائيل مفادها أنه غير معني بالمواجهة، متوقعاً أن يستغل الكيان الصهيوني الواقع الجديد، معتبراً أن التورط في سوريا جعل حزب الله "عدواً مثالياً" للكيان الصهيوني.

وبمعزل عن التعليقات الصهيونية، فإن المفارقة تكمن في أن حزب الله سارع لنفي تهمة اغتيال بدر الدين عن الكيان الصهيوني، ورمى بها فصائل المعارضة السورية، مع أن كل الدلائل تشير بوضوح تام إلى أن الجهة التي نفذت عملية الاغتيال ذات قدرات تقنية واستخبارية وعسكرية كبيرة، لا تتوفر إلا للكيان الصهيوني أو لجهة تملك قدرات مماثلة لقدراته.

 وفي ظل التزام المستويات الرسمية في الكيان الصهيوني الصمت ومسارعة الولايات المتحدة بنفي أية مسؤولية عن العملية، إلى جانب أن أيّاً من فصائل المعارضة السورية لم تبادر للإعلان عن المسؤولية عن هذا العمل، فإن اتهام حزب الله للمعارضة يبدو مثيراً للسخرية.

 فقد كان من الواضح أن حزب الله من خلال تبرئة الصهاينة من دماء بدر الدين وتحميل المسؤولية لفصائل المعارضة السورية يريد أن يبرر مواصلة ولوغه في دماء السوريين واستمرار تورطه في هذه الحرب لخدمة خياراته المذهبية والجيوسياسية بمعزل عن أي منطق أو عقل. وكما اتضح من تعليقات الكتَّاب الصهاينة، فإن قادة حزب الله يعون أن تحميل الكيان الصهيوني المسؤولية عن عملية الاغتيال يفرض عليهم التعهد والالتزام بـ "الثأر" والرد على العملية، وهذا ببساطة يتناقض مع المصالح الإيرانية، وعلى رأسها مهمة الحفاظ على نظام الأسد الإجرامي.

وعلى الرغم من أن أحداً ليس بوسعه تحديد جهة بعينها كمسؤولة عن عمليات الاغتيال بشكل يقيني، إلا أنه في المقابل هناك العديد من العوامل التي تدفع للاعتقاد أن اتهام حزب الله للمعارضة السورية وتبرئة الصهاينة يتناقض مع العديد من الشواهد والمؤشرات التي تدلل على عكس ذلك.

ويمكن هنا سرد المؤشرات على الدور الصهيوني وراء عملية الاغتيال:

أولاً: جاءت عملية الاغتيال في أعقاب اعتراف رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو قبل شهر بأن كيانه ينفذ عمليات داخل سوريا ولبنان، وذلك لأول مرة، وهو ما يدلل على أن نتنياهو كان مرتاحاً بأن ثمة قراراً اتُّخذ في قيادة حزب الله بتجاهل الضربات الصهيونية والتركيز على ضرب الشعب السوري.

ثانياً: منطقة مطار "دمشق"، التي يقع في محيطها المخيم الذي اغتيل فيه بدر الدين هي منطقة سبق للطيران الصهيوني أن نفذ فيها عدداً من عمليات القصف، علاوة على أن هذه المنطقة ليست منطقة اشتباك بين قوى المعارضة المسلحة ونظام الأسد وحلفائه.

ثالثاً: التقنيات العسكرية التي استخدمت في عملية الاغتيال (حديث عن استخدام صاروخ موجَّه) لم يسبق لقوى المعارضة السورية استخدامها، ناهيك عن أن تحديد مكان بدر الدين بالضبط، وهو يحيط نفسه بهالة من السرية، هي مهمة تحتاج إلى تفوق استخباري كبير، وهذه الميزة محفوظة للكيان الصهيوني.

 وقد اعترف حزب الله في الآونة الأخيرة بأن المخابرات الصهيونية تمكنت من زرع عدد من عملائها في مناطق حساسة داخل الحزب ومؤسساته. وهذا ما فسر تمكن الصهاينة من اغتيال عماد مغنية عام 2008 وبعد ذلك نجله وعدد من قادة الحرس الثوري الإيراني وسمير قنطار.

رابعاً: هناك أساس للاعتقاد أن تعمد المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي في تل أبيب الصمت هذه المرة يأتي بشكل خاص نتاج تفاهم صهيوني روسي، يقوم على منح تل أبيب هامش مرونة كبيرة ومطلق في سوريا مقابل الحرص على عدم إثارة ضجيج إعلامي يحرج الروس أمام حلفائهم الإيرانيين وحزب الله، سيما في ظل تواتر المؤشرات على حدوث توتر في العلاقة بين طهران وموسكو مؤخراً، وفي ظل تعاظم التنسيق على أعلى المستويات بين موسكو وتل أبيب، لدرجة أن نتنياهو سيقوم بتاسع زيارة لموسكو في غضون أربعة أعوام.

خامساً: إن ما يدلل على اطمئنان الصهاينة بشأن خيارات حزب الله وردود فعله المرتقبة تمثل في أنها المرة الأولى التي يغتال فيها قيادي في حزب الله في سوريا أو لبنان ولا يتم الإعلان عن حالة الاستنفار في شمال فلسطين المحتلة. بل على العكس تماماً، فقد طلبت المؤسسات الصهيونية من السياح وبقية الصهاينة مواصلة التوافد على مناطق الشمال بأعداد كبيرة.

قصارى القول: يدفع حزب الله ضريبة خياراته البائسة والانتحارية وهو ينغمس حتى أذنيه في حرب مستحيلة ضد الشعب السوري. فلم يكن لأحد أن تصل الأمور إلى حد أن يهزأ حزب الله بعقول العالم وتحديداً مناصريه عبر تبرئة الصهاينة من دماء مصطفى بدر الدين، وهذا ما لا ينطلي على طفل صغير.

لقد تحول حزب الله إلى "عدو مثالي" للكيان الصهيوني تماماً كما هو الحال بالنسبة لحليفه نظام الأسد.

أعلى