• - الموافق2024/11/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
النزاع الجزائري المغربي...سرطان في الجسد المغاربي

النزاع الجزائري المغربي...سرطان في الجسد المغاربي

سبق وتناول العديد من الباحثين العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر منذ الإستقلال إلى يومنا هذا دون تسليط الضوء على حقيقة هذا النزاع، وكشف اللبس والغموض الذي لا يزال يخيم عليهما، فهذه العلاقات كما يؤكدها الخبير في العلاقات المغربية ـ الجزائرية، الدكتور خالد شيات من خلال قوله أنه ليس هناك علاقات أكثر تعقيداً من العلاقات بين البلدين، كونها بقيت مرهونة لمنطق اللاحرب واللاسلم الذي يميّزها، مشيراً إلى أنه من الصعب الحديث عن فترات جيدة وأخرى سيئة في علاقات الجارين.

هذا التوتر لا يزال سيد الموقف بين الجزائر والمغرب إلى غاية اليوم، حيث يعتبر هذا النزاع من أطول النزاعات بين الدول المتجاورة في العالم، تستخدم فيه الأدوات السياسية والإعلامية والمالية والمخابراتية، تعود أسبابه لعوامل تاريخية جغرافية وسياسية، ويبدو أن هذه الحرب الباردة بينهما مستمرة في ظل غياب أي مؤشرات جدية لإنهاء الصراع.

الإرث الإستعماري وبداية الأزمة

لنرجع بالزمن إلى الوراء لنتقصى حقيقة الوضع؛ فبعد استقلال المغرب سنة 1956، واستقلال الجزائر سنة 1962، طالب المغرب باسترجاع سيادته على المنطقتين: تندوف والصحراء الغربية، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود لمغرب قبل الاستعمار مستندًا في ذلك إلى خارطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في 7 جويلية 1956، لكن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونغ المنعقد في 1956.

أمام هذا الواقع المتوتر ازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين إلى أن اندلعت مناوشات في ضواحي تندوف وحاسي بيضة وفكيك، تحولت بسرعة إلى حرب ضروس في أكتوبر من عام 1963، سميت بحرب الرمال، تكبد فيها الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب “السوداء في تاريخ البلدين” بتدخل منظمة الوحدة الأفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فيفري 1964.

مما أدرى بعقد إتفاقية لإعادة تقسيم الحدود بين البلدين في 15 جويلية 1972، بين الرئيس الجزائري هواري بومدين والملك المغربي آنذاك الحسن الثاني، إلا أن هذا الأمر لم يعنِ انتهاء العداء.

وبقيت العلاقات بينهما متوترة لتمثل أكبر عائق حقيقي أمام إتمام مشروع بناء وحدة مغاربية وتكامل ينهض بهذه الدول ليضعها في مصاف الدول الأخرى، حيث ارتبطت به في ما بعد سياسات ومواقف الدولتين المحوريتين في المغرب الكبير (المغرب والجزائر)، دون أن يعني ذلك أنها كانت حكرا عليهما، ذلك أن العلاقات القائمة بين بلدان المنطقة الأخرى (تونس وليبيا وموريتانيا) تأثرت هي الأخرى بهذا الصراع الجزائري المغربي.

وبالتالي يمكن الخروج بنقطيتين أساسيتين لهذا النزاع من ماضيه حيث تكمن في العاملين التاليين:

·                     العامل الأول: الإرث الاستعماري وكيفية التعامل معه من أهمها قضية الصحراء الغربية.

·                     العامل الثاني: إعتقاد القيادات السياسية والعسكرية المتعاقبة في الجزائر والمغرب، بعد إستقلال كلا الدولتين بأنهما في موقع يؤهلهما لفرض إرادتهما السياسية، على مجمل دول المنطقة، وكل منهما ترى بأنها ينبغي أن تقود، لوحدها ودون منازع، مختلف التحولات الاستراتيجية التي تعرفها إفريقيا التي بدأت تخرج تدريجيا من رقبة الاستعمار.

