يوم الجمعة الأسود، هل كمنت حماس للواء جفعاتي؟
أمير بوحبوط/واللاه
خلال الاسبوع الأول للمناورة البرية في عملية "الجرف الصامد"،انيطت بكتيبة الدورية في لواء جولاني، بقيادة المقدم إيلي جينو، مهمة كشف وتدمير النفق الهجومي في جنوب قطاع غزة، في منطقة المزارع التي تقوم فيها دفيئات زراعية وحقول مفتوحة على المشارف البعيدة لرفح.
وقامت الكتيبة بتمشيط المنطقة لكنها لم تعثر على النفق، وقدرت القيادة الجنوبية بأن قصف سلاح الجو للمنطقة دمر النفق ومنع إمكانية كشفه. وفي وقت لاحق تم استدعاء قوة جبعاتي لمهمة أخرى في شمال تلك المنطقة، في منطقة خربة خزاعة، لكن عدم النجاح بالمهمة أزعج الضباط. ورغم مرور الوقت واصلت المعلومات الاستخبارية تحذير القيادة الجنوبية من وجود نفق هجومي في منطقة الحلقة مقابل رفح، وتواجد مسلحين بداخله.
في أعقاب ذلك قررت قيادة الجنوب العودة إلى المنطقة. وتم تكليف المهمة مرة أخرى لكتيبة الدورية في جبعاتي. ووجه العقيد جينو جنوده إلى زيادة اليقظة والتأهب والامتناع عن عدم اللامبالاة. وأكد انه يجب تجاهل عمليات التطهير التي جرت في المباني القائمة هناك قبل اسبوع، لأنه يمكن لحماس أن تكون قد غيرت استعداداتها.
وفي المساء ذاته، يوم الخميس 30 تموز 2014، أبلغت الاستخبارات الصهيونية عبر عدة قنوات بأن حماس عقدت اجتماعا لقادة الفصائل في غزة كي تبلغها بوقف إطلاق النار ابتداء من الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي. ولم يكن هذا هو أول وقف لإطلاق النار، إلا أن شعورا سيئا ساد لدى عدد من الضباط الكبار في مقر قيادة اللواء الجنوبي. ورغم انه تم اتخاذ القرار مساء الخميس، إلا أن جهات في اللواء ادعت أنها تلقت بلاغا حول ذلك قبل ساعة واحدة فقط من موعد بدء تطبيقه. وأن التعليمات كانت عدم إطلاق النار إلا حال تعرض حياتهم للخطر.
وفي ساعات الليل بدأت كتيبة الدورية بمناورة برية للكشف عن النفق. وتقدمت القوات في المنطقة، وكانت خطة العقيد جينو تشمل عزل المنطقة بواسطة كتيبة دبابات، وكتيبة مدفعية وكتيبة هندسية. وقال احد الجنود: "قالوا لنا إن سلاح الجو قصف المنطقة لأن الاستخبارات أبلغت عن وجود أنفاق. ولذلك عدنا إلى هناك". وقال أحد الجنود: "سرنا حوالي 1.5 كم ونحن نحمل أوزان ثقيلة في منطقة زراعية، كنا في قمة التعب والإرهاق، ليلة بيضاء. وتوقفنا عدة مرات. كان هناك إطلاق للنيران وواصلنا حتى البيوت وقام الجميع بتطهيرها وتركزنا بداخلها. وبدأنا بدراسة المهمة."
في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة الأول من آب أكملت الوحدة السيطرة على المنطقة، والى الغرب من هناك كان محور تانتشر، وهو عبارة عن مسار خيالي ضم في جزء منه طريقا يفصل بين المناطق الحضرية والريفية في رفح المكتظة. في الساعة السادسة صباحاً بدأت عملية احتلال المنازل، واشتعل ضوء احمر عندما اكتشف الجنود مباني مفخخة كان تم تمشيطها في المرة الماضية، هنا ثارت الشكوك بأن حركة حماس استعدت لعود الجنود للمكان.
في الساعة السابعة استعدت الكتيبة لعملية الدفاع وتم تغطية الشابيك ونشر القناصة والرشاشات ونقاط المراقبة في مناطق مسيطرة. في الساعة الثامنة أبلغت الحكومة الصهيونية الجنود والضباط بالهدنة، بعدها بعشرة دقائق شوهد شخص يركب دراجة نارية في شارع رئيسي على بعد 250 متر إلى الشمال من القوة المرابطة في المكان. وقام راكب الدراجة بإجراء جولة في المكان وعاد في الاتجاه الذي جاء منه. وحاولت القوة وقفه ولكن راكب الدراجة الذي تبين لاحقا أنه جاء ليراقب المنطقة تمكن من الهرب. وقد أثار ذلك اشتباه قادة الكتيبة فقرر قائدها رفع حالة الاستنفار، وأبلغ الجنود بأن عليهم البقاء على درجة عالية من اليقظة، ولم يستبعد احد ان تكون حماس تعد لعملية ضد القوة.
