• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
انتفاضة القدس فضحت اليمين الصهيوني

انتفاضة القدس فضحت اليمين الصهيوني

يدل الجدل العام المحتدم في تل أبيب على وقع تواصل عمليات المقاومة في القدس ومحيطها أن نسبة كبيرة من النخب الصهيونية باتت تدرك إن الإجراءات القمعية التي ترتكب ضد الفلسطينيين في مسعى لوقف الانتفاضة تأتي تحديداً بنتائج عكسية.

وإن كان ثمة من يبحث عن دليل على مكانة المقاومة كأمضى وسيلة تأثير تضمن تحسين واقع الشعب الفلسطيني في معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني، فما عليه إلا أن يستمع إلى سيل من الاعترافات الصادرة عن نخب صهيونية وازنة.

المفارقة، أنه يتضح من الجدل الدائر في الكيان الصهيوني أن عمليات المقاومة أظهرت أزمة اليمين بشقيه الديني والعلماني، فبات في حالة دفاع عن النفس في مواجهة الانتقادات التي تناله من كل حدب وصوب.

 أن لسان الكثير من النخب الصهيونية يقول: إن سياسات اليمين هي التي دفعت الكيان الصهيوني إلى هذا النفق المظلم، الذي لا يقدر أحد على وضع وصفة للخروج منه.

لقد آتت عمليات المقاومة أُكلها، على الأقل على صعيد التأثير على الوعي الجمعي للصهاينة، لدرجة أن بعض الجنرالات وكبار الكتاب بات يتبنى المواقف الفلسطينية بين عشية وضحاها.

فعلى سبيل المثال،هناك من النخب الصهيونية من بات يطالب بإغلاق أبواب المسجد الأقصى أمام ليس فقط اليهود، بل والسياح الأجانب، كما يقول شالوم يروشالمي كبير المعلقين السياسيين في صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية.

ويصل يروشالمي إلى حد الاستنتاج بأنه يتوجب "إغلاق نافذة الشرور" المتمثلة في الزيارات الاستفزازية لليهود للمسجد الأقصى.

 ولا تصدر هذه الدعوة عن كتاب فقط، بل أن يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" لا يتردد في دعوة قيادة الشرطة الصهيونية إلى رفض السماح للوزراء والنواب من الائتلاف اليميني الحاكم باقتحام المسجد الأقصى.

 إن أهمية هذه الدعوات تكمن في حقيقة أنها تأتي في أعقاب تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني وكبار قادة ائتلافه الحاكم التظاهرية حول "حق اليهود في زيارة المسجد الأقصى بوصفه يضم الهيكل،الذي يعد "أقدس" مكان لليهود، بزعمهم.

 وبدلاً من أن نتنياهو يأخذ بالتصدي للدعوات المطالبة بإغلاق المسجد الأقصى أمام زيارات اليهود، فإذا به يلوذ بالصمت، لأنه بات يعي أن العودة على تصريحاته السابقة يعني تعقيد الأوضاع الأمنية بشكل يهدد فرصه في مواصلة الجلوس في ديوان رئيس الوزراء بعد الانتخابات، التي يبدو أنها على الأبواب.

أن نتنياهو، وتحت ضغط  الواقع، بات يوزع التعهدات للحكام العرب بعدم تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى،على الرغم من أن وزراءه ونوابه كانوا يعكفون على سن مشاريع القوانين الهادفة للتمهيد لتهويده.

 لا يعني ما تقدم أن قادة اليمين قد هجروا مخططاتهم بشأن القدس والمسجد الأقصى،لكنه يدلل بشكل واضح على حالة الإرباك التي يعيشونها في أعقاب تفجر الانتفاضة.

 لكن مما لا شك فيه أن أبرز وأهم تأثير للمقاومة على الوعي الجمعي للصهاينة يتمثل بدون شك في أن عدداً كبيراً من الجنرالات المتقاعدين والباحثين وكبار الكتاب الصهاينة باتوا يتبنون مواقف من القدس كانت تعد "جريمة وخيانة" في القياس الصهيوني.

 فعلى سبيل المثال،بتنا نجد أن النخب الصهيونية باتت تقر بأن عدم الانسحاب من القدس الشرقية يمثل "خطيئة" يدفع ثمنها الصهاينة بأسرهم،حيث يصل هؤلاء إلى استنتاج مفاده أنه يتوجب التخلص من احتلالها.

