• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 باكستان و الخليج.. حلفاء موثوقين

باكستان و الخليج.. حلفاء موثوقين

 

"عاصفة الحزم" لم تكن مجرد مبادرة سعودية جريئة لإعلان حرب على النفوذ الإيراني الذي يتقدم باتجاه حدود المملكة من العراق و اليمن، لكنها أيضا كانت اختبار قاس لسياسات دول الخليج وقدراتها على بناء التحالفات لا سيما التحالفات الفاعلة وقت الأزمات. خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى المملكة طلبت منه الأخيرة المشاركة في "عاصفة الحزم" ضد جماعة الحوثي في اليمن من خلال إرسال سفن وطائرات، لكن شريف الذي يتزعم حزب " الرابطة الإسلامية" التي تعتبر القوة البرلمانية الأولى داخل البرلمان الباكستاني بواقع 125 مقعدا برلمانيا من أصل 272 مقعدا، قام بمناورة قاسية بالنسبة لحليف مهم لباكستان وهو السعودية، حينما ألقى على عاتق البرلمان البث في الطلب السعودي، بعد أن أعلن،عن رفض البرلمان الباكستاني طلب السعودية، فسر الأمر على أنه خضوع باكستاني أمام ضغوط إيرانية لا سيما بعد أن قام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بلقاء رئيس الأركان الباكستاني الجنرال رحيل شريف، قبل موعد التصويت بيوم واحد فقط.

لم يكن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف مجرد سياسي حليف للسعودية في دولة 80% من سكانها هم من السنة، بينما يتمركز فيها 40% من شيعة العالم، بل إنه لجئ إليها عام 1997 بعد الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش السابق برويز مشرف وتولى بعده رئاسة البلاد، بل حظي بصداقات شخصية مختلفة مع حكام المملكة خلال فترة منفاه فيها، لذلك كانت خطوة إلقاء المهمة على عاتق البرلمان الباكستاني من قبل شريف تثير الشكوك بشأن مواقف باكستان تجاه أمن المملكة، لاسيما في لحظات حرجة كالتي تمر بها المملكة.

بيان البرلمان الباكستاني كان واضحا كالسيف بحسب ما ورد في وسائل إعلام باكستانية، حيث أكد على عمق العلاقة بين المملكة العربية السعودية و باكستان، لكنه في الوقت نفسه رفض إرسال قوات باكستانية للمشاركة في الحرب مفضلا الوقوف على الحياد للعب دور في خطوات دبلوماسية لإنهاء الأزمة. لم يكن الحديث عن الدبلوماسية جزء من الهروب الباكستاني من الأزمة، بل بدأته تركيا حينما انتهى  الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني حيث دعا لخطوات دبلوماسية لوقف الحرب، مشددا على التزام تركيا بالدفاع عن المملكة.  صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية قالت في مقالة مطولة حول الخطوات التركية الباكستانية تجاه "عاصفة الحزم"، الجانبان لا يريدان الذهاب بعيدا في مساندة السعودية مقابل التضحية بعلاقات اقتصادية أو مصالح أمنية تربطهما مع إيران.

الكاتبة الإماراتية عائشة المزروعي في مقالة نشرتها في صحيفة " ذى ناشونال" الإماراتية، واكبت خطاب وزير بلادها أنور قرقاش في الحديث عن أفضال الإمارات على باكستان و الدعم السخي المقدم للحليف القديم الذي تخلى عنها ساعة المحنة.

قرقاش الذي غرد على صفحته في "تويتر" قائلا إن الأوقات الصعبة تكشف عن الأصدقاء و الحلفاء في منطقة الخليج، مضيفا بأن " الأمن الاستراتيجي على المحك"، كما اعتبر القرار الباكستاني مخيبا للأمال في بلاده، لم يأخذ بعين الاعتبار أن نواز شريف لم يكن سوى جزء من اللعبة وحتى البرلمان في باكستان، هذه اللعبة يديرها الجيش الذي يعد مؤسسة صناعة القرار في باكستان منذ نشأتها.

تقول "المرزوعي" إن الحرب على الحوثي في اليمن ستزيل تهديد " القاعدة" أيضا وليس فقط التهديد الإيراني، مضيفة بأن قرار باكستان بالتخلي عن حلفاءها لن يهدد أمن الخليج فقط وإنما سيهدد استقرارها، وفي خاتمة مقالها تلمح إلى حجم المساعدات المالية التي تقدمها الإمارات إلى باكستان.

