• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تدمير الأقصى في صلب الإجماع الصهيوني

تدمير الأقصى في صلب الإجماع الصهيوني


باستثناء الكيان الصهيوني، فإنه ليس بوسع المرء أن يعثر على كيان سياسي في العالم، يمكن أن يضفي نظام الحكم فيه شرعية على تيارات فكرية ونخب تدعو صراحة لحرب دينية يمكن أن تغير شكل العالم بأسره، ويسمح لها بالتنافس على زعامة هذا الكيان. وإن كان قادة الكيان الصهيوني يؤكدون أن السماح بالمس بالمسجد الأقصى يمكن أن يفضي إلى حدوث زلزال أمني وسياسي كبير، إلا أنهم لا يحركون ساكناً من أجل منع النخب التي تنادي صراحة بالمس بالحرم القدسي الشريف، بل جعلت هذا الهدف على رأس أولوياتها. ومن المفارقة أن البرلمان الصهيوني (الكنيست) يستعد حالياً لاستيعاب عضو جديد هو الإرهابي الحاخام يهودا جليك، الذي يرأس تيار صهيوني عريض يطالب صراحة بتدمير المسجد الأقصى، ليكون نائباً في البرلمان، وذلك خلفاً للنائب داني دانون، الذي تم تعيينه مندوباً عاماً للكيان الصهيوني في الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الوزراء والنواب الصهاينة الذين يؤيدون السيطرة على الحرم القدسي، إلا أن غليك يجاهر بأن الطريقة الوحيدة للسيطرة على هذا المكان المقدس تتمثل في تصفية وجود المساجد المتواجدة داخل الحرم، وعلى رأسها قبة الصخرة. وقد عبر غليك ذات مرة عن أمنيته بأن تقوم مجموعة من الطيارين الصهاينة بقصف كل المساجد التي تتواجد داخل الحرم مرة واحدة.

تدمير الأقصى كوصفة لـ "الخلاص اليهودي"

تنغرس فكرة الدعوة إلى تدمير المسجد الأقصى عميقاً في الإرث الديني اليهودي، على الرغم من تعدد التأويلات التي تقدم لتسويغ ذلك. لكن القاسم المشترك لكل "الفتاوى والأحكام" التي صدرت عن الحاخامات والمرجعيات الدينية اليهودية تقول إن تحقق "الخلاص اليهودي" وتدشين مملكة يهودا، تتوقف على قدوم "المخلص المنتظر" (يطلقون عليه بالعبرية همشيح). وحسب هذه العقيدة، فإن "المخلص المنتظر" لن يترجل إلا بعد اندلاع حرب "يأجوج ومأجوج"، وهذه الحرب لن تندلع إلا بعد إعادة بناء الهيكل على أنقاض الحرم القدسي الشريف. أي أن أول متطلب لتحقق الخلاص اليهودي يتمثل في تدمير الحرم القدسي، وهذا ما يفسر حماس الكثير من الجماعات اليهودية للمس بالمسجد الأقصى، وهذا الذي يمثل مسوغاً لظهور الكثير من التنظيمات اليهودية التي تعمل من أجل تدمير الحرم.

يخططون لتدمير الحرم في العلن

تعمل الجماعات والمؤسسات التي تسعى وتخطط لتدمير المسجد الأقصى، تحت دائرة "القانون" الصهيوني. فعلى الأقل، لم يحدث أن حاسب النظام القضائي الصهيوني الحاخامات والنخب المتدينة والعلمانية التي تنظر لتدمير المسجد الأقصى، وتصدر "الفتاوى" التي تشرعن الأمر. ويعتبر "معهد الهيكل" الذي يرأسه الحاخام إسرائيل أرئيل، أهم المؤسسات، التي تعنى بمخططات تدمير الحرم، وتمهد لذلك فكرياً وسياسياً، وعملياً. فقد شكلت المعهد طاقماً من المهندسين، لوضع خطط هندسية لبناء الهيكل، حيث يزعمون أن الهيكل يقع تماماً أسفل قبة الصخرة المشرفة. وقد عرضت صحيفة "هارتس" مؤخراً صورة يظهر فيه الحاخام أرئيل برفقة مجموعة من المهندسين وهم يعكفون على خرائط تتناول مخطط بناء الهيكل. وتعمل إلى جانب مؤسسة "معهد الهيكل"، مؤسسات أخرى تسعى لتحقيق نفس الغرض،وهي:الحركة من أجل إقامة الهيكل، وحركة "حاي فكيام"، ومنظمة "أمناء جبل الهيكل"، وتنظيم "أنصار الهيكل" وحركة  "القيادة اليهودية"، إلى جانب نساء من أجل الهيكل. مع العلم أن لجميع هذه التنظيمات والحركات علاقات مباشرة مع الأحزاب والحركات السياسية الصهيونية.