التنافس على المكانة الإقليمية

يثير إبرام الصفقات بين الجزائر القوى الدولية من جهة والمغرب والقوى الدولية من جهة أخرى الكثير من التساؤلات، خاصة وأن كل منهما يسعى إلى التفوق عن الآخر سوى كان بكمية الأسلحة ونفقاتها أم بنوعيتها وجودتها، هذا التنافس لا يحسم إلا بإحصاء الصفقات التي عقدتها كل منهما والذي يمكن توضيحه كالتالي:

1-      المغرب:

كشف تقرير صادر عن المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي أن إستكمال بناء قدرات عسكرية تقلص من الفجوة القائمة بين  ميزان القوى العسكري لدى الطرفين الجزائري و المغربي ؛ فالمغرب و وفق العديد من المصادر ومراكز البحث التي تُعنى بشؤون التسلح يراكم أسلحة متطورة كطائرات F16 الأمريكية و دبابات M-  60 الأمريكية و تي – 72 الروسية و دبابات أبرامس و فرقاطات فرنسية و بوارج .

أما عن الصفقات بين المغرب و الولايات المتحدة التي تصل إلى 12 مليار دولار حسب ما أعلنت عنها وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا و شركة راثيون و الوزير الأمريكي المكلف بالبحرية رايو مايوس الذي زار المغرب في  عام 2013.

ويمكن القول أن الجهود المغربية تركز على عاملين هامين في بناء الجاهزية العسكرية أي العامل النوعي والكمي، ففي مقابل الدبابة الروسية لدى الجزائر تي -91 إشترى المغرب 200 دبابة أبرامس الأمريكية، و بالنسبة للطائرات يركز المغرب على طائرات F-16  الأمريكية في مواجهة الطائرات الجزائرية ميغ 29  وسوخوي 27 .

كما أقدم من قبل على شراء الدروع و خاصة دبابة أم – 60 حيث إشترت 350 دبابة مما رفع عدد دباباته من الجيل الثالث إلى 575 دبابة إضافة إلى 200 دبابة من الجيل الثالث، فالخبير العسكري المتقاعد اللواء محمد فتحي لاحظ أن المغرب رغم محدودية إمكانياته المادية إلا أنه دفع لقاء صفقات أبرمها تسعة مليارات دولار هذا في إطار بناء الجاهزية القتالية و التركيز على المنظومات القتالية المتطورة الأمريكية و الروسية .

نوع الصفقة تشمل منظومات  أسلحة متطورة مثل طائرات f16 بمنظومة GPS  أي من نفس الطراز الذي تحصل عليه إسرائيل دون غيرها من طائرات نقل عملاقة C17  ومروحيات من طراز تشينوك متطورة يصل ثمن الواحدة إلى 300 مليون دولار .

هذه القائمة من منظومات الأسلحة التي تعاقد المغرب على شرائها من الولايات المتحدة وفرنسا و روسيا و ألمانيا، هي في نظر خبراء إستراتيجيين نذكر من بينهم اللواء المتقاعد عبد الوهاب محمد و الخبير العسكري العميد المهندس أكرم حسين و نبيل جمال، هي منظومات قتال نوعية هجومية، و أن الحرص على حيازتها وإقتنائها يكشف عن إرادة مغربية لتحقيق تفوق نوعي على الجزائر .

2- الجزائر

الجيش الجزائري الذي يحتل المرتبة الرابعة عربيًا من بين أقوى الجيوش العربية والمرتبة 31 عالميًا دخل في طور قوة بسبب عقده للعديد من صفقات السلاح الأخيرة، أبرزها صفقة أُبرمت مع الدب الروسي بمبلغ 8 مليارات دولار لاستيراد دبابات روسية من طراز T-90 وطائرات قتالية من طراز SO-30   إلى جانب الحصول على عدة أنظمة للدفاع الجوي وطائرات إمداد.

