• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اسكتلندا وتبعات الانفصال على أوروبا

اسكتلندا وتبعات الانفصال على أوروبا


 

الشعب الاسكتلندي عبارة عن مزيج من أعراق أوروبية مختلفة يبلغ تعداده  5.116 ملايين نسمة، يعيش على مساحة من الأرض تغطي ثلث مساحة بريطانيا تبلغ مساحتها 78 ألف كم مربع، وتحدها جنوباً إنجلترا ويحدها شرقاً بحر الشمال وغرباً المحيط الأطلسي. عاصمتها أدنبرة، وأهم مدنها وأكبرها مدينة غلاسكو.

يعتنق 54 بالمائة من الشعب الإسكتلندي المسيحية البروتيستانتية بينما يعتبر 37 بالمائة أنفسهم بلا دين، وتتمتع الكنيسة بالاستقلال عن الدولة، وبعضوية 12% من السكان. وتقدر نسبة الكاثوليك بــ19 بالمائة من السكان فيما يعد الإسلام أكبر ديانة بعد المسيحية حيث يبلغ عدد المسلمين حوالي 40 ألف مسلم من أصل قرابة خمسة ملايين مواطن إسكتلندي.

مرت اسكتلندا قبل انضمامها لبريطانيا العظمى بمراحل توتر شديدة، تخللها معارك وحروب بين الطرفين حتى 1 مايو 1707 حين تم إقرار قانون الوحدة لعام 1707 والذي اتحدت بموجبه مملكتي إنجلترا وإسكتلندا في ما يعرف اليوم بمملكة بريطانيا العظمى.

فقد توجهت مطامع ملوك إنجلترا إلى إسكتلندا منذ ما قبل الإتحاد، بل إن بعضهم نجح في فترات من القرن الثاني عشر الميلادي في جعل مملكة إسكتلندا تابعة لهم. فقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن الثالث عشر الميلادي، وكل سنوات القرن الرابع عشر، محاولات ملوك إنجلترا فرض سيطرتهم على إسكتلندا، وبالمقابل ثورات الإسكتلنديين تحت قيادة زعمائهم المحليين للخلاص من الإحتلال الإنجليزي. وقد تحقق لأهل إسكتلندا ما أرادوا، إذ اعترف الإنجليز باستقلالهم في عام 1328 بعد حروب طاحنة.

وباستقلال إسكتلندا، بدأت فترة حكم عائلة ستيوارت الأولى في الفترة (1371 ـ 1488م).  وحاليا  تعد إسكتلندا تابعة للملكة اليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة منذ توليها الملك سنة 1952.  وفي 2007، تمكن الحزب الوطني الاسكتلندي الذي فاز بالانتخابات التشريعية من تشكيل أول حكومة مستقلة في تاريخ هذا البلد تحت الحكم البريطاني، فيما عزز قوته في عام 2011 حيث فاز ب69 مقعدا من أصل 129 في برلمان إسكتلندا المحلي.

وبالرغم من أن إسكتلندا تتمتع بحكم ذاتي ولها برلمان خاص بها، إلا أن البرلمان البريطاني يحتفظ بالقدرة على الإصلاح، والتغيير، تمديد أو إلغاء نظام الحكم في اسكتلندا، ويمكن القول أن البرلمان الاسكتلندي ليس ذا سيادة مطلقة.

تبعات الإنفصال

في تقرير نشرته الديلي ميل البريطانية كشفت فيه عن تداعيات انفصال اسكتلندا عن بريطانيا و أهمها الشق الإقتصادي، ذكرت أن مؤسسة كروس بوردر كابيتال بينت أن قرابة 17 مليار جنيه سحبت من الأسهم البريطانية والسندات والأصول الأخرى الشهر الماضي بسبب تداعيات الإنفصال الإسكتلندي.

كما رجح التقرير أن يقدم الكثير من المستثمرين الأجانب على سحب أموالهم مع ترجيح تهاوي العملة البريطانية- الاسترليني- بأكثر من 15% في حال تصويت اسكتلندا على الانفصال عن بريطانيا. بينما حذر بنك نامورا الياباني مستثمري بلاده لضرورة سحب أموالهم مع احتمال تعرض الاقتصاد البريطاني لصدمة قوية الفترة المقبلة.

وفي مقالة نشرها موقع "العربي الجديد" ومقره لندن، أكد أن أهم مخاطر تواجه بريطانيا في حال انفصال اسكتلندا تتمثل في انخفاض قيمة الاستثمارات الخارجية في بريطانيا، و انسحاب البنوك متعددة الجنسيات من حي المال البريطاني، بالإضافة إلى احتمال كبير لخفض التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا.

