• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
رشيد ترخاني: تونس تعاني من

رشيد ترخاني: تونس تعاني من "إرهاب" العلمانيين


لم يشهد الوضع العام في تونس، تغييراً كبيراً رغم التحولات التي شهدتها البلاد منذ سنة 2011، نظراً لتنامي الخطر الداخلي والخارجي وسيطرة رؤوس المال والإمبرياليين على الحياة الاقتصادية وتفعيل نفوذهم على الشعب التونسي، وغياب استراتيجية واضحة لمقاومة الفساد وإيجاد حلول عاجلة للقضاء على المظاهر السلبية التي يعاني منها الناس، كما أن هاجس الإرهاب سيطر على عقول الشعب وكبل مطالبهم... مجلة "البيان" في تونس فتحت مختلف المواضيع التي تشغل الرأي العام التونسي عبر حوار خاص أجرته مع رئيس جبهة الإصلاح الإسلامية د. رشيد الترخاني

البيان: كيف تقيِّم الوضع العام الحالي في تونس، خاصة بعد هدوء الأوضاع الأمنية نوعا ما؟

لا شك أن تونس تعيش اليوم أصعب فتراتها التاريخية، وهي تتجاوز مرحلة الفترة الانتقالية نحو بناء دولة تقطع مع الاستبداد والظلم والتهميش، وتقوم على أساس العدل والاحترام بين جميع مكونات المجتمع، إلا أن الوضع العام لم يتغير كثيراً بل ازداد صعوبة وجُل مطالب الثورة لم تتحقق بل وقع الانقلاب عليها؛ لم يلمس الناس رؤية واضحة ولا خطة عمل منهجية ولا حضوراً مقنعاً، هذا إلى جانب تنامي ظاهرة الإرهاب - خاصة إذا نظرنا إلى الوضع الإقليمي - الذي أصبح يشكل تهديداً مباشراً على أمن البلاد وسلامتها وارتفاع نسب البطالة والفقر وانخفاض نسبة النمو وغياب رؤية واضحة لمشاكل التنمية بالجهات المهمشة.

ولعل من أهم التحديات الأخرى التي تواجهها تونس وهي تكافح من أجل الخروج من دائرة الاستبداد وبناء مؤسسات ديمقراطية، تسللَ المنظومة السابقة لإدارة البلاد وصنع القرار ما يهدد بإفشال المسار "الانتقالي" والعودة بالبلاد إلى مربع القمع والاستبداد.

البيان: مر عام على تنصيب الحكومة الجديدة، فما تقييمك لأدائها؟

التقييم مهم جداً بعد عام من تنصيب الحكومة لمعرفة نسبة النجاح والإخفاق في تعاطي الحكومة مع الملفات والتحديات المطروحة وفي مقدمتها الملف الأمني ومعالجة ظاهرة الإرهاب، ومدى نجاحها في معالجة الملفات الاجتماعية الحارقة في الجهات المهمشة خاصة بعد ما عاشته بلادنا من أحداث أمنية واجتماعية لا تزال تداعياتها تخيم على الوضع العام في البلاد على غرار العملية الإرهابية الأخيرة في بن قردان وقبلها الاحتجاجات التي اجتاحت مختلف الجهات للمطالبة بالحق في التشغيل والاعتصامات المتواصلة لحاملي الشهادات العليا أمام الوزارات والولايات.

في نظري، إن أداء الحكومة اتسم بالضعف والوهن وهي تعالج الملفات الحارقة بأيادي مرتعشة في كثير من المواقف وبالعجز وعدم القدرة أحيانا على فرض القانون.

وتظل مشكلة التنمية في الجهات المهمشة ومعالجة قضية الإرهاب إحدى العقبات الكبرى وخير شاهد على تخبط الحكومة الحالية على الرغم من بعض النجاحات، هذا إلى جانب غياب الانسجام في المواقف وبروز التصريحات المتناقضة أحياناً بين مكونات الائتلاف الحاكم وافتقاد رئيس الحكومة لدعم فعلي من الحزب الأغلبي في ظل تعقد أزمة نداء تونس والصراعات التي تعصف به.

البيان: ماهي قراءتك المستقبلية تجاه تغير موازين قوى الخريطة السياسية لفائدة حركة النهضة الإسلامية بعد تفكك نداء تونس؟

اختلال موازين القوى السياسية سيفرض بالضرورة خريطة سياسية جديدة وستجد حركة النهضة نفسها أمام واقع سياسي مغاير لما أفرزته انتخابات 2014م بصفتها الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان.

لكن هل حركة النهضة التي اختارت خطاباً توافقياً يدعو إلى ضرورة حماية المسار الديمقراطي وتحقيق الوحدة الوطنية، ترغب فعلاً في تغيير موازين القوى واستغلال وضعها الجديد كحزب أغلبية؟ اعتقد أن حركة النهضة - المستفيد الوحيد من أزمة نداء تونس - ستحافظ على تموقعها الحالي وَفْق ما أفرزته الانتخابات الفارطة وستكون أولويتها إنجاحَ المشروع الوطني خاصة في المجالين الأمني والاقتصادي وخاصة أن تجربتها في الحكم وما لاقته من معارضة شديدة من طرف معارضيها انتهت بتسليم الترويكا للسلطة لا زالت حاضرة في الأذهان.

