• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كارثية الوضع الإنساني في اليمن

كارثية الوضع الإنساني في اليمن


ليس من قبيل المبالغة توصيف الوضع الإنساني في اليمن بالكارثي، إن لم يكن قد تجاوزه في غضون العامين الأخيرين مذ ترك الانقلابيين والمتمردين (صالح والحوثيين) مقاعد الحوار في العاصمة صنعاء وشروعهم في فرض الحصار والحرب الظالمة على أهالي منطقة دماج في مديرية الصفراء الواقعة في محافظة صعده شمال الشمال باليمن، وصولاً إلى إعلان التعبئة والحرب المفتوحة وغزو مدينة عدن والجنوب عقب اجتياح الحوثيين وقوات المخلوع علي صالح للعاصمة صنعاء وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي وحكومته الانتقالية ونشر مسلحيهم في كافة أرجاء المدن والمناطق .

وقد خلفت هذه الحروب نتائج كارثية على الصعيد السياسي والاجتماعي والإنساني، ما أدى إلى تزايد عدد المنظمات والمؤسسات الأهلية الخيرية والإنسانية في اليمن، وأفضت تلك الحروب إلى الحيلولة دون استقرار البلاد والشعب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتداعي المنطقة والعالم الخارجي بشكل متناهي وغير طبيعي لمايجري في الداخل اليمني، وصولاً إلى حالة الانهيار وتداعي السقوط المريع لمنظومة الحكم وتلاشي الدولة في اليمن، ومغادرة البعثات الدبلوماسية والسفارات الخارجية، وسطوع نجم المليشيات والتنظيمات المسلحة .

دراسة تقييمية للوضع الإنساني !

بحسب دراسة تقييم الاحتياجات الإنسانية لليمن لهذا العام، يعجز 10.6 ملايين يمني عن تلبية احتياجاتهم من الغذاء من ضمنهم خمسة ملايين يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي، كما يحتاج 1.6 مليون شخص إلى خدمات تغذية، من بينهم 850 ألف طفل مصاب بسوء التغذية الحاد.

ويعاني نحو 13.4 مليون شخص من عدم قدرتهم على الحصول على مياه شرب آمنة، ولا يملك 12 مليون نسمة مرافق صرف صحي ملائمة، ويفتقد 8.4 مليون شخص لإمكانية الوصول إلى رعاية الصحية الأساسية.

وقد أدت الصراعات الداخلية العام الماضي إلى نزوح حوالي 80 ألف شخص، عاد أغلبهم إلى منازلهم بعد فترة قصيرة من انتهاء الصراعات، وقد تسببت الصراعات والتهجير طيلة العام الماضي، في محافظات أبين وشبوة وعمران والجوف ومأرب والبيضاء، في النزوح وتدمير البنية التحتية وتعطيل سبل كسب العيش في المجتمعات المتضررة من الصراع.

إلا أن نحو 335 ألف يمني لا يزالون نازحين خارج مناطقهم، لا سيما في الشمال. ومع نهاية عام 2014، عاد 215 ألف شخص من النازحين في مختلف مناطق اليمن إلى منازلهم، لكن الكثيرون منهم يعانون من صعوبة العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية بسبب انعدام سبل المعيشة والبنية التحتية المدمرة، والتلوث الناتج عن الذخائر غير المنفجرة، وضعف سيادة القانون.

ولم يتم إحراز تقدم ملموس في الأوضاع الإنسانية خلال العام الفائت، عدا انخفاض عدد الأطفال ممن يعانون من سوء التغذية الحاد من نحو مليون إلى 840 ألف طفل تقريباً، منهم 170 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد، وقد يتوفون إن لم تصلهم المساعدات في أسرع وقت.

ويُعزى هذا التحسن، وفقاً لمسح وضع التغذية في اليمن قامت به منظمة اليونيسف في عام 2014، إلى التدخلات التي قام بها عدد من المنظمات الدولية والمحلية المختلفة على مدى عام ونصف مضى، ومنها توسيع برامج العلاج بالتغذية التي التحق بها نحو 340 ألف طفل وأم حتى نهاية العام الماضي.

الحالة المعيشية والإنسانية في المدن

وبالنظر إلى الحالة المعيشية والأوضاع الإنسانية في اليمن اليوم، فإنها تختلف من مدينة إلى أخرى تماما، وتتباين احتياجات السكّان ومخاوفهم حسب الوضع العام في المدينة والمنطقة التي يقيمون فيها، طبقاً للموقع الجغرافي وموقفها السياسي من الثورة الشبابية الشعبية السلمية والانقلاب على الشرعية السياسية ومناوئة الانقلابيين .

