حرية صحافة لليهود فقط
درور أتاكس - هأرتس
لماذا صمتت "إسرائيل" على طرد عملاء
الموساد الذين تقمصوا هويات الدبلوماسيين في لندن، بعد اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني
ناجي العلي؟ ولماذا اغتالت "اسرائيل" الأديب الفلسطيني غسان كنفاني؟.
إن الصدمة التي أصابت أوروبا بعد المذبحة التي
نفذها مسلمون متطرفون في صحيفة "شارلي هبدو" كانت مبررة، والإعلام الإسرائيلي
تساير مع هذا الخط كما كان متوقعا، وأعرب عن تضامنه مع الضحايا. ولكن في "إسرائيل"،
كما في "اسرائيل"، حيث أضيفت إلى التضامن الكلاسيكي مع الدول الغربية في
حالات كهذه، نغمة استعلاء في ادعاء المعرفة، من نوع "قلنا لكم"، إضافة إلى
المحاولات المتوقعة جدا من السياسيين في اليمين، وعلى رأسهم نتنياهو، تحقيق مكاسب على
حساب كارثة الآخرين.
ولكن في هذه المسألة، من المناسب أن نتذكر أن الحديث
عن سلوك كلاسيكي. فمنذ قيام "اسرائيل"، اعلنت حربا على الصحافة الحرة، وليس
المقصود، معاذ الله، الصحافة الخاصة بالقطاع اليهودي (رغم انه هنا ايضاً كان بعض الاستثناء)،
وانما الصحافة الفلسطينية، في "اسرائيل" والأراضي الفلسطينية، والتي يتم
التعامل معها دائما كعامل معادي يجب السيطرة عليه بواسطة الرقابة الرادعة، أو حتى عرقلته
تماما في حالات معينة.
في عام 2002، تم تصنيف "اسرائيل" في
المكان الثاني والتسعين (تحت السلطة الفلسطينية والمغرب والكويت ولبنان) في مقياس حرية
الصحافة الذي أعدته جمعية "صحفيون بلا حدود". وهذا التصنيف غير اللطيف لم
يأت بسبب حرية الصحافة في "إسرائيل" نفسها، وانما بسبب مسها بحرية عمل الصحفيين
الذين يغطون الأحداث في المناطق الفلسطينية. وقال معدو الاستطلاع لصحيفة "هآرتس"
آنذاك، انه "يتم في الضفة الغربية وقطاع غزة خرق معاهدات الصحافة الحرة التي وقعت
عليها "اسرائيل" بشكل كبير. ومنذ دخول الجيش الإسرائيلي إلى المدن الفلسطينية
في آذار 2002، عانى الكثير من الصحفيين من التهديد والاعتقال وتقييد حرية الحركة والاعتداء
الجسدي ومصادرة بطاقات الصحفيين".
كان يمكن الاعتقاد بأن المكان الذي تم تصنيف "اسرائيل"
فيه آنذاك، والتصريح اعلاه، يرتبط بالعنف البالغ الذي وقع خلال الانتفاضة الثانية،
ولكن في نهاية 2014، تم تصنيف "إسرائيل" في مرتبة منخفضة أكثر، في المكان
السادس والتسعين من بين 180 دولة.
والحديث ليس فقط عن حق الصحافة الحرة، وإنما، أيضا،
عن إغلاق مؤسسات ثقافية وأكاديمية، والتعرض للمناسبات المتناهية مع التيار الوطني الفلسطيني.
إن إغلاق جامعة بير زيت لعدة سنوات بعد الانتفاضة الاولى، ومن ثم إغلاقها ثانية، بعد
الانتفاضة الثانية، هو خير دليل على شكل تعامل "إسرائيل" مع الحرية الأكاديمية
وحرية التعبير الفلسطيني في المناطق. ومن الأمثلة على تعامل "اسرائيل" مع
رغبة الفلسطينيين في القدس الشرقية بالتعبير عن هويتهم القومية، قرار إغلاق بيت الشرق
بشكل نهائي في عام 2011، (بعد اغلاقه عدة مرات لفترات محددة)، وكذلك ممارسة العنف لإلغاء
عشرات النشاطات الثقافية المرتبطة بالسلطة الفلسطينية أو أي تيار فلسطيني قومي، وهو
ما قضى نهائيا على مسرح الحكواتي في القدس الشرقية.
وإذا انعكست الإجراءات الإسرائيلية في الضفة في
كم الأفواه وإغلاق المؤسسات والصحف والاعتقالات الإدارية، فمن المحتمل انه تم في الغرب
انتهاج طرق تذكر بطرق العنف التي لجأ إليها المسلمون مؤخرا في باريس.
من يتذكر في "اسرائيل" رسام الكاريكاتير
الفلسطيني ناجي العلي، الأب الروحي لشخصية الولد "حنظلة"، والذي يمثل في
الذاكرة الجماعية الفلسطينية الوقت الذي لا يمضي منذ النكبة وفقدان الوطن؟ لقد تعرض
ناجي العلي إلى النيران في لندن في عام 1987، وتوفي متأثرا بجراحه. "اسرائيل"
لم تعلن أبدا مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، وهناك فرضيات تقول أن اغتياله كان جزء من
تصفية حسابات داخلية في منظمة التحرير. لكن السلطات البريطانية اعتقلت في حينه عدة
مشبوهين كان من بينهم عميلا مزدوجا للموساد. وأدي ذلك الاعتقال في حينه إلى طرد دبلوماسيين
إسرائيليين تبين أنهم عملاء للموساد في لندن، وتم إغلاق الملف بهدوء. يمكن الافتراض
بأن "إسرائيل" الرسمية فهمت، أن تلك اللحظة لم تكن مناسبة لإحداث ضجيج احتجاجا
على طرد الدبلوماسيين.
إذا كان قتل ناجي العلي محاطا بغيوم الشك، فانه
في حالة الأديب والمثقف غسان كنفاني، من الجبهة الشعبية، الذي قتل في عام 1972 مع ابنة
أخته التي بلغت 17 عاما، تعتبر الأمور أقل غموضا. ورغم أن "اسرائيل" لم تعترف
ابدا بمسؤوليتها الا أن اغتيال كنفاني اعتبر ردا على المذبحة التي ارتكبها "إرهابيون"
من اليابان بالتعاون مع الجبهة الشعبية في مطار اللد، قبل عدة أشهر من اغتيال كنفاني.
ولذلك ورغم انه من الواضح بأن كنفاني لم يمارس "الارهاب" ولم يكن الشخص الذي
وقف وراء عملية القتل، فقد قتل انتقاما لأنه تم قبل عدة أشهر التقاط صورة له مع إحدى
"الإرهابيات" اليابانيات.
العالم الاسلامي عامة، والعربي خاصة، مشبعا بكل
أنواع العنف، بما في ذلك العنف السياسي المثير للغثيان، ولكن في هذا السياق، أيضا،
يتضح أن "إسرائيل" هي جزء من الشرق الاوسط الذي تعتبر فيه حرية الصحافة وحرية
التعبير من القيم المقدسة فقط لمن يخدمون أصحاب المناصب. الدم العربي، خاصة الفلسطيني،
يعتبر سلعة رخيصة في الغرب، بل وارخص بكثير في "إسرائيل"، ولا يصبح باهظ
الثمن حتى عندما يكون هذا الدم هو دم الفلسطينيين الذين يحاربون من أجل حرية الصحافة
والضمير.