• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 عبدالرحمن بشير يتحدث عن الإسلام في افريقيا

عبدالرحمن بشير يتحدث عن الإسلام في افريقيا


الداعية عبدالرحمن بشير من أشهر الدعاة في قرن أفريقيا اجتمعت فيه النبوغ والعبقرية الفطرية مع كثرة المطالعة والقراءة إلى جانب سحر البيان وفصاحة التعبير بالكتابة والخطابة وتميزت خطاباته وكتاباته بالجماهيرية وتجذب مختلف شرائح المجتمع سواء على مستوى النخب والمثقفين أو على المستوى العام من عامة المجتمع.

ينشط الداعية والمفكر الإسلامي عبدالرحمن بشير في وسائل الإعلام المختلفة فله محاضرات مرئية ومسموعة وله مقالات مكتوبة ومنشورة  يعطي توجيهاته للطبقة المثقفة كما تصل إرشاداته إلى العامة كل بحسب مستواه وفهمه.

وأدركت من خلال مقابلتي معه أنه رجل متواضع لم يتردد في قبول المقابلة ورحبني بقلب مسرور ويتصف بالجرأة والشجاعة وكان صريحا في الإجابات واعيا لما يقول وكانت عنده همة عالية شجعتنا على إجراء الحوار التالي:

البيان : مرحبا بك في مجلة البيان، بداية لو أعطيتنا تصورا عن تاريخ المنطقة، وكيف وصل الإسلام؟ وكيف اعتنق سكان المنطقة الإسلام ؟

منطقتنا تعتبر من حيث الجغرافيا الثقافية، منطقة وسطي كما يقول الباحث السوداني الدكتور حسن مكي، فهي ليست منطقة عربية خالصة، وليست كذلك منطقة أفريقية خالصة، فهي منطقة أفريقية - عربية، هنا تم تزاوج الثقافتين بشكل عضوي، فلا يمكن أن تفصل العربية من الأفريقية، ولا الإفريقية من العربية. يوجد كذلك خلاف قوي بين الإنتربولوجيين في أصل بعض الشعوب القاطنة في منطقة القرن الأفريقي كالعنصر الصومالي والعفري والهرري وغيرهم، هل هم من أصل عربي ؟ ويذهب إلي ذلك قسم كبير من الباحثين، أم هم من أصل أفريقي ؟ ويذهب إلي ذلك جم غفير من الباحثين إلي هذا الرأي، أم هم من الجنسين، العربي والأفريقي ؟ ويذهب إلي ذلك كثير من الباحثين، وأنا أميل ألي الرأي الأخير، فالأصل في هذه الشعوب هي الأفريقية، ولكنها ليست خالصة في ذلك، إذ نلاحظ مع الدكتور حسن مكي في تاريخ المنطقة من أمر هام وهو التفاعل المستمر بينها وبين الجزيرة العربية، ولهذا كانت المنطقة هي الأسبق في استقبال ألإسلام، ومن المرجح أن يعود إلي العلاقات القديمة ببلاد العرب، ووجود جاليات عربية علي سواحل البحر الأحمر مع الصوماليين والعفر منذ انهيار سد المأرب عام ١٢٠م . إن مما يميز منطقة القرن الأفريقي عن غيرها، هو وصول الديانتين السماوييتين في وقت مبكّر من تاريخ انتشارهما، فقد وصل الطلائع الأولي من المسيحيين إلي المنطقة هروبا من ظلم الرومان، ووصل الاسلام إلي المنطقة كذلك في وقت مبكّر جدا من تاريخ الاسلام، والمؤرخون يذكرون محطات أربعة وهامة، ولها دلالاتها التاريخية، لوصول الإسلام إلي المنطقة وهي :

1- الهجرة الأولي، والثانية إلي أرض الحبشة والتي كانت في السنة الخامسة من النبوة، وكانت إحداههما بقيادة الخليفة الثالث، بينما كانت الثانية بقيادة جعفر بن أبي طالب، ابن عم  الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.

