كي لا تقع أوروبا في الفخ الصهيوني
لقد أحسن الكاتب اليهودي إيلان كابروف عندما وصف أنماط التوظيف الصهيوني الرسمي
والنخبوي والجماهيري لتفجيرات بروكسل بأن "رقص حقير ومقزز على الدماء".
وحسب كابروف فإن الصهاينة وقادتهم قد فقدوا أي قدر من الحياء وباتوا يتعاملون بشكل
مناقض لأقل مستوى من الأخلاق في تعاطيهم مع هذه التفجيرات، مشيراً إلى أن هذا
التوظيف يستفز الأعصاب.
ومن يمعن النظر، يجد أن ما يتحدث عنه كابروف قد تجسد بشكل لا يمكن تصوره. فلا يمكن
للمرء أن يتوقع أن وزيراً يمثل كياناً سياسياً يسخر من شعب تعرض لمصيبة مَّا على
النحو الذي فعله بعض الوزراء الصهاينة.
فقد سخر وزير الاستخبارات الصهيوني يسرائيل كاتس من البلجيكيين وعيرهم بأنهم مجرد
"مجموعة بشرية مدمنة على أكل الشوكولاتة ولا تعرف ما يدور حوله
وبالمجمل فقد بدت النخب الصهيونية السياسية والأمنية والإعلامية كما لو كانت تنتظر
على أحر من الجمر تفجيرات بروكسل لتشرع في محاولاتها تبرير عدوانها على الشعب
الفلسطيني وتسويغ خطها اليميني المتطرف وتحريضها على العالم العربي والإسلام
والمسلمين؛ فقد انبرت النخبة اليمينية الصهيونية بشكل خاص لتوظيف هذا التطور بكل ما
أوتيت من قوة في مسعى أيضاً لتعزيز الثقل السياسي لليمين داخل الكيان الصهيوني
ذاته.
وكعادته فقد برز نتنياهو في توظيف التفجيرات من خلال تكرار مقولته الممجوجة بأن
هذه التفجيرات تدلل على أن الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية لا يعد السبب وراء
عدم استقرار العالم بل "الإسلام المتطرف الذي يمثله منفذو التفجيرات".
ليس هذا فحسب؛ بل إن نتنياهو ذهب أبعد من ذلك عندما اعتبر أن الذين يطالبون
إسرائيل بالانسحاب من الضفة الغربية "أنما يقدمون مكافأة" لمنفذي التفجيرات بزعم أن
الانسحاب سيمثل مسوغاً لهم لمواصلة هذه العمليات.
وقد كرر نتنياهو مقولته الهاذية التي ترمي إلى تسويغ إيجاد قواسم مشتركة مع العرب؛
حيث قال: "يتوجب على أبناء النور أن يتوحدوا في مواجهة أبناء النظام، علينا أن نعمل
سوياً من أجل الانتصار على الإسلام المتطرف".
لكن ما لم يكن بوسع نتنياهو وبقية القيادات السياسية البوح به، تولاه المنظرون
الذين يمتهنون الكتابة والتعليق في الصحف وقنوات التلفزة الصهيونية. فقد اتفق هؤلاء
على ترديد مقولة واحدة، ألا وهي: إن تفجيرات بروكسل تمثل "مظهراً من مظاهر حرب
الحضارات التي يشنها الإسلام على الغرب".
وفي مقال مطول في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أوسعِ الصحف انتشاراً والمقربة من ديوان
نتنياهو، كان الكاتب حاييم شاين واضحاً في تحديد الأهداف التي يتوجب على الكيان
الصهيوني تحقيقها من وراء توظيف هذه التفجيرات؛ حيث إنه يرى أن على القيادة
السياسية في تل أبيب أن تقنع الغرب أنه يتوجب عليه أن يدعم الكيان الصهيوني ليكون
"رأس الحرب" ضد الإسلام المتطرف من أجل تحقيق انتصار حاسم وساحق عليه.
وبالنسبة لشاين، فأن المقابل الذي يتوجب أن يحصل عليه الكيان الصهيوني لقاء هذه
الخدمات هو أن يتبنى العالم موقفه من الصراع على اعتبار أنه صراع حضارات وليس
صراعاً وطنياً تفجر في أعقاب احتلال الأراض الفلسطينية.
أما الكاتب أرئيل سيغل، فقد ذهب بعيداً عندما دعا الغرب إلى استبدال كلمة
"النازية" بـ "الإسلام".
وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" زعم سيغل أنه يتوجب على الغرب والكيان
الصهيوني شنَّ حرب لا هوادة فيها، تماماً كما فعل الحلفاء في مواجهة النازية خلال
الحرب العالمية الثانية، وعدم التردد في استخدام السلاح النووي إن كان ذلك من
متطلبات هذه المواجهة.
ولم يتردد بعض كبار المسؤولين الصهاينة في دعوة القيادات الأوروبية إلى التخلي عن
قيم الليبرالية وحقوق الإنسان.
فقد قال المجرم وزير الإسكان يوآف غلانات، الذي سبق له أن قاد الحرب الصهيونية على
غزة عام 2008 إنه يتوجب على أوروبا التخلي مطلقاً عن سياسة " الجسور المفتوحة " بين
دولها وبينها وبين العالم الخارجي على اعتبار أن هذه الخطوة تعد مطلباً من مطالب
الحرب ضد الإرهاب.
ونصب غلانات نفسه مرشداً لأوروبا؛ حيث دعا أوروبا للتعلم من الكيان الصهيوني كيفية
الموازنة بين الحفاظ على حقوق الفرد وبين متطلبات الأمن.
ولم يقف التحريض عند هذا الحد، فقد كان هناك في تل أبيب من رأى أن الشخص الوحيد
الذي بإمكانه توفير حلول حقيقية لموجة العمليات الإرهابية في الغرب هو المرشح
الجمهوري دونالد ترامب.
وفي مقال نشره موقع صحيفة "معاريف" قال المعلق العسكري ألون بن دافيد: "على الرغم
من أن ترامب يبدو مهرجاً لكنه قد يتبين أنه الأفضل لمواجهة الإسلام السياسي
والإسلام الجهادي، وبكل تأكيد سيكون أداؤه أفضل من أداء المرشحة الديموقراطية
هيلاري كلنتون التي تكتفي بالشجب من بعيد".
لكن ما يبعث على القلق حقاً حقيقةُ أن هناك مؤشرات على أن بعض الأوروبيين قد انطلى
عليهم التضليل الصهيوني.
فقد ذكرت بعض وسائل الإعلام الصهيونية أن دولاً أوروبية تستعين حالياً بعناصر من
جهاز الموساد الصهيوني لمواجهة ما أطلق عليه "الخطر الجهادي".
ويمكن القول: إن الصهاينة لا يمكن أن يقدموا وجبات مجاناً، حيث إنهم ينتظرون
المقابل وراء كل خدمة يقدمونها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك لدى تل أبيب ما
تقدمه وتطرحه؟
الإجابة عن هذا السؤال نتركها للكاتب الصهيوني أورن نهاري الذي استفزه تنصيب
المسؤولين الصهاينة أنفسهم مرشدين لأوروبا؛ حيث قال: "إن كانت لدى أجهزتنا الأمنية
والاستخبارية كل هذه القدرات؛ فلماذا لم تنجح على مدى أكثر من خمسة أشهر في وضع حد
لعمليات الدعس والطعن التي يقتل ويجرح فيها كثير من مواطنينا".
ودعا نهاري نتنياهو ووزراءه للتواضع وعدم تضليل أوروبا بالحديث عن وصفة يعجز
الكيان الصهيوني ذاته عن تقديمها.