مستقبل النزاعات الحدودية بين روسيا واليابان
عقودٌ طويلةٌ مرت علي احتلال موسكو لأربع جزر يابانية ؛ ورغم طول العهد، كان "ديمتري ميدفيديف" أول زعيم روسي يطأ بقدمه تلك الجزر، بما في ذلك زعماء الحقبة السوفيتية.
ومنذ بدأ زيارته التي لم تتجاوز أربع ساعات في أوائل نوفمبر المنصرم؛ تصاعدت بشدة حدة التوتر بين روسيا واليابان ، واستدعت طوكيو سفيرها في موسكو بعد أن تبادل الطرفان تصريحات لاذعة.
ولم تكترث موسكو لسحب السفير ، بل دافعت بشكل حاد عن موقفها في فرض سيادتها على جزر الكوريل المتنازع عليها والتي يطلق عليها اليابانيون "الأراضي الشمالية" معتبرة أن تلك الجزر جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني الروسي.
وأصبح الزعيم الياباني "ناتو كان" في مرمى معارضته الداخلية التي وصفته بالضعف إزاء السياسة الخارجية، ولم يشفع له شجبه واستنكاره للزيارة الروسية لأراضي الشمال.
ويتنازع البلدان السيادة على الجزر الأربع: هابوماي وشيكوتان وايتوروفو وكوناشيري ؛ منذ أن احتلها الاتحاد السوفيتي السابق في الثامن عشر من أغسطس عام 1945 بعد استسلام اليابان في الحرب العالمية.
وفي العام 1956 وقعت كل من اليابان والاتحاد السوفيتي اتفاقية تقضي بأن تتنازل موسكو لليابان عن جزيرتين ، لكن الأخيرة أصرت على المطالبة بحقها في الجزر الأربع كلها.
وبما أن روسيا كانت الوريث للعرش السوفيتي فيلزمها أن تنفذ اتفاقياته –حسب ما يرى اليابانيون- لكن موسكو تعتبر تلك الاتفاقية مأزقًا عليها أن تجد سبيلا للخلاص منه.
لكنها في الوقت ذاته قالت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية أليكسي سازونوف إنها لن ترفض دعوات طوكيو لعقد محادثات إقليمية.
وقد انتهت قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والباسيفيك ( إبيك ) الثامنة عشرة بجزيرة يوكوهاما في الرابع عشر من نوفمبر دون أن تسفر عن تقدم في العلاقات اليابانية الروسية ، بل إن الرئيس الروسي أكد خلال القمة على أن الجزر المتنازع عليها هي أراض روسية، في حين رفضت الصين التحدث في الخلافات الحدوية مع اليابان، بل إن موسكو أعلنت – حسب صحيفة “كوميرسينت”- عن زيارات أخرى في الأمد المنظور يقوم بها ميدفيديف لبقية الجزر الأخرى في حراسة سلاح الجو الروسي على الرغم من تحذيرات طوكيو.
وتأتي زيارات الرئاسة الروسية لتلك الجزر في سياق الرد على تكمن الحزب الديموقراطي الحاكم في اليابان من تمرير مشروع قانون "أرض الشمال" عبر البرلمان والذي ينص على أن "جزر كوريل" أراضٍ يابانيةٍ وهي جزء لا يتجزأ من اليابان.
أهمية الجزر بالنسبة لليابان
تعتبر "أراضي الشمال" توسعًا مرغوبًا فيه بشدة من قبل ملايين اليابانيين الذين ضاقت عليهم الجزر القديمة؛ بالإضافة إلى كونها ملف سياسي رابح للفوز في الانتخابات، كما أن الجزر هامة جدًا لاحتوائها على العديد من الثروات البحرية الاقتصادية.
وقبل كل ما سبق الأهمية العسكرية والاستراتيجية التي يصعب أو يستحيل معها أن يتخلى الروس عنها.
ويرى سيرجي لوزيانين الخبير بأكاديمية العلوم الروسية أن موسكو بوسعها الضغط على طوكيو بمنع النفط والغاز المتدفق إليها ، لا سيما مع وجود مشترين كثر في جنوب آسيا .
ويتوقع المراقبون أن يؤول الأمر بين البلدين إلى استمرار في التصعيد وتدهور العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين؛ الأمر الذي قد يصل إلى تأثر العلاقات التجارية والاقتصادية؛ لا سيما عندما تلوح موسكو بسلاح النفط والغاز.
وهناك ثمة احتمال آخر وهو تجميد القضية والعودة إلى نقطة الصفر وهذا الاحتمال هو الأقرب للحدوث أكثر من الاحتمال الثالث الذي يقول بأن الحزب الحاكم في اليابان قد يرضى بأن يحصل على جزيرتين فقط من أصل أربعة جزر ؛ بدلا من الدخول في مرحلة تفاوض حلقاتها مفرغة مع الجانب الروسي الذي لا يزيده مرور العقود إلا تشبثًا بالجزر التي يرى فيها صيانة لأمنه القومي.