2- يذكر البعض بآن الإسلام وصل إلي المنطقة في القرن الأول الهجري بواسطة التجار المسلمين، ودخل الناس هنا في دين الله أفواجا بلا حروب، ولم ينتشر الإسلام في المنطقة عن طريق الفتح العسكري، وإنما انتشر عن طريق الدعوة والتبشير.

3- هناك رأي ثالث يذكر بأن الإسلام وصل إلي المنطقة في القرن الأول الهجري، وفي أيام الخليفة الأموي، عبد الملك بن مروان، وتوجهت جيوشه نحو المنطقة فاتحة بقيادة الأمير موسي من بني جعشم، ولكن شعوب المنطقة لم تقاوم الجيش الاسلامي بل اختارت دخول الدين الاسلامي طواعية، وهذا ما تم في أوساط الشعب الصومالي والعفري.

4- ويوجد كذلك رأي رابع يري بأن الاسلام وصل إلي المنطقة في القرن الثاني الهجري، ومن النصف الأول منه، وذلك في أيام الدولة العباسية، ووصل إلي النطقة طلائع آل البيت الذين فروا من ظلم العباسيين، وخاصة الجماعة الزيدية، واستقروا فيما بعد المنطقة.

 

ويري المؤرخ الصومالي الشيخ جامع عمر عيسي في أن الرأي الأول الذي يري بأن الاسلام انتشر في المنطقة بعد وصول الصحابة مبالغ فيه، وأنا أشاطره في الرأي، ذلك لأن الصحابة لم يكونوا دعاة في هذا الوقت، بل كانوا ضحايا استبداد سياسي، وديني، وكان من الدبلوماسية أن لا يقوموا بنشر الدعوة في ربوع الحبشة خوفا لمصالحهم الاستراتيجية، ومصالح الحاكم ( النجاشي ) الإستراتيجية،ذلك لأن الرجل اختار الاسلام، بينما النظام الحاكم بقي علي ما كان عليه .

فضيلة الشيخ:الصومال وجيبوتي هما الدولتان الوحيدتان في المنطقة، واللتان يعتنق أهلهما الاسلام ١٠٠٪، فهل هناك عداوة تاريخية بينهما وبين الدول المجاورة المسيحية ( اثيوبيا وكينيا ) مثلا ؟

الإسلام قد سبق ما يسمي اليوم بالدولة الحديثة، فالدولة الحديثة بتشكيلها الحالية إرث استعماري، فلا وجود في تاريخ المنطقة دولة اسمها الصومال، أو جيبوتي، ولكن المعروف هنا هو الصراع الاسلامي المسيحي الذي امتد أكثر من عشرة قرون، فحاول المسلمون بلا هوادة نشر الدعوة المحمدية لتصل إلي كل المناطق في القرن الإفريقي، واجتهد المسيحيون بكل ما أوتوا من قوة  في نشر المسيحية في ربوع المنطقة، ولكن الطبيعة الجغرافية لم تكن في صالح المسلمين فلم يستطع المسلمون إيصال الاسلام إلي مرتفعات الحبشة، وباتت طبيعة المسلمين عقبة كأداء أمام المسيحية في انتشارها في وسط المسلمين، فلا المسلمون نجحوا قهر الحبشة لأسباب سياسية ( محلية وعالمية)، ولا الأمهريون المسيحيون نجحوا في إيقاف المد الاسلامي السلمي .

 الصراع الإسلامي المسيحي في المنطقة له طبيعتان، طبيعة دينية، لأن الإسلام والمسيحية من الديانات التبشيرية، فليستا من الديانات الذاتية، ولهذا فيحاول أهل الديانتين بسط نفوذهما بكل الوسائل ما أمكن، وأما الطبيعة الثانية فهي الطبيعة السياسية المرتبطة بالفكر الإمبراطوري للحبشة، فالدولة المسيحية الحبشية كانت تنتهج بالسياسة الإمبراطورية، فلا يجوز أن تكون تحت ظلها إلا الديانة الرسمية للدولة، ومن هنا كان الصراع في المنطقة قويا وشبيها إلي حد ما الصراع الدائر في الشرق الأوسط في أيام الحروب الصليبية .