 على سبيل المثال من ذلك، فإن احتياجات السكاّن المقيمين في نطاق العاصمة صنعاء وضواحيها ليست ذاتها أولويات السكّان والمقيمين في مدينة عدن ومخاوفهما أيضاً ليست واحدة، ففي العاصمة صنعاء لا يوجد حالياً معارك صراع مسلّح بينما عدن المواجهات فيها قائمة ومحتدمة .

وفيما تقف السيارات بالأيام لا الساعات، في صفوف طويلة، أمام محطات التزود بالوقود في العاصمة صنعاء يقف المواطنون في مدينة عدن طوابير وصفوف طويلة أمام أفران الخبز أكثر مما تقف سياراتهم أمام محطات البنزين، بحكم أن الأزمة الغذائية هنالك أكثر تفاقمًا في نطاقها، عدا المواجهات المسلحة وانتشار القناصة في المباني، وحرب الشوارع الدائرة في أحياء المدينة، التي تسببت في توقف حياة الناس وانقطاع حركة السير بصورة شبه كلية.

وفي حين يشكو السكّان في العاصمة صنعاء ومعظم مستشفيات الجمهورية اليمنية من انقطاعات الكهرباء وانعدام المشتقات فإن مدن ومناطق أخرى تشكو انعدام المياه، وهي معضلة تاريخية يعاني منها سكان مدينة تعز في وسط اليمن، التي لا تشكل مشكلة وقلقًا بذات القدر، الذي يعاني منه سكّان مدينة المكلا الذين تتركز مخاوفهم، في الآونة الأخيرة، حول توقف صرف المرتبات الحكومية، بالإضافة إلى مستقبل حرياتهم العامة والشخصية مع سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا عاصمة حضرموت.

وإذا كان السكّان والمجتمع اليمني يتذمرون في العاصمة صنعاء من انعدام وقلة وسائل المواصلات العامة، وخلو الشوارع بسبب حالة النزوح الداخلي، وفي توقف السيارات نتيجة انعدام الوقود والمشتقات النفطية، فإن المشكلة ذاتها موجودة في مدينتي تعز وعدن، مضافًا إليها مشكلة أكبر ليست موجودة في صنعاء، وهي حرب الشوارع القائمة في المدينة وفي داخل الأحياء السكنية المكتظة بالأطفال والنساء .

 عدا انتشار المسلحين ووجود القناصة وتمركزهم في المباني والمداخل للمدينة، ممّا يجعل من حالة التحرك والتنقل من مديرية ومنطقة إلى أخرى، بغرض العمل، أوقضاء حاجة ما وإسعاف مريض أو جريح ، أو لأي أمر من شؤون الحياة الاعتيادية، أمرًا شبه مستحيل ومحفوفًا بالمخاطر، خاصة في مدينتي تعز وعدن بحكم وجود المقاومة فيها وطبقاً لمساحتها الكبيرة وتباعد مديرياتها عن بعضها البعض.

وبالنسبة للجانب الإنساني المتعلق بالوضع المعيشي، فإن المعاناة تزداد لدى السكّان باليمن في المدن والتجمعات الرئيسية، بينما تقل مظاهرها وانعكاساتها السلبية في الأرياف خلاف الأوضاع الاعتيادية، ولذلك غدا الريف في ظل تصاعد الأحداث مقصد ووجهة الكثير من السكّان اليمنيين المقيمين في المدن .

 ويبدو جليًا أن المدن اليمنية التي تعتمد في سلتها الغذائية على محاصيل الأرياف وما تنتجه محافظات أخرى، صارت تعاني في الوقت الراهن أزمة غذائية حادة وأبرزها المدن الكبرى الثلاث وهي العاصمة صنعاء وعدن، وتعز، وعلى وجه التحديد العاصمة صنعاء وليس المحافظة كونها واقعة في جغرافيا تحسب على الريف وليس المدينة، وفيها منطقتين اشتهرت بالزراعة وتغذية سكان العاصمة صنعاء وهما (خولان، ونهم ).

