"داعش" ترسم خريطة الانتشار الأمريكي
دأبت الإرادة السياسية
الأمريكية دائما في منطقة الشرق الأوسط على ترجمة خطط أمنية واقتصادية هدفها
الأساسي الحفاظ على المصالح الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، وقاعدتها
العسكرية "إسرائيل" التي بدورها تقوم بجهود مضنية للحفاظ على منطقة
الشرق الأوسط خاليا من أي قوة عسكرية أو اقتصادية يمكنها أن تكون نواة لمشروع
مستقل عن السيادة الأمريكية.
وإذا أردنا أن نفسر ما يجري في العراق و سوريا
حاليا، فإننا سنجده لا يختلف كثيرا عن ما يجري في
أفغانستان أو الصومال أو غيرها من البلاد الإسلامية المنهكة بالحروب والصراعات
التي أشعلت نارها واشنطن أو حلفائها.. وسواء كان تنظيم الدولة الإسلامية صنيعة
الولايات المتحدة أو غيرها فإنه لا يزيد عن كونه سببا في إذكاء الحرب الأمريكية
الجديدة في المنطقة، ولتهيئة الظروف لقيام واشنطن بمخططاتها الجديدة لتقسيم المقسم
في مرحلة جديدة من سايكس بيكو.
ففي يونيو الماضي نشرت مجلة التايم الأمريكية
مقالاً بعنوان "نهاية العراق" جاء في نصه
أن المخطط الأمريكي للعراق تقسيمها إلى ثلاث دويلات سنية وكردية وشيعية. ما ورد في
مقال التايم جاء تذكيرا بمشروع هنري كيسنجر الذي قدمه عام 1973م، وكان هدفه تقسيم
جميع الدول العربية وفق أسس طائفية. وكانت الطريقة الوحيدة للتقسيم بأقل التكاليف
صناعة الحروب الطائفية و إذكائها وهو ما بدأته واشنطن منذ احتلال العراق. ونذكر
أيضا بما ورد على لسان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فقبل تقلده
منصبه كنائب للرئيس طرح عام 2008 مشروع تقسيم العراق، وحاز المقترح على موافقة الكونغرس
حينها.
تدعم واشنطن دولة كردية علمانية في الشمال
تكون حليفة للكيان الصهيوني، وكانت طوال الحرب الأمريكية على العراق مركزا لعمليات
الموساد الصهيوني في العراق.. ودولة شيعية يؤسس لها الجنرال الإيراني قاسم سليماني
من خلال تدريب المليشيات الشيعية العراقية وتجنيس الآلاف من الإيرانيين في العراق،
وتسليمهم المناصب الهامة في الدولة و تمكينهم من اقتصاد الدولة وجميع إيراداتها.. وكذلك
إقليم سني مهمش بعيد عن مراكز الثروة وسط البلاد، و منقسم ما بين الصحوات المدعومة
من واشنطن والجماعات الجهادية أمثال القاعدة وغيرها، و كذلك ثوار العشائر الساعين
لإعادة مجد العراق الضائع، وذلك بهدف إبقاء أهل السنة متناحرين فيما بينهم.
للاستيضاح أكثر عن التحالف الأمريكي الإيراني
في العراق تحدثنا مع الناشط العراقي المقيم في بلجيكا محمد الكعبي، وكان حديثه
ينصب على طموح إيران في إحياء الدولة الفارسية.
وعلى حد وصفه فإن الصراع الديني في العراق ما هو إلا وسيلة قليلة التكلفة
لتحقيق طموح جامح لدى إيران باسترجاع أمجاد الفرس، والثأر من العرب، مستغلة بذلك
جهل الجهلاء.
و عن تقييمه للحالة السياسية الراهنة
التي تمر بها العراق في ظل تعيين حيدر العبادي رئيسا للوزراء، قال الكعبي" إن
العبادي لا يختلف من حيث الدور عن نوري المالكي وقد تم تعيين بموافقة أمريكية
إيرانية مشتركة لتحقيق طموح وهو تقسيم العراق، ولكن الفارق بينه وبين المالكي فقط
أن المرحلة السياسية تختلف، المالكي جاء لإذكاء الصراع الطائفي بين السنة و الشيعة
ومساعدة إيران في سرقة ثروات العراق النفطية، أما العبادي فدوره مرهون فقط بتقسيم
العراق وإن لم يلتزم بذلك فسيتم إقالته".
