• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الهروب الروسي الخبيث.. ورعد الشمال

الهروب الروسي الخبيث.. ورعد الشمال


انزعجت تل أبيب كثيراً من الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا فأرسلت رؤوفين ريفلين إلى موسكو للحصول على تطمينات روسية بشأن استمرار التنسيق في العمليات العسكرية داخل سوريا واستمرار جهد روسيا في محاربة " التطرف الإسلامي"، لكن على صعيد أعمق من ذلك يجب الأخذ بالحسبان تصريح سابق أطلقه وزير الجيش الصهيوني موشيه يعلون جاء فيه" واهم من يظن أن مشروع تقسيم سوريا إلى دويلات سيفشل"، إذن الحلم الصهيوني بدعم إقامة دولة كردية علمانية أربكه قليلاً الانسحاب الروسي لأن الضربات العسكرية التي نفذتها روسيا ساعدت كثيراً في تعزيز قوة الأكراد وخصوصاً على الحدود التركية.

كذلك أعاد الانسحاب الروسي ضبط ميزان القوة الذي اختل لصالح النظام السوري منذ التدخل قبل عدة أشهر، وبذلك يمكن بشكل كبير التأثير على عجلة المفاوضات التي ترعاها واشنطن في جنيف.  لا يمكن الجزم بأن استقرار سوريا يمكن أن يكون مهماً لهذه الدرجة بالنسبة للقوى الغربية التي ما طلت في الضغط على النظام لإجباره للجلوس على طاولة المفاوضات منذ بداية الثورة السورية، وكانت تنتظر منه حسم المعركة عسكرياً، لأن هناك أسباباً أخرى للخطوة الروسية قد تكون أكثر واقعية.  أحد تلك الأسباب وليس أهمها مثلما أشارت المحللة في شركة ستراتفورد المتخصصة بالاستخبارات الجيوسياسية في أمريكا، ريفا بهالا، الأزمة الاقتصادية الروسية، لا سيما عقب الحصار الأوروبي الأمريكي المشتركة على الإقتصاد الروسي، وقد قدرت بهالا في مقابلة مع موقع " سي أن أن" الأمريكي الخسائر الروسية بــ2 مليون دولار يومياً بالإضافة إلى 500 مليون دولار لتجهيز القواعد العسكرية الروسية في سوريا.

ربما قبل الاسترسال بالحديث عن أزمة روسيا في سوريا، يجب العودة إلى تاريخ روسيا الأسود في منطقة الشرق الأوسط، لنتمكن من قراءة الموقف الحالي بشكل أقرب للصواب، فقد نصت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 على ان تتقاسم فرنسا وبريطانيا منطقة الهلال الخصيب، لكن ذلك لم يتم إلا بمصادقة الامبراطورية الروسية كون تلك المنطقة كانت ولا تزال تعتبر من نفوذ الكنيسة الشرقية التي تتخذ من موسكو مقراً لها. لذلك يقول الدكتور السيد مصطفى أبو الخي، في كتابة " القضية الفلسطينية ومبدأ قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار"، إن منطقة الهلال الخصيب لا تزال حتى هذا اليوم منطقة نفوذ استعماري وتعتبر روسيا نفسها جزء من تاريخ تلك المنطقة لذلك التدخل الروسي في سوريا لم يكن لطموحات اقتصادية او عسكرية، كما يقول الكاتب عبد الغني المصري، فقد كانت ليبيا أكثر منفعة من الناحية الاقتصادية للروس كذلك فإن تدشين قاعدة عسكرية في وسط البحر المتوسط  وقبالة سواحل اوروبا، أكثر أهمية لروسيا من تشييدها في طرطوس أقصى شرق البحر المتوسط. إن التدخل الروسي في سوريا جاء لاستمرار المحافظة على الإرث الاستعماري لتلك الدول في منطقة الشرق الأوسط، وخشية من حسم المعركة على يد قوى جديدة برزت في المنطقة مثل "تركيا والمملكة العربية السعودية".

في الآونة الأخيرة أظهرت التصريحات السورية التي أدلى بها وزير خارجية النظام وليد المعلم خلافاً جذرياً بين النظام وبين روسيا، فقد أراد النظام السوري دعماً مطلقاً لحسم المعركة على الأرض، بينما تحارب روسيا وعينها على مسار علاقاتها مع أوروبا و الغرب، بالإضافة إلى أبعاد الأزمة مع تركيا، فهي لا تريد التورط أكثر من ذلك لا سيما مع تلويح التحالف السعودي التركي بأهمية التدخل في سوريا وحسم المعركة برياً.