قرر الضابط المسؤول تمشيط المنطقة. في هذه الأثناء ذهب عدد من الجنود للنوم، فيما واصل بقية الجنود الحفاظ على حالة دفاع عن المكان. وامر الضابط شرئيل بتوزيع القوة إلى ثلاث فرق لتمشيط المنطقة. وبقي شرئيل وليئال غدعوني وهدار غولدن في المكان لمراقبة إحدى الفرق في منطقة كان فيها مباني مهجورة وجدران وأراضي زراعية. وخلال فترة وجيزة لوحظت حركة شخص يثير الاشتباه في برج يقوم في الجهة الجنوبية للمكان. ولوحظ انه بدون سلاح، وتبين فيما بعد أنه برج مراقبة لحماس.
بعد المعركة ساد التقدير بأن حماس قامت بعملية استفزاز لخلق وضع يتيح اختطاف جندي حتى لو كان الثمن تفجير التهدئة. وابلغ شرئيل عبر جهاز الاتصال بأنه سيخرج "لقطف" رجل حماس. وقال "انتظروني هنا ووفروا لي التغطية". واخذ معه القوة العسكرية التي يقودها وقسمها الى فرقتين، واقترب شرئيل من المبنى الذي كان فيه المراقب من حماس، وكان معه غولدين وغدعوني. ولم يستصعب بقية الجنود رؤية ما يحدث. وبصورة مفاجئة أطلقت نيران كثيفة على الجنود الثلاثة وبعدها سمع صوت انفجار، وسقط الجنود الثلاثة على الأرض. ويستدل من التحقيقات اللاحقة أن مسلحا بالزي العسكري فتح عليهم النار من مسافة 20 متراً من داخل المبنى، كما تبين أن خلية كانت داخل النفق خرجت وقامت بجر غولدن إلى داخل النفق.
وعند الساعة 9:06 سمعت القوة صوت إطلاق النار، وابلغ الضابط في جهاز الاتصال أنه في الطريق لمعالجة أمر المراقب. وقال احد الجنود: "كنا 14 جندياً، أوقفنا بنياه شرئيل على مسافة 300 متر من المكان، وأمر قوة من 5 جنود بالتفرق، بعدها لم نسمع أصوات الجنود في جهاز الاتصال، وحينها فهمنا أن أمرا سيئا قد حصل. ومرت عدة دقائق حتى قام قائد القوة بإبلاغ قائد اللواء العقيد عوفر فاينتر بما حدث. عرفنا أنه حصل شيء ما، ولكن لم نفهم بالضبط ماذا جرى، الجنود قرروا إطلاق صاروخ على المبنى والاشتباك، وحاصر 20 جندياً المبني استعداداً لدخوله، وعثر قائد الفريق في مدخل المبنى على بنادق ومخازن رصاص وقاذفات أربي جي.
وبالقرب من المكان عثر على جثتي شرئيل وغدعوني وجثة مخرب، بالقرب من فتحة النفق، وقام الجنود بجر جثني شرئيل وغدعوني الى داخل المبنى الذي اتضح انه كان مفخخا. وامر فوند الجنود باحتلال البيوت المحيطة لعزل المنطقة، ومنع القوات من الاقتراب من المبنى المفخخ. حينها صرخ أحد الجنود أن غولدن هدار غير موجود. ففهمت أنهم جروه لداخل النفق.
حينها قرر –الضابط “فوند” إعلان تفعيل نظام هانيبال وقام بإلقاء قنبلة داخل النفق خوفا من خروج مسلحين منه، وطلب الإذن بالدخول للنفق، فقال له جينو: أنا في الطريق إليك، افعل ما تراه مناسباً. ودخل فوند الى النفق ومعه مسدس وبدون لباس واقي، وعاد ومعه أدلة تثبت مقتل غولدن هدار، بعدها عاد بوند مع عدد من الجنود وعثروا على كميات كبيرة من الأسلحة في النفق. وكان قائد المنطقة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان يصغي طوال الوقت لما يحدث، وكان يعرف عن هجمات المروحيات الحربية والدبابات في محاولة لإحباط تهريب جثة غولدن.
وفي وقت لاحق وصلت معلومات استخبارية تفيد بأن حماس فقدت الاتصال مع الخلية التي اختطفت الجندي، والتي دفنت كما يبدو تحت الأنقاض. بعد الهجوم قتل أكثر من 40 فلسطينيا، ربعهم من المسلحين، وأكثر من الربع من المدنيين غير المتورطين بالإرهاب، فيما لم يتم تشخيص هوية الباقين حتى اليوم. وتم تحويل مواد التحقيق إلى النائب العسكري الرئيسي الجنرال داني عفروني، الذي يفترض فيه اتخاذ قرار حول ما إذا كان سيأمر بفتح تحقيق جنائي ضد الجنود.