وكونه قريب من صناع القرار في الاتحاد
الأوروبي، ولديه علاقات وصلات ببعضهم، سألناه عن موقف الإتحاد الأوروبي من اللعبة
الأمريكية في العراق، فأكد الكعبي أن موقف الأوربيين يتناغم مع الموقف الأمريكي
فهم فقط يركزون على محاربة " الإرهاب".
واتهم الناشط العراقي الحكومات العراقية
المتعاقبة منذ الغزو الأمريكي للعراق بإهدار مئات
المليارات من الدولارات، غالبيتها أنفقت على تجنيد مليشيات طائفية تخدم المشروع
الإيراني في العراق. بالإضافة إلى شحنات من النفط التي تباع في السوق السوداء وتوضع
إيراداتها في جيوب مافيات تحارب الشعب العراقي بإشراف إيراني.
وتقدر البيانات الحكومية العراقية
أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ العام الماضي
نحو 127 بليون دولار، لكن الانتاج النفطي يشكل ما لا يقل عن 80% منه، أي أن الناتج
المحلي الإجمالي خارج القطاع النفطي لا يزيد على 26 مليار دولار، وهو رقم يكشف الواقع
المتردي للاقتصاد. واتهمت الصحافة الأمريكية قوات الإحتلال الأمريكي بإهدار 700
مليار دولار من عائدات النفط العراقي من خلال وضع مسؤولين فاسدين للتصرف بهذه
الإيرادات.
من جانبه،
يرى الإعلامي العراقي ورئيس حركة تحرير الجنوب عوض العبدان، أن مساعي واشنطن وإيران
في تقسيم العراق ستنجح في حال التزام النظام العربي الرسمي الصمت إزائها، مضيفا
بأن احتلال صنعاء و احتلال بيروت عبر حزب الله و كذلك دمشق عبر النظام السوري ماهي
إلا خطوات ضمن الزحف الفارسي باتجاه منطقة الخليج العربي. وأشار إلى أن دور جماعة
الحوثي في اليمن سيكون مرادفا لدور حزب الله في لبنان، وستحاول إيران استغلاله في
استنزاف ثروات اليمن وإمكانات الدولة في دعم مشروعها للسيطرة على منطقة الخليج.
وفي معرض تعقيبه على الحرب الدائرة على
تنظيم"داعش" قال العبدان، إن
"داعش"صنيعة أمريكية إيرانية هدفها القضاء على ثورة أبناء السنة في
العراق و الشام، بعد أن حققت انتصارات واسعة على الأرض، معربا عن خيبة أمله من
الأداء السياسي العربي و الإسلامي إزاء المشروع الإيراني.
أما بخصوص الموقف التركي،
فإن السياسي العراقي المقيم في المهجر يرى أن تركيا لا تريد المجازفة وإقحام نفسها
في المعركة الدائرة لأنها في جميع الأحوال ستخسر، لذلك تحاول دائما "إمساك
العصا من المنتصف".
وفي إطار تفسير تبعات و آثار الحملة العسكرية
التي تقودها واشنطن على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" فإن
الأمور تتجه إلى توافق إيراني أمريكي للإبقاء على حالة الاشتباك بين النظام السوري
والجماعات المقاتلة في سوريا، لأن ذلك يصب في صالح ترسيخ عملية التقسيم في سوريا والعراق،
بالإضافة إلى جعل المنطقة، ميدان معركة لاستنزاف قوة الجماعات الجهادية في منطقة
الشرق الأوسط، فبعد أن فشلت واشنطن في تصفية القاعدة في أفغانستان يبدو أنها تسعى
لنقل المعركة إلى سوريا والعراق، ومن تصريحات الساسة في الإدارة الأمريكية فإن
المعركة ستكون طويلة بهدف ترويض الوضع ديموغرافياً وجغرافياً لصالح الخارطة
الجديدة لسوريا والعراق، والغاية من ذلك توفير بيئة آمنة في النطاق الجغرافي
المحيط بالكيان الصهيوني.
كما أنه لا يستبعد أن يتم استدراج تركيا
لمعركة هدفها إرباك حالة الاستقرار القائمة داخليا، وتحجيم دورها البارز على صعيد
السياسة الخارجية، وقد أظهرت تركيا خلال السنوات الماضية مواقف مخالفة للخطوط
العريضة التي تضعها واشنطن في المنطقة.