البيان: انقسام حركة نداء تونس، هل هو - حقاً - نتاج خلاف على دخول حركة النهضة وتوافق معها في الحكم أم أن هناك صراعات داخليةً في الحركة؟

أعتقد إن انقسام نداء تونس هو نتيجة صراعات داخلية على المواقع وهذا نتيجة طبيعية لحزب نشأ في ظروف خاصة وكان الهدف الأساسي من تكوينه هو قطع الطريق على حركة النهضة التي كانت في طريق مفتوح لاستلام السلطة؛ فقد كان واضحاً منذ بداية التأسيس أن حزب نداء تونس الذي كان يطرح نفسه بديلاً في الحكم عن حركة النهضة وحلفائها هو بمثابة ائتلاف غير معلَن بين محسوبين على حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل (حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي) ويساريين من مختلف مشارب اليسار وبعض المستقلين.

 بينما التحقت مجموعة من حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي (الحزب الشيوعي سابقا) التحاقاً منظماً تحسباً لاحتمال أن يصبح نداء تونس أكبر قوة معارضة للنهضة، وكان الجامع بينهما هو معاداة النهضة ومحاولة قطع الطريق عليها وإفساد تجربتها في الحكم، و "سرعان ما خرجت الخلافات من داخل الحزب إلى العلن لتصبح القنوات التلفزيونية مجالاً لمشادات تجاوزت الخلافات السياسية والتنظيمية الداخلية إلى صراعات بالوكالة بين مصالح لوبيات متنفذة في مجال المال والأعمال والأمن"، ومراكز قوى قديمة كان لها التأثير السيئ على تجربة الانتقال الديمقراطي. واعتقد كذلك أن قبول شق من نداء تونس التوافق مع حركة النهضة في الحكم - تحت إكراهات معروفة - عجل بانقسام النداء وانفجاره من الداخل بالرغم من التدخل المباشر من طرف رئيس الجمهوري وهو ما يعكس عمق أزمة النداء وتعقدها والصراعات التي تعصف به .

البيان: ما هي الخصائص والميزات التي تنفرد بها تونس حتى لا تكون ليبيا أو مصر اليوم في شمال إفريقيا؟

أعتقد أن التحديات الخارجية والوضع الإقليمي المتدهور وخاصة الصراع المسلح وعدم استقرار الوضع السياسي وإمكانية التدخل الخارجي في الجارة ليبيا يظل أكبر تحدياً تواجهه تونس، وما لم تستقر الأوضاع السياسية في ليبيا ويقبل جميع الأطراف الليبيين بالتوافق حول حكومة وحدة وطنية سيظل التهديد قائماً وسيظل الوضع الأمني هشاً، ولعل ما يميز تونس هو وعي النخبة السياسية بضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية وضمان سلامة البلاد من كل مكروه قد ينال الجميع دون استثناء.

البيان: ألا تعتقد أن ملف الإرهاب تداخلت فيه أطراف عديدة وأصبح صراع مصالح؟

نعم! بالضبط؛ فمن معضلات المشهد السياسي التونسي عجز الطبقة السياسية عن إخراج موضوع الإرهاب من التجاذب السياسي.

 ويبدو أن خسارة بعض القوى السياسية في انتخابات 2011 كانت سبباً لجعل الإرهاب موضوع تجاذب حاد في الحياة السياسية ولا سيما بعد اغتيال القياديين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، لتصبح كل حادثة إرهابية هي فرصة لتحميل طرف سياسي بعينه المسؤولية كاملة عن ظهور الإرهاب في تونس، ولم تشذ حادثة بن قردان عن هذه الحقيقة؛ إذ تلقف الإعلام المنحاز والموجَّه بلوبيات قديمة متنفذة الخبر ونصبت " البلاتوات " الحوارية ليصب الجميع حقدهم الأيديولوجي على التيار الإسلامي ، وشن حملات واسعة على المساجد والكتاتيب القرآنية والجمعيات الخيرية، معتبرين إياها محاضن للإرهاب.

البيان: الشباب التونسي يحتاج إلى إحاطة كبيرة في ظل تنامي المخاطر والمصالح الدولية لاستغلاله، هل عندكم حلولٌ لذلك؟

لا شك أن الإرهاب يمثل تهديداً مستمراً للسلام والأمن والاستقرار الدولي ونحن من موقعنا كحزب سياسي كنا وما زلنا ندعو إلى اعتماد خطة استراتيجية متكاملة وشاملة ومحكمة وقابلة للتّنفيذ تعتمد على المعالجة الأمنية والثقافية والنفسية، والإجراءات السياسية حتى نحمي أبناءنا من الأفكار الهدامة ونجنبهم الوقوع فريسةً للجماعات والمنظمات المشبوهة كذلك لا زلنا نعتقد أن المعالجة الأمنية وحدَها لن تؤدي إلى نتائج تُذكر والواقع خير دليل على ذلك.