 لم يتوقف الصراع لحظة من التاريخ، ولكنه كان يأخذ آشكالا مختلفة، عسكرية وسياسية، دينية وتبشيرية، ولهذا اتسم الصراع بالتركيب والتعقيد، وما يجري الآن في الصومال من المعارك الدائرة، والتي لا تفهم أسرارها كثيرا ليس بعيدا عن هذا الصراع المتسم بالتعقيد والتركيب، فالشعب الصومالي الذي نجح في إقامة دولة خالصة للجنس الصومالي بعد ذهاب الاستعمار الإيطالي والبريطاني من الأراضي الصومالية لم يكن محل ترحيب من الدولة الأمهرية المسيحية في القرن الماضي، وأضف إلي ذلك ما كان مطلوبا من أغلب الصوماليين إقامة دولة صومالية علي كل الصومال الأم، وجزء من جيبوتي والأراضي الصومالية الواقعة تحت الحكم الأثيوبي، والكيني، وهذا المطلب القومي خلق لدي الآخرين ( اثيوبيا وكينيا ) مخاوف شديدة من التمدد الصومالي المصاحب في غالب الأمر تمددا إسلاميا، ذلك لأن العنصر الصومالي كما العنصر العفري مرتبط أشد الإرتباط بالهوية الدينية .

 الصراع الإثيوبي الصومالي تاريخي، وما زال موجودا وقويًّا، والشعوب لم تصل بعد إلي النضج السياسي والفكري الذي يجعلها تتجاوز هذه العقد التاريخية لأجل صناعة قرن أفريقي جديد، لا غالب فيه ولا مغلوب، وتغيب فيه مفردات الإستعلاء، بل التكامل يكون سيد الموقف، وفي ظني، أن هذا التوجه هو المطلوب ولكنه حتي الآن ما زال بعيد المنال لأسباب سياسية، وأخري ثقافية .

البيان : ما أهمية الموقع الجغرافي للصومال وجيبوتي ؟

الصومال وجيبوتي يشكلان معا القرن الأفريقي الحقيقي الذي يزداد مع التحولات السياسية الكبري، والتجاذبات العالمية أهمية إستراتيجية، ولهذا تلاحظ اليوم تدفق القوي الكبري في المياه الإقليمية للدولتين، فهمًا قريبان جدا من الجزيرة العربية ذات الثروة النفطية الهائلة، كما أن مضيق باب المندب الذي يفصل جيبوتي عن اليمن يعتبر من أهم الممرات المائية في العالم، وازدادت أهمية الممر بعد فتح قناة السويس حيث أصبح منفذا رئيسيا يربط العالم العربي بالدول الأوربية من جانب، وبالعالم الآسيوي من جانب آخر، بل ويربط البلاد الأوربية بالعالم الآسيوي، فهو ممر نشط إقتصادي، وتمر فيه سنويا أكثر من ٢١٠٠٠قطعة بحرية، بما يوازي أكثر من ٥٦قطعة بحرية يوميا . إن بعض الإسترتيجيين يَرَوْن بأن مستقبل الإقتصاد العالمي مرتبط بهذه المنطقة، لأن القارة الافريقية التي سوف تتحول إلي بقرة حلوبة في الأقتصاد العالمي سوف تحتاج إلي مرافئ عالمية، ومن أهم المرافئ الواعدة هي الواقعة في جيبوتي والصومال .