في المقابل يختلف تأثر السكّان اليمنيين المقيمين في المدن والريف من حالة انعدام السلع والمواد الغذائية وهوأقل نسبيًا في المحافظات والمناطق الزراعية، وعلى وجه الخصوص في مدينة إب الواقعة في الشمال والمشتهرة باسم اللواء الأخضر، التي تضم في جنباتها ومعظم ضواحيها أرض خصبة ومناطق زراعية وقريب من محافظة إب أيضاً محافظة لحج التي تقع في الجنوب لكن سكان مدينة لحج، المحاذية لمدينة عدن، ليسوا في وضع يسمح لهم بالاستفادة من مقومات محافظتهم وخصوبة أرضها الزراعية، ذلك أن مدينة الوهط على سبيل المثال وهي عاصمة محافظة لحج، صارت أشبه بأطلال مدينة خربة.

 وبالنسبة للسكّان في مدينة لحج وماجاورها، فإن أزمتهم لا تدور حول انعدام الوقود والمشتقات النفطية، ولا نقص المواد الغذائية، ولا انقطاع التيار الكهربائي، كما هو حال مدن أخرى، بقدر ما تمثّل النجاة من الموت، أو البقاء على قيد الحياة، الأولوية بالنسبة لمن تبقّى من سكان الوهط، عقب المعارك الطاحنة والنزوح الجماعي الذي شهدته المدينة، خلال الأسابيع الماضية، باتجاه مدينة عدن، مع دخول قوات الانقلابيين ( صالح والحوثيين) إلى المدينة.

وبخلاف ما يعاني منه السكّان اليمنيون في العاصمة صنعاء وإب وحجّة، ومعظم المحافظات الجبلية المرتفعة عن مستوى سطح البحر، يبدو سُكان مدينة الحديدة الساحلية أكثر قدرةً على احتمال المعارك المسلحة والغارات الجوية، من قدرتهم على احتمال جحيم انقطاع التيار الكهربائي لساعات محدودة فقط، فكيف بأيام متواصلة من العيش من دون كهرباء، لاسيما في هذه الشهور الحارّة من السنة وعلى وجه التحديد فصل الصيف.

وتبدو مشكلة انقطاع الكهرباء حالة عامة لدى الشعب اليمني لكن تتفاوت نسبة المعاناة في الانقطاع كما أسلفنا لدى سكان تهامة ومدينة الحديدة بالإضافة إلى السكّان المقيمين في مدينة عدن، نتيجة مضاعفة زيادة الاستهلاك، وتزايد نسبة السكّان وارتفاع عد درجات الحرارة المرتفعة، وانطفاء المكيفات الهوائية، تجعل المعيشة ضربًا من الإقامة في داخل أفران .

 عدا انطفاء الكهرباء عن كافة المدن، الذي تزامن مع أزمة انعدام الوقود والمشتقات النفطية في جميع المدن، وتوقف وحظر الملاحة في المياه الإقليمية اليمنية، مما يعني عدم قدرة المواطنين، بمن فيهم ذوي الدخل المتوسط والمرتفع، على توفير الوقود المشغل للمولدات الكهربائية المنزلية.

وبالنسبة لمدينة تعز الواقعة في وسط اليمن، يبدو المجتمع المحلي أصْبر على حرب الشوارع الدائرة في المدينة، رغم ضراوتها، من صبره ومعاناته جراء الغارات الجوية والاستهداف العشوائي للمنازل والمدنيين، بخلاف مدينة ذمار، شمالي وسط اليمن، التي يبدو الوضع فيها مختلف نسبيًا وأكثر هدوءا.

لكن حتى المحافظات الواقعة بمعزل عن المواجهات المسلحة، أو الأقل تعرضًا للقصف، لديها معاناة من نوع آخر مرتبطة بالجانب الاقتصادي إذ يعتمد دخل قطاع واسع من سكان محافظة ذمار، بشكل كبير، على إنتاجها الزراعي الذي يتم استهلاكه وتصديره، بشكل يومي، إلى المحافظات الأخرى.

 ومن اللافت في هذا السياق، أن الوقود ومشتقاته متوافر بشكل طبيعي ولا توجد أي مظاهر للأزمة في المحافظات التي لا تسيطر عليها، أو يتوجد فيها الانقلابيين ( صالح والحوثيين ) كمحافظتي مأرب وحضرموت مثلاً.

كل المدن اليمنية إذن تعاني من كارثية الوضع الإنساني والمعيشي لكن تختلف همومها، من مدينة إلى أخرى، ومسبباتها، ودرجة خطورتها وقدرة الناس على احتمالها، اختلاف في الدرجة وليس في النوع. ووحده انقطاع التيار الكهربائي أكثر همّ يتوحّد فيه اليمنيون شمالاً وجنوبًا.

أعلى