فتوى الجهاد الكفائي انقاذ لحكم ولاية الفقيه في العراق
لا يختلف اثنان أن فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع
الشيعي السيستاني في شهر يونيو الماضي، كانت بعد أن عجزت ولاية الفقيه المتمثلة
بالحكومة الطائفية عن التصدي لأهل السنة الذين ادركوا ان الحقوق نؤخذ ولا تعطى.
فمنذ الاجتياح الأميركي للعراق سنة 2003 نتجت حالة من الاصطفاف
الطائفي والمناطقي يمكن وصفها بالقنبلة الموقوتة التي تهدد النسيج الاجتماعي
العراقي، وتنذر بتقطيع أوصال البلد الذي عرف على مرّ العصور بفسيفساء متجانسة
من الأديان والطوائف والأعراق..
وبعد
سقوط مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بيد مجموعات مسلحة لا تعترف بسلطة الحكومة
المركزية في بغداد، وما تبع ذلك من فقدان الحكومة لسيطرتها على مناطق أخرى في وسط
وشمال العراق، انقسم رأي الشارع العراقي انقساما حادا.
وبرز
الانقسام على شكل فريقين رئيسين، الأول تبني رفع السلاح ضد الحكومة الطائفية لتحقيق مطالبه المشروعة والمتمثلة برفع الغبن عن
العرب السنة العراقيين، أما الفريق الثاني وهو الموالي لحكومة ولاية الفقيه
الذي تقوده أحزاب سياسية شيعية فقد لبى نداء المرجعية الدينية الشيعية في النجف،
واستجاب لفتوى السيستاني الذي دعا لما يسمى بـ"الجهاد الكفائي"
والذي أصبح في الواقع مبررا للمزيد من قتل المليشيات الشيعية لاهل السنة.
بدأ
اهل السنة المطالبة بحقوقهم باعتصام في المحافظات الست المنتفضة واستمر لمده سنة
كاملة دون أي استجابة من الحكومة، بل إن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لم يتورع عن استخدام قوة السلاح
لفض الاعتصام, والذي فجر موجة من الكفاح المسلح لاهل السنة في العراق ضد حكومة
المالكي.
ومما
زاد الطين بلة استعانة الحكومة الطائفية بمليشيات تابعة لأحزابها لملاحقة واعتقال
المعتصمين، ونتج عن التدخل العسكري الحكومي مقتل عشرات المتظاهرين، وردّت الحكومة
على اتهام المعتصمين بقتل زملائهم، باتهامهم بالإرهاب والخيانة وغيرها من العبارات
التي ازكمت انوف العراقيين.
هذه
العوامل المستجدة وعوامل تراكمت على مدى السنين الماضية دفعت أعدادا كبيرة من اهل
السنة للمطالبة بحقوقهم المشروعة إلى رفع السلاح بوجه الحكومة الطائفية ذات
التبعية الايرانية، ثم تكوين مجالس عسكرية للثوار المطالبين بالتغيير بالسلاح بعد
ان عجزت عن نيل حقوقهم بطريقة سلمية لمدة سنة كاملة.
وعلى
هذا الأساس بات الكثير من المراقبين للشأن العراقي يخشون من أن يتحول العراق إلى
دويلات نتيجة الاختلاف الجوهري بين الفريقين الذين يكوّنان أكبر وأهم كتلتين في
المجتمع العراقي.
إلا
أنه رغم الانقسام في الرأي بين السنة والشيعة، فقد برزت قوى شيعية تمردت على رؤى مرجعية السيستاني ورأت أن
الاصطفاف وراء المراجع الدينية سوف يؤدي إلى انهيار البلد، ومن هنا برزت دعوة رجل
الدين الشيعي محمود الحسني الصرخي لمواجهة الحكومة.
وفتوى
"الجهاد الكفائي" التي أصدرها السيستاني قد لاقت في البداية استجابة من
أعداد كبيرة من المتطوعين الشيعة في جنوب العراق، واستحدثت الحكومة في وقتها
مديرية باسم الحشد الشعبي مرتبطة بوزير الأمن الوطني فالح الفياض للإشراف عليها
إداريا.