إذا كنا نريد تقييم الموقف الباكستاني من الحرب و التعاطي الخليجي معه فينبغي أن نشير إلى العلاقات الاقتصادية بين الأطراف المختلفة في هذه الأزمة، ففي عام 2012 قفز التبادل التجاري بين الإمارات و باكستان إلى 10 مليار دولار، وقد ساهمت الإمارات عام2013 ببناء  64 محطة لمعالجة المياه في عدة مدن باكستانية كما ساهمت في تقديم العون لباكستان في عدة كوارث طبيعية مرت بها.

وأنشأت الإمارات العديد من المدارس والكليات ومعاهد التدريب المهني والمستشفيات والعيادات والمؤسسات الطبية. وأطلقت حملة ضخمة لاستئصال شلل الأطفال في المدن الباكستانية تستمر حتى عام 2018.

أما بالنسبة للسعودية فقد أوردت صحيفة الشرق الأوسط في أحد تقاريرها أن حجم التجارة المتبادلة بين البلدين خلال عقد من الزمن بين 2002 و2012 ليصل قرابة 115.4 مليار ريال (30.7 مليار دولار)، بالإضافة إلى أكثر من مليوني عامل باكستاني يعملون في المملكة العربية السعودية. كذلك دعمت السعودية الكثير من المؤسسات الخيرية و التعليمية و الطبية في باكستان و ساندت باكستان خلال الحرب مع الهند في سبعينيات القرن الماضي من خلال إرسال شحنات نفط ضخمة بدون أي مقابل، بخلاف التمويل الذي قدمته السعودية لدعم قدرات التسليح لدى الجيش الباكستاني.

أما بالنسبة للعلاقات الاقتصادية الإيرانية الباكستانية فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين وفقا لدراسة نشرها موقع "الجزيرة نت" لا يزيد في أحسن أحواله عن مليار دولار، ويميل الميزان التجاري فيه لصالح إيران بصورة كبيرة. بالإضافة إلى "مشروع السلام" الذي تسعى إيران من خلاله لمد انبوب غاز طبيعي لإيصال الغاز عبر الأراضي الباكستانية إلى الهند، و يبدأ الإنبوب من حقل "بارس" في جنوب غرب إيران ويمتد إلى منطقة "نواب شاه" بالقرب من كراتشي على الساحل الجنوبي الشرقي لباكستان مارًّا بأراضي ولايتي السند وبلوشستان الباكستانيتين؛ بطول يبلغ 2000 كيلو متر، وتقدَّر كلفته الإجمالية بـ7,5 مليارات دولار، وقد تمَّ إنجاز مدِّ الأنبوب في الجانب الإيراني بطول 1220 كيلو مترًا؛ بينما يبلغ طول أنبوب الغاز في الأراضي الباكستانية 780 كيلو مترًا. وبموجب اتفاق بين باكستان و الهند كان من المقرر الإنتهاء من المشروع خلال عامين بعد توقيع الاتفاق في يونيو2010، وستقوم بموجب الإتفاق إيران بتوفير نحو 21,5 مليون متر مكعب من الغاز يوميًّا لباكستان لمدَّة 25 عامًا بداية من ديسمبر/كانون الأول 2014، لكن هذا المشروع يُواجه عقبات كبيرة، لعلَّ في مقدمتها المعارضة الأميركية، فضلاً عن حساسية الحالة الأمنية في إقليم بلوشستان، وتراجع الهند عن المشاركة فيه.

هناك متغير قوي يمكن أن يغير الموقف الباكستاني على المدى البعيد وهو الموقف الجماهيري في باكستان، فقد خرجت مظاهرات في عدة مناطق تندد بموقف البرلمان الباكستاني من "عاصفة الحزم"، هذا الأمر عكسه خروج الآلاف من مؤيدي جمعية أهل السنة و الجماعة الباكستانية في لاهور وكراتشي و إسلام أباد. وتأكيدا على تعاطف الحراك السني من عاصفة الحزم في باكستان، نقل موقع "dawn" عن رئيس جمعية أهل السنة و الجماعة مولانا محمد أحمد قوله بأن موقف البرلمان " ضد إرادة الشعب" و "مضيعة للوقت".