كذلك أشارت صحيفة السفير إلى نقطة مهمة وهي قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي قد تدفع باراك أوباما إلى السعي لتحقيق اتفاق يحفظ له تاريخياً قبل نهاية فترته الرئاسية.  فعلى صعيد الخلاف الروسي السوري، لا يجب التغافل عن تصريحات نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف عن إمكانية تطبيق الفيدرالية في سوريا، ثم تبعه تصريحات تناقضه لوليد المعلم وزير الخارجية السوري قال فيها إن "وفد بلاده لن يحاور أحدا يتحدث عن مقام الرئاسة"، رافضا أي حديث عن الفيدرالية.

صحيفة الأخبار اللبنانية نقلت عن مصادر خاصة بها أن الانسحاب الروسي جاء في سياق اتفاق بين موسكو وواشنطن، إذ قدّم الأمريكيون للروس تعهدا بمنع تركيا والسعودية من أي تدخّل يغيّر الموازين في سوريا، وهذا ما تُرجم ببدء أنقرة إقفال حدودها على نحو جدّي في بعض المناطق.

في تصريح نشرته "فرانس برس" يقول مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، ملخصاً الموقف الروسي، إن تصريحات المسؤولين السوريين حول فصل عملية "مكافحة الإرهاب" عن " المفاوضات السياسية" لا تنسجم مع الجهود الدبلوماسية لروسيا، مضيفاً أن الحكومة السورية إذا حذت حذو روسيا فسيكون لها فرصة في الخروج من الأزمة باستحقاق أما إذا ابتعدت عن هذا الطريق فسيكون الوضع صعب للغاية. لذلك يظهر أن الموقف الروسي ناجم عن توافق مع واشنطن للضغط على جميع الأطراف للقبول بمسار المفاوضات ولإنجاح وقف إطلاق النار الذي بدأ في فبراير الماضي، وهذه الخطوة قد تربك حسابات إيران السياسية.

إن الجهود الأمريكية والروسية لتعزيز سبل إنجاح المفاوضات لم تكن جادة قبل إعلان المملكة العربية السعودية عن تشكيل تحالف إسلامي في ديسمبر الماضي أعقبه إطلاق مناورات رعد الشمال، بمشاركة قوات من 20 دولة متحالفة مع المملكة التي أطلقت تهديدات بالتدخل برياً في سوريا إن لم يتم تنحية النظام السوري .لذلك سنجد أن الخطوة الروسية ستعزز جدية تحقيق نتائج في المفاوضات ما لم يقرر النظام السوري وحلفاءه في طهران وبيروت الاستمرار في خوض المعركة وحيداً، كذلك يجب الإشارة إلى سعي واشنطن والكيان الصهيوني وكذلك موسكو لإجبار ممثلي الفصائل على التسليم بمحاربة " الإرهاب"، ونستذكر بذلك ما نشرته صحيفة " الحياة اللندنية" من معلومات في 20/ديسمبر الماضي حول تسليم الاردن للقوى الراعية لمفاوضات جنيف قائمة بأسماء المنظمات" الإرهابية" في سوريا والتي تم استبعادها من المفاوضات.  لكن هل ستتخلى واشنطن عن حلفاءها الأكراد لصالح الفصائل الثورية التي تفاوض في جنيف والتي بدورها ترفض تقسيم سوريا؟!، أم أن الأكراد مجرد ورقة استخدموا لابتزاز تركيا وإجبارها على دعم مسار التفاوض بدلاً من حسم المعركة عسكرياً وتقديم المزيد من الدعم اللوجستي للثوار. إن الوقائع تشير إلى محاولة واشنطن تحقيق نقطة التقاء بين الفصائل السورية والنظام تتعلق بطريقة العمل في المستقبل، ولا يتعلق الأمر بتحقيق نتائج حاسمة تأثير في طبيعة الصراع في الوقت القريب، فلا تزال الورقة السورية رابحة بالنسبة لواشنطن لابتزاز طهران و التأثير سياسياً في المنطقة، وربما يمكن الرجوع للتجربة الأمريكية في العراق لتحديد مستقبل الصراع في سوريا.

 

 

أعلى