 يشكل الموقع كذلك أهمية ثقافية، لأن الصومال وجيبوتي يمثلان بوابة العالم العربي لشرق أفريقيا ووسطه وجنوبه، ومن هنا يكتسي الموقع أهمية أبعد مدي، ولهذا أيضا نري بأن القوي المعادية للهوية الاسلامية تفهم تلك المعادلة وتحاول ان يكون لها وجودا ثقافيا، أو تجاريا، أو غيرهما في المنطقة، وليس عنا ببعيد ما تحاول به إيران فعله كتجربة في جيبوتي، ( المعرض التجاري، ونشر التشيع من خلال العلاقات التجارية والتعليمية )، بعد أن نجحت نوعا ما في الجانب الآخر من باب المندب ( اليمن )، وتحاول قوي أخري اللعبة ذاتها ولكن يتم ذلك كله بغياب العرب .

البيان: في فترة اللاحكومة التي مرت علي الشعب الصومالي - بحسب متابعتكم للوضع - كيف كان دور الحكومات العربي والإسلامية بجانب الشعب الصومالي ؟

يجب أن نفرق بين أمرين، أمر الحكومات، وأمر الشعوب، فنحن نعرف أنه لولا الله، ثم لولا الجمعيات الخيرية والهيئات الإسلامية في العالم العربي لكانت الكوارث أكثر، فإن بعض الهيئات الخيرية المحلية والإسلامية حلتا محل الدولة في التعليم والتربية، وقام في الصومال ولأول مرة في التاريخ الحديث مشروع التعريب غير المخطط من الجامعة العربية، فصار التعليم من أقصي الجنوب إلي أقصي الشمال عربيا، وذو لون إسلامي، وزد علي ذلك الإغاثة العاجلة، وغيرها من الأعمال الخيرية، ولهذا تجد اليوم كل القيادات الميدانية في الصومال من الجيل التي تخرج من المدارس الأهلية التي تبنتها تلك الهيئات الإسلامية، ولا يعني ذلك أنها كانت خالية من الأخطاء، وإنما هي كانت أقرب إلي الواقع من الهيئات الدولية التي جعلت نيروبي مركزها وثقلها، وابتعدت عن آلام الإنسان الصومالي .

أما الحكومات العربية والإسلامية، فلم تقدم للشعب الصومالي شيئا ذَا بال، سوي ما قامت به الدولة التركية مؤخرا من مشاريع عملاقة أعادت للإنسان الصومالي الأمل، والشعب الصومالي يحفظ للدولة التركية بقيادة السيد اردوغان تلك الرحلة التاريخية التي قام به في مرحلة كانت الصومال بحاجة إلي دعم الأشقاء، فلم تكن رحلة دبلوماسية خاوية المضمون كما رأينا من قبل بعض الزعماء العرب والأفارقة، ولكنها حملت مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية، أما القيادات العربية الرسمية فلا حضور لهم في الملف الصومالي من بداية سقوط الحكومة حتى اليوم، بل تَرَكُوا الملف للأفارقة، ومن هنا فإن الكثير من النخب الصومالية اليوم تعتقد بأن العرب نسوا قضيتهم في القرن الأفريقي مما جعل الانتماء العربي للعنصر محل تساؤل .

البيان: تشهد جيبوتي توترا سياسيا ساخنا بين الحكومة والمعارضة، وازدادت السخونة حين دخل التيار الإسلامي المعادلة السياسية، وصار حليفا استراتيجيا مع المعارضة بعد مهادنة سياسية في القدم ما بين الحكومة والتيار الاسلامي، ما الذي تغير من المعادلة ؟

المشهد السياسي في جيبوتي يحتاج إلي فهم المسارات التالية :

1- المسار السياسي الشمولي، وقد بدأ هذا المسار بعد الاستقلال بعامين أسوة بالعالم العربي، والأفريقي، فأخذت الدولة نظام الحزب الواحد، وألغيت كل الأحزاب السياسية الأخرى، واجتمعت القوي تحت الحزب الحاكم ( RPP)، حزب التجمع الشعبي للتقدم، وأصبح المناؤون لهذا التوجه في فريقين، فريق خرج إلي خارج البلد معارضا، أو حاملا للسلاح في الجبال، وفريق آخر آثر عدم المواجهة، ولكنه لم يخرج من الوطن وإنما كان ينتظر الفرص، وهذا ما اختاره المناضل الكبير للاستقلال والحريّة السيد أحمد ديني أحمد رحمه الله .

