التدخل في سوريا: لنتذكر عبر الماضي
البروفيسور ايال زيسر - "يسرائيل هيوم"
إن الجميع يعرفون كيف يبدأ الأمر. غالبا برغبة إنسانية بتقديم المساعدة للجيران الذين يواجهون ضائقة خلف الحدود. هكذا بدأ التدخل الصهيوني في لبنان. في منتصف السبعينيات اندلعت حرب أهلية هناك، وبدأ رجال منظمة التحرير الذين سيطروا على الجنوب بالتنكيل بالقرى المسيحية المارونية. وتوجه الموارنة إلى الكيان الصهيوني طالبين المساعدة الإنسانية، فسارعت إلى الاستجابة.
وسرعان ما اتسعت المساعدات إلى المجال العسكري، وفي المرحلة التالية، غير المستحيلة، توجه قادة الموارنة من بيروت البعيدة إلى الكيان الصهيوني طالبين تعميق تدخلها والحضور لمساعدتهم في اعماق لبنان لإنقاذهم من "المجزرة" التي توقعوها، حسب أقوالهم، من جيرانهم المسلمين ومن السوريين. وفي المقابل وعدوا الكيان الصهيوني بتوقيع تحالف الأشقاء. لكن الكيان الصهيوني اكتشف أن المسيحيين الموارنة لم يقصدوا أبدا اقامة تحالف حميمي معها، لأنهم، كما شرح قادتهم لاحقا، اعتبروا أنفسهم جزء من العالم العربي الذي يعيشون في داخله، وان عليهم مواصلة العيش إلى جانب الجمهور الاسلامي العربي الكبير. والنهاية معروفة.
لقد اضطرت الحكومة الصهيونية إلى الانسحاب مكللة بالعار من لبنان، فقط كي تكتشف بعد عدة عقود أن حلفائها المارونيين وجدوا صديقا جديدا يعلقون عليه آمالهم، حسن نصرالله، زعيم حزب الله. لقد بقيت الحكومة الصهيونية لعدة سنوات في الحزام الأمني في جنوب لبنان، حتى انسحبت منه أيضا، بعد أن فهمت بأن تواجدها داخل المنطقة المعادية وبين جمهور شيعي معاد ليس خيارا. وكما نذكر، فقد استقبل الشيعة في لبنان الجنود الصهاينة عندما دخلوا إلى لبنان في 1982 بالأرز والترحيب، لكنهم سرعان ما غيروا توجههم.
يجب على الكيان الصهيوني تكرار التفكير بهذا الدرس من الحكاية اللبنانية كل صباح، وهو يقف الآن أمام المأزق السوري. كل تدخل ولو موضعي وجزئي، سيجر الكيان الصهيوني إلى التواجد العسكري المتواصل في منطقة يبتسم سكانها في وجوهنا الآن، لكنه يمكنهم تغيير توجههم، لأنهم لا يزالون يعتبرون أنفسهم – سواء كانوا من الدروز السوريين أو من مجموعات السنة، حتى المعتدلين من بينهم – جزء من العالم العربي والسوري.
يمكن تبرير استعداد الحكومة الصهيونية لتقديم المساعدة الانسانية للجيران خلف الحدود. وسيكون من الأفضل للحكومة الصهيونية إقامة قنوات اتصال مفتوحة في الواقع الفوضوي السائد في الجولان، مع المجموعات المسلحة الناشطة وراء الحدود. لكن هذه المساعدة يجب أن تتم بعيون مفتوحة، وبدون توقعات أو أوهام. وبعد هذا كله، من الواضح أن الحكومة الصهيونية تدين للطائفة الدرزية في الكيان الصهيوني، ولذلك فان مساعدة أبناء الطائفة الدرزية في سوريا هو مسألة يجب دراستها بشكل جدي. ويمكن في إطار ذلك التفكير بتقديم ملاذ للاجئين الدروز في منطقة يتم تحديدها على امتداد الحدود في الجانب الصهيوني. وبالمناسبة فان الدروز في سوريا ليسوا معنيين بالمساعدة الصهيونية بتاتا، ويؤكدون أنهم يواصلون رؤية أنفسهم كجزء من الدولة السورية.
لكن كل تدخل صهيوني آخر يجب ان يتم بعيون مفتوحة وبدون أوهام أو توقعات غير واقعية. يمنع على الكيان الصهيوني أن يجد نفسه متواجد عسكريا داخل سوريا، حتى إذا وصل داعش إلى السياج الحدودي أو غيرت جبهة النصرة من توجهها وبدأت العمل ضد الكيان الصهيوني. الصراع معها يجب أن يتم من المنطقة الحدودية على أساس معلومات استخباري حكيمة، ويجب أن تتجنب الحكومة الانجرار إلى الأراضي السورية المكتظة باللاجئين والجمهور السوري الذي يمكنه تغيير تعامله معنا خلال لحظة.