وفي سياق ما سبق فإن الخطر الحقيقي الذي سيفقد بريطانيا نسبة كبيرة من مواردها، هو إصرار إسكتلندا على الاحتفاظ بموارد النفط ورفضها تحمّل حصة من الدين العام البريطاني الذي يقارب تريليون دولار.

 

وبالرغم من وجود خلافات كبيرة بين الطرفين حول ملكية حقول النفط في بحر الشمال، ووجود قواعد دولية تفصل في مثل هذه القضايا إلا أنه في حال التصويت بــ"نعم" على الانفصال من قبل الاسكتلنديين فإن 90 بالمائة من احتياطات النفط ستؤول إلى اسكتلندا بحكم موقعها الجغرافي.

وتُقدَّر احتياطات بحر الشمال من النفط بكميات تتراوح بين 15 إلى 24 مليار برميل. كما تقدر احتياطات الغاز الطبيعي بحوالى 198 مليار متر مكعب. ويرى كبير خبراء النفط، أستاذ البترول في جامعة أبردين، اليكس كيمب، أن احتياطات بحر الشمال أكبر بكثير من هذه الكميات، وأنها ستواصل الإسهام في الاقتصاد الاسكتلندي حتى عام 2060 على الأقل.

وفي حال نجح الإستكتلنديين في انتزاع استقلالهم فإنه أماهم مرحلة شاقة متعلقة في حل بعض المشاكل الاقتصادية مثل العملة و الشراكة مع الإتحاد الأوروبي و الانفصال عن المؤسسات العامة في بريطانيا، ولعل أهمها مستقبل الجنيه الإسترليني، علاوة على نفقات الدفاع والرعاية والصحية، وهي أمور كانت لندن تصر على أن تبقى إدارتها مركزية.

وتقول الحكومة الاسكتلندية حاليا إن التاريخ المحدد لإتمام الانفصال هو 24 مارس 2016، على أن تجرى الانتخابات في مايو من العام نفسه لاختيار برلمان وحكومة جديدة.إلا أن هذا الوضع قد يتغير أيضا، فربما يختار الاسكتلنديون ملكا جديدا، ما يؤدي إلى إعلان مملكة مستقلة أيضا عن التاج البريطاني. ويجب أن لا ننسى أن تبعات الانفصال على بريطانيا من الناحية الاقتصادية ستكون قاسية مثل زيادة نسبة البطالة و حجم الديون مع فقدان المزيد من الموارد التي ستؤثر تلقائيا على موازناتها التعليمية و الصحية و الدفاعية.

أصداء الانفصال في أوروبا

إن انفصال اسكتلندا قد يحرك المياه الراكدة في أوروبا، و هذا ما استدعى رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي لإطلاق تصريحات مؤخرا تحذر من الإنفصال، فقد أكد أن انفصال الأقاليم عن دول الاتحاد الأوروبي مثل اسكتلندا عن المملكة المتحدة أو كاتالونيا عن إسبانيا، سيجعل منها أطرافاً ثالثة تقع خارج نطاق الاتحاد ويجردها من حقوقها ومزاياها الأوروبية، وستكون فرصتها ضئيلة للانضمام لاحقاً إلى الاتحاد.

وأضاف أمام برلمان بلاده : "هذه الإجراءات هي طوربيد في وجهة سير روح الاتحاد الأوروبي لأن الاتحاد ولد من أجل دمج الدول وليس تجزئتها. وهذا هو المطلب اليوم: الدمج وليس التفتيت. نحتاج لدول قوية وللاتحاد لمواجهة التحديات العالمية".

وكانت الحكومة المحلية الكاتالونية قد دعت لإجراء استفتاء في التاسع من نوفمبر المقبل، لكن الحكومة الإسبانية تراه غير قانوني. وعلى خلاف لندن فإن مدريد وضعت لنفسها دستور تحتكم إليه و يمنع الكتلونيين من التصويت على الاستفتاء و اعتبرت أي استفتاء بهذا الصدد غير قانوني.

هذه الحلقة التي بدأتها اسكتلندا إذا نجحت ستفتح الباب أمام خلخلة الإستقرار في أوروبا بأسرها، سواء في بلجيكا التي ينخرها الخلاف بين الفلامنديين والفرنكوفونيين، وإيطاليا التي تعاني من حركات الانفصال في مقاطعة فينيتو أو سردينيا أو تيرول الجنوبية،أو حتى أوروبا الوسطى التي تتوزع في أنحائها أقليات هنغارية. وموسكو  التي تدعم استقلال شرق أوكرانيا.

وتقول صحيفة لوفيغارو الفرنسية بلسان حالها الأوروبي، " لا يبقى أمامنا سوى الأمل بأن يحول الاسكتلنديون دون بلقنة أوروبا، و يصوتوا برفض الانفصال لوقف حركة قد تطيح باستقرار أوروبا". 

 

أعلى