2- المسار السياسي العنيف، وقد بدأ هذا المسار في نهاية الثمانينيّات من القرن المنصرم حين اقتنعت النخبة العفرية غياب العدالة السياسية في المسار السياسي ما بعد الاستقلال، ودخل البلد في أتون الحرب الأهلية التي أكلت الأخضر واليابس، وأدخلت الوطن الأزمة الإقتصادية الهيكلية التي لم يتعافى منه حتى الآن، ولم يخرج منه كليا لأنه مازال في الجبال من يحمل السلاح، وما زال من الشعب العفري من يعتقد بأن الظلم الصومالي علي العفري موجودا وقويًّا، ولهذا فإن هذا المسار لم ينته بعد من المشهد السياسي .

3- المسار السياسي التعددي المقيد، وبدأ هذا المسار في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، وذلك بعد أن وجه الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران خطابه للقيادة الأفريقية، وطالب منهم التوجه نحو الديمقراطية، والتعددية السياسية كشرط أساسي للإعانات الدولية والفرنسية بوجه خاص، وتزامن مع ذلك الصراع المسلح ما بين الجبهة المسلحة ( جبهة إعادة الوحدة والديمقراطية )، ذات الأغلبية العفرية، والحكومة الجيبوتية الذي يقودها الحزب الحاكم ذو النفوذ الصومالي، فإثرها بدأت التعددية الديمقراطية المقيدة بأربعة أحزاب مؤقتا، والحياة الدستورية الجديدة حيث تم استفتاء دستور جديد يحكم العملية السياسية .

4- المسار السياسي التعددي المفتوح، وقد بدأ هذا المسار في بداية الألفية الثالثة حسب تخطيط سياسي عقلاني ومحكم، لأن التحول من الشمولية إلي التعدد يستدعي مرحلة وسطية، وكان من حسنات الدستور أن قيد ولاية الرئاسة إلي ولايتين فقط، ولكن الرئيس الحالي الذي تولي الرئاسة في عام ١٩٩٩م، نقض المادة بشكل غير دستوري، وألغي القيد لصالحه حتى يستطيع الترشح مرات عديدة كإخوانه من حكام العرب والمسلمين والأفارقة، وهو ما أدي إلي خروج الناس في مظاهرة هامة وكبيرة واستثنائية في تاريخ النضال الجيبوتي في شهر فبراير ٢٠١١م، ومن هذا اليوم بدأ الهبوط السياسي الخطير، لأن الرئيس الحالي خطط، وما يزال في استدامة الحكم لنفسه، بل ولعائلته .

5- المسار السياسي المتوتر، في هذه اللحظة من التاريخ، خاف كثير من المراقبين عن المستقبل السياسي، فتحولت الدولة في عهد جيلة الرئيس الحالي من المؤسساتية إلي ما يسمي ( بالشخصنة ) كما يقول المفكر المصري الاستاذ طارق البشري، فبدأت الدولة تتغول أكثر فأكثر، وتخرج من الإطار المعترف بها، ومن هنا حاول بعض المثقفين إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فكتبوا إلي الرئيس عريضة فيها بعض المظالم، ولكن الرئيس رفض مطالب المثقفين، ووصف أهلها بعديمي الثقافة السياسية . في هذه المحطة تكونت قوي سياسية جديدة وعلي رأسها قوة شبابية يقودها رئيس البلدية المنتخب من قبل الشعب السيد عبد الرحمن بله الذي فاز حزبة الجديد علي التحالف الرئاسي المكون من خمسة أحزاب سياسية بما فيها الحزب الحاكم منذ الإستقلال، وتكون في المحطة ذاتها حزب شبابي آخر مكون من تيارات عدة، من التيار الدعوي، والتيار الخدمي، والتيار العلماني، تحت مسمي ( الحركة الوطنية لأجل التنمية والحريّة ) وأصبح من ضمن هذا الحزب هؤلاء الذين كتبوا العريضة للرئيس، ودخل هؤلاء في التحالف المعارض الوطني الذي دخل الانتخابات التشريعية في عام ٢٠١٣م، وحصد من أصوات الناخبين ما يفوق علي ٨٠٪، مما جعل النظام يقوم بعملية تزوير ممنهج لا مثيل له في تاريخ الإنتخابات، لأنه لم يعرف كيف يواجه الطوفان البشري أمامه إلا أن يقوم بعملية تزوير مكشوف، ما زالت الأوراق تتحدث عن نفسها .