وحسب ما كشفت عنه دراسة عسكرية حديثة لبحوث القوات الجوية الأمريكية ”إر آير” في هذا الشأن، أن قوات الدفاع الجوي الجزائرية عن الإقليم باتت من بين أفضل 10 منظومات دفاع جوي تطورا في العالم ، كما أكدت أن الجزائر تحصلت على منظومات دفاع جوي شديدة التعقيد من روسيا، أهمها النظام الروسيPantsyr SA-22  ، ثم نظام 300S- الروسي أيضا، ومنظومات رادار روسية متطورة، وأشار تقرير المعهد إلى أن قوات الدفاع الجوي عن الإقليم الجزائرية تطورت بسرعة خلال 12 سنة من 2002 إلى 2014 بتجديد ترسانة الصواريخ الروسية القديمة المضادة للطائرات، من أجل جعلها قابلة للإستغلال في أية مواجهة قادمة عبر إقتناء أنظمة إلكترونية من دول غربية.

إضافة إلى الصفقة التي عقدتها مع إيطاليا حصلت بموجبها على عشر طائرات إيطالية الصنع، كذلك وقّعت الجزائر مع بريطانيا صفقة تقضي ببيع 30 طائرة قتالية متعددة المهمام للجزائر.

كما عمل سلاح البحرية الجزائري في الآونة الأخيرة على عقد صفقات مع الحليف الفرنسي الذي له دور كبير في تسليح الجيش الجزائري باستيراد سفن دورية عسكرية من طراز FPB-98  بجانب استيراد غواصات روسية حديثة.

وبناء على هذه الصفقات التسلحية التي أبرمتها الجزائر مؤخرا، توفر تغطية تمتد على مئات الكيلومترات، وهو ما اعتبره  العقيد المتقاعد "رمضان حملات" تماشيا مع المنهجيات الدفاعية الحديثة التي تعتمد بصورة أساسية على الصواريخ وسلاح الجو على عكس الصفقات التي أبرمتها المغرب والتي تتضمن أسلحة هجومية، ضاربا المثل بالهجوم الأمريكي على العراق سنة 2003، الذي استعملت فيه الولايات المتحدة القصف الجوي والصاروخي على مدار 38 يوما سبقت الهجوم البري، وكذلك حرب  2006 بين حزب الله و الكيان الصهيوني.

وفي الأخير نشير إلى ما ذكره ملك المغرب محمد السادس لدى زيارته للولايات المتحدة سنة 2013 بأن المغرب لن تكون الكفة الخاسرة في ميزان القوى العسكري مع الجزائر و أنها ستبذل قصارى جهدها و تستثمر جل أموالها من أجل السماح بعدم إختلال ميزان القوى بين المغرب و الجزائر مثل هذا الإختلال قد يغري الجزائر على القيام بهجوم ضد المغرب .

ولو إسترجعنا نظرية توازن القوى نجد بأنها تقول من المحتمل أن يدفع تفوق دولة ما على أخرى في نفس المحيط إلى الإحتكاك و من ثم إلى الصدام معها خاصة إذا ما توافرت عوامل التنافس والتناقض بل و العداء، لتؤكد لنا هذه النظرية أن الغيرة التي يحملها المغرب من الوضع المتميز والتنامي المتزايد لدور الجزائر على المستوى الإقليمي يُزعج حقيقة النظام المغربي ويُثير غضبه رغم موضوعيته، فالمملكة ترغب دوما في تصدير أزماتها الداخلية من خلال محاولة اختلاق مشاكل مع الجزائر خصوصا عندما يتعلق الأمر بالوضع في الصحراء الغربية، وتسعى من خلال صفقاتها إلى مجاراة الجزائر لفرض هيمنتها على المنطقة من خلال الدخول في سباق التسلح لمنافستها إن لم نقل أنها تسعى للتفرق عليها، ومن شأن سباق التسلح بين المغرب والجزائر يعيد لنا حرب الرمال مرة أخرى.

ويمكن القول أن بقاء حالة العداء و الإحتقان بين البلدين لا بد أن تكون  النتيجة الأخيرة لها هي إحدى الخيارين، إما أن يقع صدام ليكون وخيم العواقب على الدولتين من جوانب متعددة، أو أن يسارعا إلى حل كل المشاكل العالقة ليسود السلام والأمن في المنطقة المغاربية من جهة، ويكون لذلك نتيجة في إفشال جل مخططات بعض الدول المستفيدة من استمرار النزاع والتي تتباين مواقفها في مساندة أحد طرفي الصراع، وتبقى الشعوب هي الخاسر الأكبر في هذه القضية.

أعلى