وقال إنه ينبغي تقديم دعم غير مشروط للسعودية في حربها لحماية الحرمين الشريفين، مؤكدا على تنظيم مظاهرات قادمة للضغط على الحكومة بمشاركة جميع الأحزاب الإسلامية في باكستان في إطار "خطة لحماية الحرمين الشريفين"، بحسب الموقع.

وقال رئيس جمعية أهل السنة و الجماعة : "اذا لم تستطع حكومتنا اتخاذ القرار، سوف نذهب إلى المملكة العربية السعودية، تماما مثل ذهب أمير أنصار الأمة فضل الرحمن خليل لأفغانستان". و أوضح مولانا محمد أحمد أن بعض السياسيين يحاولون إثارة قضية الخلافات المذهبية في باكستان بهدف إبعادنا عن السعودية.

وقال مولانا فضل الرحمن خليل في خطابه أمام تجمع لجماهير احتشدت للتنديد بموقف البرلمان الباكستاني السعودية دعمت دائما باكستان والآن حان الوقت أن تقف باكستان إلى جانب المملكة العربية السعودية.  و أشار إلى أن الحرب ليست بين دولتين وإنما هي حرب ضد المتمردين.

وفي إطار محاولات إظهار تأثير السعودية على الشارع الباكستاني من خلال علاقتها بالجماعات الإسلامية، فإن الكثير من زعماء الأحزاب الإسلامية أظهروا تأييدهم المطلق للمملكة، ومن هؤلاء زعيم جماعة علماء الإسلام مولانا عبد الرؤوف فاروقي  الذي طالب بإرسال قوات باكستانية لمساندة السعودية "دون قيد أو شرط ودون مزيد من التأخير".

وقال ساخرا من خطوة البرلمان الباكستاني :" هؤلاء الذين يرفضون المشاركة في عاصفة الحزم و الدفاع عن الحرمين بدعوى السعي للحوار و إتاحة المجال للدبلوماسية، هم أنفسهم الذين يحاربون حركة طالبان".

 إذا نظرنا بعمق إلى الموقف الباكستاني فإننا نجد موقف رسمي متميع ويريد التهرب من أي إلتزامات تجاه السعودية، مع تقديم دعم معنوي ورمزي يقتصر على إرسال عدة جنود للمشاركة في مناورات " الصمصام5"، وموقف شعبي باكستاني مختلف لا يستبعد أن يتأجج لما تمثله الكعبة المشرفة من مكانة دينية ورمزية عند المسلمين في باكستان لاسيما في ظل امتلاك الزعمات الدينية زمام المبادرة في تحريك الرأي العام و الضغط على الحكومة في هذا الاتجاه.

إسلام أباد تجد نفسها اليوم غارقة في موقف صعب بداية من حربها الطاحنة مع طالبان باكستان في منطقة القبائل و نشرها لأكثر من 200 ألف جندي على الحدود مع جارتها الهند، بالإضافة إلى التوتر الداخلي الناجم عن الهجمات المتبادلة بين السنة و الشيعة في بيشاور، ومع ذلك يأتي دور المصالح الاقتصادية مع جارتها إيران، حيث يجد نواز شريف الصاعد الجديد لسلم الحكم نفسه في موقع بين أن يختار السعودية أو طهران، لكن على مايبدوا هذا الإمتحان إن لم ينجح فيه سيكون الأخير في فترة حكمه.

لا يفهم الساسة في باكستان بأنهم لا يستطيعون لعب دور الوسيط في حرب بدأت الدماء تسيل فيها، بالإضافة إلى أن التضحية بعلاقاتهم مع السعودية سيكون له عواقب وخيمة على البلاد، فكيف سيكون تبعات ذلك إذا شمل الأمر علاقة باكستان بدول الخليج كافة، و بناء على ذلك فإن القرار يبقى رهينة لرغبات المؤسسة العسكرية في باكستان وخياراتها في المرحلة المقبلة، لكن الاعتقاد السائد أن اليمن أولا وأخيرا جزء من اللعبة الأمريكية في المنطقة ولا يمكن أن تنتهي الحرب فيها أو تحسم نتائجها دون تتويجها بإتفاق سياسي يرضي المملكة العربية السعودية. مع الأخذ بعين الاعتبار أن المساعي السعودية لتقويض قوة المتمردين الحوثيين ونفوذ إيران في اليمن لن تتوقف على المستوى الداخلي اليمني بغض النظر عن ما تفضي إليه الوساطة الخارجية.

أعلى