6- المسار السياسي المتخبط، بدأ هذا المسار السياسي بعد الفشل السياسي للحزب الحاكم وتحالفه، فالنظام لا يعرف ماذا سيفعل في انتخابات الرئاسية القادمة بعد صدمته المهولة من نتائج الإنتخابات التشريعية لعام ٢٠١٣م، ومن هنا بدأ يتخبط في سحب الجنسيات من المواطنين كما فعل بالسيد المفكر محمد طاهر روبله، أو سجن العلماء والمفكرين والسياسيين كما فعل معنا، ومع المناضل الكبير السيد طاهر فارح، أو سحب الجوازات من المواطنين حتى يبقوا في سجن السماء المفتوح كما فعل للكثيرين من أبناء الشعب الجيبوتي الرافض لحكمه، أو إخراج الناس من الوطن بقوة كما فعل مع الفنانة المناضلة السيد نعمة جامع، والسيد عبد الرحمن بوري، رجل الأعمال الجيبوتي المعروف دوليا، والسيد حسن عطوش وهو أيضا رجل اعمال جيبوتي .

إن النظام اليوم يتخبط سياسيا في تعامله مع الملف الداخلي، وله تخبط مثيل في الملف الإقليمي، وكذلك في الملف الدولي، فهو يحاول أن يلعب مع الجميع لعبة واحدة، فهو مع إيران ذي التوجه الشيعي، ومع السعودية ذات التوجه السني، ومع امريكا والصين، في لعبة مصالحية بعيدة عن الرؤية الإستراتيجية، ولهذا جعلت عنوان هذه المحطة ( التخبط ) . نحن لا ننظر علاقتنا بالنظام من خلال التزام الشعائر، فكلنا مسلمون، المعارضة والنظام، والصراع في بلادنا ليس له علاقة بالهوية الحضارية أوالدينية، فالصراع سياسي، وفكري، ونريد من خلال نضالنا العدل والحريّة فقط، فإذا تحقق لنا هذا فنحن لمن يلي أمر الوطن جنود، ومن ابتعد عن ذلك فنحن وإياه في خصام حتى يتحقق ذلك، ولهذا فليس من العقل في دولة غالب سكانها مسلمون أن نتساءل عن عقائد الناس، وعباداتهم، ولكن التساؤل هو كيف يتحقق العدل في بلادنا دون أن نتخلى هويتنا الحضارية والدينية والفكرية .

البيان: بما أن فضيلتكم كُنتُم من المعتقلين السياسيين، فماذا كانت التهم الموجهة إليكم ؟ وكيف خرجتم من السجن ؟ بوساطة أم باتفاق ؟

تعلمون أن الدول التي لا يستقل القضاء عن الحكومة فإنه يأتمر بأوامره، فقد ذكر رئيس جيبوتي مرارا بأننا كنا السبب الرئيسي في نجاح المعارضة للانتخابات التشريعية الأخيرة، ولم نقبل النتائج المعلنة من قبل الحكومة، وشاركنا في مظاهرات عامة في رفض النتائج المزورة المعلنة، ولهذا تم اعتقالنا، مع أن المظاهرات في بلدنا مقبولة دستوريا، وقد تمت محاكمتنا صورية لمدة سنة ونصف، وقد أنهينا مدة المحاكمة بدون أن نتنازل من مبادئنا وأفكارنا، فما زلنا علي العهد مع الله، ومع الشعب، ومع التاريخ، وما زال الشعب الذي أعطانا صوته موجودا معنا، وما زلنا معه، ولهذا يتخبط النظام فيما ينبغي فعله معنا، ومع سائر القوي السياسية الأخرى.

