نتنياهو في الكونغرس: محافظ، عنصري وقمعي
رافيت هيخت/هأرتس
إن ما تكتبه في هذه المقالة قد يترجم إلى تهمة بالخيانة. والتعاون مع دعاية خسيسة تخدع الأبرياء وتسخر منهم. ومشاركة فعالة في مسرحية تم تنظيمها وإخراجها بشكل جيد، وعرضها، أمس، في الكونغرس الأمريكي المخرج الكبير بنيامين نتنياهو، والتي وجد الكثيرين انسفهم يشاركون فيها قسرا - من السياسيين الذين يريدون استبداله ويطالبون بالتعقيب على "الخطاب"، مرورا بالصحفيين والمحللين الذين يحتاجون مرة أخرى إلى فصل خيوط المعكرونة الركيكة والساخنة، وانتهاء بالأهم من ذلك كله، المواطنين الإسرائيليين، الذين ينطوون على أنفسهم مرعوبين داخل بيوتهم، تهددهم الكارثة المؤكدة التي تحلق فوق رؤوسهم.
ويجب أن نضيف إلى قائمة الضحايا، الآن، رجال الإدارة الأمريكية، أيضا، والديموقراطيين الذين لم يتوقفوا طوال السنوات الست الأخيرة عن الشعور بالصدمة إزاء صفاقة ووقاحة وغطرسة وعدوانية المسار الجمهوري اليميني الممتد بين واشنطن والقدس.
منذ عدة سنوات يدير نتنياهو سيركه الذي يفترض فيه ضمان سلطته. وسوية مع سارة التي تتفجر فخرا، وايلي فيزل، الذي يحمله معه دائما كدمية رثة من الكارثة، وطبعا شريكه وعرابه الجمهوري شلدون ادلسون، ينجح نتنياهو بتحديد جدول يومي ينطوي بكامله على هواء ساخن: فالاتفاق مع ايران لم يتحقق بعد، والولايات المتحدة تدعم "اسرائيل" بتزمت على الرغم من سلوكها منذ 67 كبلطجي (من أسوأ الانواع، والذي يتباكى بدون توقف على أنه هو الضحية)، وإذا كان هناك اتفاق سيء ما في الطرف، فانه يمكن لنتنياهو وشعبه في "إسرائيل" أن يطرحوا ادعاءات فقط إزاء رئيس الحكومة نفسه، الذي فشل في مهمة ليست صعبة بشكل خاص: تحقيق مظلة دفاعية واسعة قدر الإمكان من قبل اكبر صديقة "لإسرائيل"، تلك المستعدة لتقديم أوراق الفيتو لها، كالأم الرؤوم التي تزور لابنها الجانح مبررات المرض حسب الطلب.
وعلى الرغم من أن المصالح شفافة كالبلور: يقوم الرأسمالي الجمهوري بمحاربة الإدارة الديمقراطية بواسطة جندي مطيع من "إسرائيل"، يشكل هو أيضا، جزء من زوجين وقعا في محبة ملذات السلطة والقوة . العالم كله يجلس ويشاهد العرض كما لو كان قطيعا متخلفا ومفتونا، والحضور يصفقون كل عشر ثوان، ويقفون تباعا بشكل مبرمج يثبت فقط أن كلمات نتنياهو تفتقد إلى أي معنى باستثناء عرضها.
المراسل الدبلوماسي للقناة الثانية اودي سيغال، دون ملاحظة في بداية الخطاب كتب فيها أن محفظة السيدة أدلسون سقطت من طابق الضيوف على رؤوس النواب في قاعة الكونغرس. فهل هناك مثال أكثر فعالية لوصف المهزلة التي جرت الليلة الماضية؟
لا يمكن التسليم بهذا العرض. يمنع مشاهدة خطابات من هذا النوع. التلاعب الساخر بالضحية لا يمكن أن يتم بدون تعاون، حتى لو كان سلبيا. يجب التوقف عن الثناء على الطلاقة، وعلى الإنجليزية الرائعة، والصوت الجهوري الذي يُسرب عبر حساء الكارثة حبوب الاسلاموفوبيا. فلو كانت كلماته قد قيلت ضد اليهود، لكان رئيس الجمعية المناهضة للقذف اييف فوكسمان، سيوقف العالم (من الربط التلقائي بين داعش وإيران المتحاربتان، إلى البازار الفارسي المعتاد على الغش).
ليس من قبيل المصادفة أنه لم يتواجد في القاعة أي نائب من السود. لا حاجة إلى إظهار الاحترام لهذا العرض الأبيض، المحافظ، العنصري والقمعي بتصديق من أي تعددية. وبدل ذلك يجب الحديث عن الحروب الوهمية التي تحدث هنا كل سنة ونصف، وتقتنص عبثا أرواح آلاف البشر في "اسرائيل" والمناطق الفلسطينية. يجب التحدث عن الجرائم الإسرائيلية التي تخرق القانون الدولي، عن التضحية بالحقوق الإنسانية لملايين الناس، والذين لم يعد بإمكان الكثير من الإسرائيليين حتى تخيلها.
يجب الحديث عن الحريات المتقلصة وعن المخاطر المتزايدة، ليس فقط بحق الأقليات، كما كان متبعا هنا منذ الأزل، وإنما بحق اليساريين، أيضا، ونشطاء حقوق الانسان، والليبراليين وكل من لا يتفق مع خط السلطة. يجب الحديث عن اولئك الذي يعتبرون ميراث نتنياهو، وليس عن ربطة العنق الزرقاء والانجازات الوهمية، حتى في موضوع النووي الإيراني.