 مظلة رسمية

وعلى الرغم من أن قادة الكيان الصهيوني يؤكدون رفضهم المس بالمسجد الأقصى، إلا أنهم في المقابل يدعون لاتخاذ كل الخطوات التي تشجع الجماعات الإرهابية اليهودية على مواصلة مخططاتها ضد الحرم. ففي سابقة، حث الرئيس الصهيوني رؤفين ريفلين اليهود على التوجه والصلاة في المسجد الأقصى، داعياً قوى الأمن الصهيونية لتوفير الحماية لليهود الذين يرغبون في الصلاة في الحرم بوصفه "المكان الأكثر قدسية لليهود"، على حد تعبيره. ومما لا شك فيه أن موقف ريفلين يكتسب أهمية خاصة، لأنه ينظر إليه كـ "ممثل للاجماع الصهيوني". ومما يضفي شرعية رسمية على مخططات المس بالمسجد الأقصى حقيقة أن الذي تزعم كل عمليات تدنيس الحرم التي تمت هذا العام والعام الماضي هو وزير الزراعة والاستيطان أوري أرئيل، الذي يروج لعمليات تدنيس الحرم من خلال موقع شخصي دشنه على الإنترنت لدعوة الشباب اليهودي للمشاركة في عمليات الاقتحام الممنهجة للحرم. ويبدي الوزراء المتدينون حماساً خاصاً لتدنيس المسجد الأقص، وعلى رأس هؤلاء: وزير التعليم نفتالي بنات،و وزير الاقتصاد الحاخام آرييه درعي ووزير الصحة الحاخام يعكوف ليتسمان، إلى جانب الوزراء العلمانيين: وزير المواصلات يسرائيل كاتس ووزيرة القضاء إياليت شكيد ووزيرة الثقافة ميري ريغف. وكانت شاكيد ضمن الذين قدموا مشاريع قوانين تحث على تغيير الواقع القانوني في الحرم، ورفضت أن يتم ربط السياسة الصهيونية تجاه المسجد الأقصى بالعلاقات مع الدول العربية وتحديداً الأردن. وتعد الوزيرة شاكيد،القيادية في حزب "البيت اليهودي" المتطرف من أكثر المنادين بشرعنة التقسيم الزماني في المسجد الأقصى،على أن ينتهي الأمر بالتقسيم المكاني. ومما يفاقم من خطورة تبوؤ شاكيد منصب وزيرة للقضاء حقيقة ترؤسها للجنة الوزارية لشؤون التشريع،وهو الموقع الذي يمكنها من صياغة وتمرير الكثير من القوانين، سيما وأن الأغلبية المطلقة في الكنيست والحكومة تؤيد تغيير الواقع في المسجد الأقصى. وعلى الرغم من الفروق الأيدلوجية بين اليسار واليمين في الكيان الصهيوني، فأنه لا يوجد عملياً ثمة فروق بينهما في كل ما يتعلق بالموقف من المسجد الأقصى. ويستهجن الكاتب الصهيوني عكيفا إلدار مجازفة رئيس الوزراء الأسبق إيهود براك، الذي كان يرأس حزب العمل اليساري، بإفشال جهود الإدارة الأمريكية التي بذلت في مؤتمر "كامب ديفيد"؛ الذي عقد في نهاية عام 1999، للتوصل لحل نهائي للصراع مع الفلسطينيين عندما رفض بشدة كل الأفكار التي تقوم على أساس تخلي الكيان الصهيوني عن السيطرة على المسجد الأقصى. وتساءل إلدار قائلاً: "إن كان هذا ما يصدر عن زعيم علماني، فكيف يمكن للمرء أن يتصور ردة فعل القادة المتدينين" . ويدعو حزب "إسرائيل بيتنا"؛ الذي يتزعمه وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، يدعو صراحة إلى فرض "السيادة اليهودية" على الحرم القدسي الشريف.

استغلال العسكريين المتدينين في تدمير الحرم

وتدل كل المؤشرات على أن التنظيمات الإرهابية اليهودية تراهن على قيام عسكريين صهاينة باستغلال تغلغلهم في الجيش من أجل القيام بتفجير المسجد الأقصى. وقد أكد رئيس جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" الأسبق كارمي غيلون إن تسلل المتدينين اليهود المتطرفين لسلاح الجو الصهيوني يكتسب خطورة كبيرة، على اعتبار أن طيارين يؤمون بفكرة دور تدمير المسجد الأقصى في جلب الخلاص اليهودي، يمكن أن تقنعهم باستخدام طائراتهم في قصف الحرم القدسي. وحسب غيلون فإن الطيارين الذين سيعملون تحت تأثير الحاخامات يمكن أن يقدموا على قصف الحرم تحديداً أثناء صلاة الجمعة، من أجل قتل أكبر عدد من المصلين، على أمل منهم أن سقوط العدد الكبير من القتلى يمكن أن يفضي إلى اندلاع حرب "يأجوج ومأجوج". ويتفق المعلق الصهيوني بن كاسبيت مع غيلون، ويقول إن كل المؤشرات تدلل على أن الجماعات اليهودية ستسعى لتفجير المسجد الأقصى من أجل توفير الظروف لاندلاع حرب يأجوج ومأجوج. وحذر كاسبيت من أن اليهود الذين يؤمنون بضرورة تدشين الهيكل على أنفاض المسجد الأقصى باتوا يشكلون قطاعاً واسعاً من المجتمع الصهيوني، ولم يعودوا "أعشابا شاذة"، كما ظلت تزعم ماكنة الدعاية الصهيونية. وشدد كاسبيت على أن المتطرفين اليهود الذين باتوا يشعرون بتعاظم قوتهم وتأثيرهم لا يبالون بتفجير برميل البارود في المسجد الأقصى من أجل تجسيد النبوءات التوراتية".وأوضح كاسبيت أن الكيان الصهيوني بات أكثر تسامحاً مع دعوات المتطرفين اليهود وتظهر حكومته وقاحة في تقديم الدعم لهم، مشيراُ إلى تراخي فرض الضوابط على الذين يهددون استقرار الكيان الصهيوني وأمنه من اليهود.

قصارى القول، العنوان على الجدار، والصهاينة لا يظهرون فقط نواياهم، بل يبدون في سباق مع الزمن من أجل الوفاء بكل المتطلبات التي يمكن أن تؤدي إلى تدمير الأقصى.

أعلى