البيان: كيف تري مستقبل التيار الإسلامي في جيبوتي في ظل تمسك جيله كرسي الرئاسة ؟

ليس للتيار الإسلامي مستقبل مستقل من الشعب الجيبوتي وذلك لسببين، أحدهما : الشعب الجيبوتي مسلم له جذوره الثقافية والدينية، وثانيهما : الترابط القوي ما بين الناس هنا في جيبوتي، فالناس لا يتشكلون فكريا، وإنما يتشكلون اجتماعيا، ومن هنا، فإن مستقبل السفينة لا تبحث مفرقا، وإنما تبحث في مكان واحد . التيار الإسلامي متعدد، فمنه الديني الذي ليس له شأن في الأمر العام، والفكري الذي تغلغل في المجتمع، وليس باستطاعة أحد من الناس أن يقتلع جذور التيار الإسلامي بسهولة، وهناك من اختار العمل السياسي لأهميته القصوى في الحياة، وله حضوره القوي في الملف السياسي، السؤال هنا، ما مستقبل من يحارب الحرية والعدالة في ضوء المتغيرات السياسية ؟ هل يمكن لجيله إذا تمسك بكرسي الرئاسة أن يقود البلد في المرحلة القادمة مع ما يشكو من أمراض، وما يعانيه من تخبط سياسي، وما يدور في الداخل السياسي من صراعات حتى في داخل حزبه ؟ لا خوف من مستقبل التيار الاسلامي، لأنه ليس مرتبطا بحالة، ولا بشخص، ولا بلحظة، ولكن أمر جيلة هو المرتبط بالحالة، لأنه شخص معين لا يملك فريقا سياسيا ناجحا، وليس لديه كما للبعض في عالمنا العربي دولة موازية، أو عميقة، فهو شخص له مصالح مع بعض الناس، فإذا انتهي انتهت معه المطامع عكس التيار الاسلامي المعتدل الوسطي الذي تجاوز مرحلة البدء، فلا خوف عليه، لا من جيله ولا من غيره، ويضاف إلي ذلك بأن التيار الاسلامي حالة شعبية وليست حالة نخبوية .

إن التساؤل العميق مرة أخري، ما مستقبل جيبوتي إذا ما تمسك جيله بكرسي الحكم ؟ وهل باستطاعته فعل ذلك بعيدا عن التجاذبات السياسية المحلية والأقليمية والدولية ؟ أظن أن مستقبل جيلة في مهب الريح سياسيا، حتى ولو زور الانتخابات الرئاسية مرة أخري، وحكم البلاد والعباد بالحديد والنار، وحاول كما يصنع اليوم الجمع بين المال والحكم، فان كل ذلك يدل علي أن النظام في الطريق الخطأ، وهناك في الوسط الشعبي سخط يتعاظم يوما بعد يوم، وهو ما ليس لصالح النظام الذي يرأسه جيلة، فالتاريخ ليس لصالح جيلة بحال من الأحوال . ليس التيار الاسلامي وحده في الميدان، فهناك التيارات السياسية كلها، والتيارات الشبابية والنسائية التي تقف اليوم مع مسافة واحدة مع هذا التيار في مطالبة الحقوق الأساسية من الحرية والعدل والكرامة، ولهذا فلن تجدوا يوما ما شيء اسمه تيار إسلامي منفصل عن هموم الناس وقضاياهم .

أعلى