يفضل أن تكون إثيوبيا وليس فلسطينيا
هأرتس/ بيتر باينرت
إن تعقيب القيادة الإسرائيلية على العنف الذي مارسته الجالية الأثيوبية خلال التظاهرة التي نظمتها ضد وحشية الشرطة والتمييز الذي تعاني منه، كان مركبا. فمن جهة شجب هؤلاء عنف المتظاهرين، ومن جهة ابدوا تفهما للضائقة التي أشعلت العنف.
فقد قال رئيس الدولة رؤوبين ريفلين إن "علينا أن ننظر مباشرة إلى هذا الجرح المفتوح. أخطأنا، لم نرّ ولم نصغ بما يكفي". أما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فوعد: "سنحارب بكل قوانا ظاهرة العنصرية والتمييز". والتزم بإقامة لجنة للتداول في المشاكل التي تواجه الإثيوبيين الإسرائيليين.
إن استخدام الوسائل غير المشروعة لا يلغي وجود ادعاءات مبررة. يمكن للقادة شجب العنف، والاعتراف بالمقابل بالظلم الذي يولده والعمل على تصحيحه. عندما يتعلق الأمر باستخدام العنف من قبل الإسرائيليين الأثيوبيين أو الزنوج الأمريكيين، يبدو الأمر مفهوم ضمنا. فلماذا إذن يصعب على حكومة "إسرائيل" والمدافعين عنها التصرف بالشكل ذاته عندما يتعلق الأمر باستخدام الفلسطينيين للعنف؟ لماذا لا يستطيع قادة "إسرائيل" شجب العنف الفلسطيني من دون أن يستخدموه لتبرير سيطرتهم غير العادلة وغير الديمقراطية على الضفة؟
يمكنني تخيل الادعاءات المضادة: إطلاق الصواريخ على المدنيين والعمليات الانتحارية أخطر بكثير من رشق زجاجات في تل ابيب أو إحراق سيارة في بولتيمور. هذا صحيح، ولكن النقطة هي أن سلب الحقوق الأساسية للبشر لا تصبح عادلة عندما يحتج أولئك البشر عليها بالعنف. في الثمانينيات عاقب أنصار المؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة نلسون مانديلا، مشبوهين بالتعاون مع نظام الأبرتهايد، بواسطة وضع إطارات محترقة على أجسادهم. حقيقة أن هذا السلوك يعتبر وحشيا ورهيبا لا تجعل من نظام الأبرتهايد أقل مرفوضا.
على كل حال، حتى عندما يشبه شكل العنف الفلسطيني شكل العنف الذي اندلع في تل ابيب وبولتيمور – مثلا عندما يرشق الأطفال الفلسطينيين الحجارة على الجنود – يستغل كل المدافعين عن حكومة "اسرائيل" ذلك من أجل نزع شرعية المطالب الفلسطينية.
في السنة الماضية نشر الجيش الإسرائيلي مدونة باللغة الانجليزية، كتب فيها انه "عندما يبذل جنود اسرائيل كل ما في وسعهم لتأمين المنطقة، يرشقهم الفلسطينيون بالحجارة بدون أي استفزاز لهم".
رشق الحجارة مسألة مرفوضة، ولكن من العبث الادعاء بأن الناس الذين يعيشون قرابة نصف قرن تحت الحكم العسكري، دون امتلاك حرية الحركة، والمواطنة وانتخاب السلطة التي ستحدد نمط حياتهم، يعملون "دون أي استفزاز لهم". عندما رشق الاثيوبيون الحجارة في تل ابيب، لم يقل ريفلين إن أعمالهم جرت دون أي استفزاز لهم، بل على العكس، مقابل شجب العنف، انتقد الحكومة لأنها لم تعالج الضائقة التي ولّدت العنف. هذا على الرغم من أن المتظاهرين في تل ابيب يتمتعون بالمواطنة والحقوق القضائية وحق الانتخاب وحرية الحركة. وبتعبير آخر، إنهم يتعرضون بشكل اقل إلى الاستفزاز قياسا بالفلسطينيين الذين لا تثير ضائقتهم أي تعاطف من قبل الحكومة.
وهناك ادعاء آخر قد يتم طرحه وهو أن المتظاهرين الاثيوبيين في تل ابيب لا يسعون إلى تصفية "اسرائيل"، بينما تسعى حماس إلى تصفية "إسرائيل" كدولة يهودية. هذا يعني أن الفارق لا يكمن في طابع العنف وإنما في الهدف المعلن. ولكن هذا الادعاء يخطئ الجوهر.
ليست كل أعمال العنف الفلسطينية تستهدف القضاء على "اسرائيل". هناك قيادة فلسطينية ، مثل مروان البرغوثي، تدعم قيام دولتين تعيشان بسلام جنبا إلى جنب.ولكن الادعاء الأكثر جوهريا هو أن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية غير أخلاقية لا يقوض شرعية الضائقة. حتى لو كان نهج حماس معاد للسامية فإن هذا لا يبرر سجن سكان غزة.