 فعلى سبيل المثال، لا يتورع النائب عوفر شيلح، عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست عن القول إن  الكيان الصهيوني يدفع في الواقع ثمن قراره الخاطئ بـ "توحيد" القدس.

ويعتبر شيلح أنه لم يكن من الممكن في الأساس ضمان مصالح الكيان الصهيوني والحفاظ على أمنه "القومي" في الوقت الذي يتواصل فيه الاحتلال.

 ويصل الجنرال شاؤول أرئيلي،الذي قاد قوات الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة،إلى حد القول أنه بدون "التخلص" من احتلال القدس،فلن ينعم الكيان الصهيوني بالأمن والأمان.

ويستنتج أرئيلي أن القدس لن تكون موحدة،ويتوجب استخلاص العبر المطلوبة،معتبراً أن كل من يصمم على "توحيد" القدس يريد أن يتدهور الواقع الأمني للصهاينة.

وأعاد بعض المعلقين الصهاينة للأذهان، مسؤولية قادة اليمين الصهيوني عن تفجيرات المقاومة الاستشهادية من خلال تشبثهم بـ "توحيد القدس"

 ويستغل المعلق الصهيوني البارز نداف إيال، عمليات المقاومة في القدس، ليطرح تساؤلاً يبدو متماسكاً، ويقول: "ماذا حقق توحيد القدس غير مزيد من القتل للإسرائيليين".

والذي يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة للقيادة الصهيونية السياسية أن أحداً من قادة الأجهزة الأمنية سواءً الذين هم في الخدمة أم في الاحتياط غير قادر على تقديم وصفة تضمن وقف عمليات المقاومة ذات الطابع الفردي.

فهناك إجماع بين الخبراء الأمنيين الصهاينة على أنه التي لا يمكن أن يكون بالإمكان جمع معلومات استخبارية مسبقة عن عمليات فردية،كما هو الحال في بعض العمليات التي يتم التخطيط لها من قبل تنظيمات أو مجموعات للمقاومة.

وقد دحض ديسكين الرئيس السابق لجهاز "الشاباك" مزاعم قادة اليمين الإسرائيلي المنادين بتشديد الإجراءات الأمنية ضد الفلسطينيين لوقف انتفاضة الأقصى،محذراً من أن استخدام مزيد من القوة سيفضي إلى نتائج عكسية.

وفي مقال نشره موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت"  مساء السبت الماضي، قال ديسكين: "بصفتي الشخص الذي وقف في مواجهة الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى،وكمن قادة عمليات خاصة وشارك في حروب أقول إن منطق اليمين القائل أن المزيد من القوة في مواجهة المقاومة الفلسطينية ليس له أساس من الصحة".

 وشدد ديسكين على أن اندلاع انتفاضة القدس يدلل على أن اليمين بزعامة بنيامين نتنياهو يقود نحو تشكل دولة ثنائية القومية،مما يعني انهيار المشروع الصهيوني.

واستهجن ديسكين من أولئك الذين لا يتوقعون اندلاع انتفاضة القدس في الوقت الذي تعاني فيه الجماهير الفلسطينية في المدينة المقدسة من عسف وتضييف وتمييز، مشيراً إلى أن المقدسيين الفلسطينيين يعانون من أزمة سكن خانقة، إلى جانب تجاهل البلدية المطلق لمشاكلهم.

وهاجم ديسكين نتنياهو وقادة أحزاب اليمين بسبب تحميلهم رئيس السلطة المسؤولية عن موجة العمليات، قائلاً: "كل قادة الأجهزة الأمنية والاستخبارية في إسرائيل يدركون تماماً أن أبو مازن ليس فقط لا يشجع على العنف،بل أنه وقادة أجهزته الأمنية يقطعون الليل بالنهار في حرب ضد الإرهاب الفلسطيني بشكل صارم.

ولا داعي هنا للتذكير بأن كل ما تقدم يدلل على بؤس منطق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يدعي عبثية المقاومة، في الوقت أن نتاج عدد بسيط من عمليات المقاومة يبدو أكبر بكثير من نتاج عقدين المفاوضات.

أعلى