البيان: ما هو نشاط حزبكم (جبهة الإصلاح)؟ وهل لكم أهداف سياسية؟ وهل تسعون إلى تحالفات في المستقبل؟

طبعاً نحن نعمل حالياً على تطوير الحزب وإجراء عملية نقد ذاتي وإيجاد الآليات الكفيلة لترجمة أفكارنا وتحقيق أهدافنا السياسية وعلى رأسها تحقيق المشاركة الفاعلة في العملية السياسية بجميع مناحيها وتفعيل العمل الجماهيري من أجل الإسهام بفاعلية في بناء وترسيخ دولة المؤسسات على أسس علمية حديثة. وإن أردنا الاستقرار لبلدنا فلا بد من تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الحد الأدنى للحياة الكريمة التي تلبي الضرورات من غذاء ورعاية صحية وتأهيل علمي.

 ومن أهدافنا كذلك توعية الشباب حتى لا يكون هدفاً للأفكار المنحرفة والعقائد الفاسدة... أما عن التحالفات فنحن لا نستبعد هذا الخيار بل نرى أن عملية التغيير لا يمكن أن يقوم بها طرف سياسي بعينه؛ بل يجب التعاون والعمل على الثوابت وجعل المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار.

البيان: خمس سنوات، ألا تعتبر مدة طويلة وفيها تجربة كافية من أجل تأسيس جبهة إسلامية موحدة؟

اعتقد أنه بعد الفشل الذي منيت به الأحزاب الإسلامية في الانتخابات الأخيرة أصبح لزاماً عليها القيام بمراجعة خطابها وتوجُّهها واستراتيجيتها للوقوف على الأخطاء إن كانت – فعلاً - تريد أن يكون لها وزن على الساحة السياسية وإلا فستبقى على هامش الفعل السياسي ولن تكون رقماً في المشهد؛ فإما أن تطور أفكارها أو سيقصيها التاريخ وتنتهي إلى زوال ومن ثَمَّ لن يكون لأي تحالف يجمع الأحزاب الإسلامية أي معنى أو تأثير يذكر.

البيان: لماذا لم يتم بعث بديل إعلامي لما هو سائد من أجل تثقيف الرأي العام التونسي والنهوض بالأفكار وتنمية الوعي الديني؟

لا يمكن إنكار الدور المركزي الذي لعبه الإعلام في التقلبات السياسية وخلخلة منظومات الاستبداد، التي شهدتها تونس والمنطقة العربية عموماً كما لا يمكن أن نتجاهل الدور المماثل الذي لعبه الإعلام من أجل إعادة السيطرة على العقول والتحريض الممنهج على الثورات والانتفاضات... من هنا كان لا بد من تأسيس إعلام بديل يرتفع بالمستوى الثقافي والأخلاقي لأفراد الشعب التونسي ويكون حصناً لشبابنا من الأفكار الهدامة؛ إلا أن اللوبي المتنفذ حال دون بعث قنوات خاصة تؤثر في الرأي وتخدم قضايا العدل والحرية، وما التضييقات الحالية على بعض القنوات الخاصة كالزيتونة وغيرها إلا أكبر دليل على رغبة القائمين على المشهد السمعي البصري في إقصاء هذه الإذاعات والقنوات.

البيان: ماهي وجهة نظرك تجاه الحرب العلمانية على التدين في تونس؟

الاعتداء على المقدسات الإسلامية في تونس هو اعتداء على هوية الشعب التونسي وعلى ثوابته ومقدساته، ونحن على ثقة بأن كل المخططات التي تستهدف الإساءة إلى الدين الإسلامي أو المسَّ بمقدسات الشعب التونسي ستبوء بالفشل ولن يكون لها أثر؛ ذلك أن الشعب التونسي متجذر في هويته متمسك بدينه معتز بوطنيته، وأي محاولة للتضييق على مظاهر التدين أو انتهاج سياسة التصحير التي انتهجها بن علي بحجة محاربة الإرهاب هي انتهاك لحقوق الإنسان واعتداء على حريات الناس التي كفلها الشرع والدستور.

البيان: هل تخشون من تكرار سيناريو جديد لحوار وطني آخر لإسقاط حركة النهضة من الحكم ومن ثَمَّ القضاء على التجربة الإسلامية؟

بعد 5 سنوات من الثورة لا زال الوضع السياسي والاجتماعي في تونس لم يستقر بعد، وهو ما يجعل الوضع العام في البلاد يدعو إلى القلق.

لكن ما يدعونا إلى الاطمئنان على المسار الديمقراطي هو القناعة الحاصلة لدى الشعب التونسي وعموم النخبة السياسية بتعزيز الوحدة الوطنية وبضرورة التعايش السلمي بين جميع الأطراف السياسيين على اختلاف توجهاتهم والحفاظ على البلاد من الدخول في احتراب داخلي لا قدر الله، نظراً لخطورة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها بلادنا ولا أدل على ذلك من الأحداث الإرهابية الأخيرة التي شهدتها بلادنا في مدينة بن قردان والاحتجاجات التي نالت عدداً من المحافظات على خلفية انتشار البطالة في أوساط الشباب.

أعلى