وأعلنت
الحكومة الطائفية أن أعداد المتطوعين بلغت
أكثر من "ثلاثة ملايين شخص" – حسب ادعائها- وتمَّ زجهم في معسكرات التدريب في منطقة التاجي
شمالي بغداد ومحافظة ديالى وبابل.
إلا
أن القوات العسكرية الطائفية ومليشيا الحشد الشعبي فشلت في تحقيق مكاسب على الأرض
وتكبدت خسائر في الأرواح والمعدات في مناطق القتال وأدى إلى انحسار أعداد
المتطوعين.
وقال
أحد المتطوعين لمليشيا الحشد الشعبي والذي عرّف نفسه باسم "عبد الرضا"
ويبلغ من العمر 23 عاما، "لقد زجوا بنا في معسكرات بمعسكر التاجي وواجهنا
صعوبة في الحصول على الطعام والماء البارد. وبعد مرور شهر على التدريب لم
نتسلم الراتب الشهري المقرر بـ750 ألف دينار عراقي، فاضطررنا إلى ترك معسكرات
التدريب والعودة إلى منازلنا".
من
جهة أخرى نشطت بعض المليشيات الشيعية التابعة لجهات موالية للحكومة الطائفية في
الأشهر الأخيرة ومنها "مليشيا العصائب" التابعة لقيس الخزعلي,
"ومليشيا بدر" التابعة لهادي العامري وزير النقل في حكومة المالكي,
و"مليشيا جيش المهدي" التابعة لمقتدى الصدر, و"مليشيا السلام"
التابعة للتيار الصدري ايضا، ووردت تقارير ومعلومات صحفية وحقوقية عن ارتكاب تلك
المليشيات مجازر بحق اهل السنة وكان آخرها مجزرة ديالى يوم الجمعة 23 من هذا الشهر
بدوافع طائفية.
وقد
أصدرت منظمة هيومان رايتسووتش الحقوقية الأميركية عدة تقارير تحدثت عن أرتكاب
مجازر طائفية ارتكبتها المليشيات الشيعية بحق اهل السنة في العراق. ففي 12 تموز اكدت
المنظمة ان السلطات العراقية والمليشيات الموالية لها قتلت 255 معتقلا عراقيا
ينتمون إلى اهل السنة.
ويحمّل
الناشط المدني في محافظة ذي قار علاء جعفر القادة السياسيين والجهات الرسمية
العراقية مسؤولية تحشيد أهالي الجنوب (غالبية شيعية) ضد أبناء المناطق الغربية (أهل
السنة)، معربا عن اعتقاده بأن خطورة ذلك تتمثل في التمهيد لتقسيم العراق.وقال :"إن
إثارة الدوافع والانفعالات المذهبية من جهات دينية ورسمية وسياسية ستكرس الكراهية
ثم الرغبة في الانفصال وتقسيم العراق إلى دويلات صغيرة، علما بأن العشيرة كوحدة
اجتماعية تعد عامل توحيد، على الرغم من تباين انتماءات أبناء العشيرة
الواحدة المذهبية"، موضحا أن الصراع الدائر في العراق، الذي وصل إلى حمل
السلاح، أخذ طابعا مناطقيا بمزاعم الدفاع عن المذهب، بتشجيع من جهات رسمية.
من
جهته دعا الإعلامي فاضل النشمي إلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني لتنظيم
حملة واسعة للحفاظ على السلم الأهلي، وقال "إن اضطراب الأوضاع في العراق وعجز
الأجهزة الأمنية عن أداء واجباتها، منح الخارجين على القانون فرصة ارتكاب جرائم
تندرج ضمن ما يعرف بالقتل على الهوية والتهجير القسري، وحينما ينشغل السياسيون
بمفاوضات تشكيل الحكومة لا بد أن تأخذ منظمات المجتمع المدني دورها بالضغط
على أصحاب القرار لحفظ أمن المواطنين وممتلكاتهم".
ومن
الجدير بالذكر أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والذي نمت المليشيات الشيعية
في حقبتية الماضيتين قد فشل في البقاء في
السلطة لولاية ثالثة، وظل متمسكا بالسلطة ومتشبثا بها لأسابيع حتى حسم التحالف
الوطني الشيعي اختيار زميله في حزب الدعوة الحاكم حيدر العبادي ليكون رئيسا للوزراء للفترة
القادمة.