• - الموافق2024/11/29م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كلهم ينشدك أيها القدوة..

كلهم ينشدك أيها القدوة..

 

عرفتم لماذا القدوة؟

يسير الإنسان في هذه الحياة منذ نعومة أظفاره وحتى ارتقاء روحه إلى باريها، يتحرى طريق الهداية، ويبحث أسباب النجاة، ويلتقي في حياته خلقاً كثيراً، فيتعلم من هذا خُلُقاً، ويكتسب من ذاك مهارة، ويأخذ من آخر معرفة، ثم يتفرقون وتذهب ذكراهم معهم، غير أن هناك أناس لا ننساهم مع تقادم السنين، ولا يغادرون ذاكرتنا مهما أبعدتهم عنا دروب الحياة، فقبل أن تتكلم الكلمة تذْكرهم، وعندما تريد التقدم خطوة تتلمس الطريق التي كانوا يدخلونها؛ لأن شخصيتك من نسج أفكارهم، فالإنسان مجموعة من التأثيرات المتراكمة التي أحدثها مجموع من حوله في نفسه، فهم يمثلون لك قدوة إيجابية أو سلبية، فالقدوة بمفهومها الواسع هي اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة، أما الأسوة فهي التي تكون في الخير دون الشر، وفي الحسن دون القبيح، ولهذا قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21].

إن وسائل التربية القديمة والحديثة مهما تعددت وتنوعت، فهي عاجزة عن استثناء القدوة من الوسائل الحيوية المؤثرة في العملية التربوية؛ لأنها تقرب الصورة النظرية، وترسل أنموذجاً عملياً يبرهن إمكانية الوصول للكلام الذي تُنظر له، ولهذا فإن سورة الفاتحة التي يرددها المصلي في كل ركعة أكدت على غاية مهمة للعبادة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وحتى لا تتشتت العقول في السير على هذا السراط ساق لها قدوات إيجابية {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وأخرى سلبية {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، فالنفس مجبولة بطبعها على مجاراة الآخرين، وحب السير في الطريق المأهول بالمارين، ويمكن لك إدراك سر تحمل ابن آدم الأول كفلاً من وزر كل من يقتل إلى قيام الساعة، كما جاء في الحديث: " لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ "، أول من سن القتل، علَّة لا تدع مجالاً للشك على أهمية القدوة في صناعة السلوك المجتمعي، فالأخيار يشجعون الناس على فعل الخير وإن لم ينطقوا، ففعلهم يهتف قائلاً: ما أفعله ممكن وقابل للتطبيق، وبإمكانك مجاراتي فيه، والأشرار بفعلهم يهونون من شأن الجريمة، ويقترحون  وسائل تعين على الزيغ، ولهذا توعدهم الله بمزيد زجرٍ عندما قال: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } .

موجودون لكنهم قلة:

لقد تعاظمت حاجتنا في هذا الزمان إلى القدوات، وخاصة بعدما لاحت أسماء براقة أصبحت محط قدوة لدى الشباب، صنعتهم أدوات الإعلام من المسلسلات والأفلام والمباريات والغناء، وجعلت منهم مصدر إلهام للجيل في أشكالهم وألفاظهم واهتماماتهم، فقتلوا النخوة والقيم والأخلاق الفاضلة في النفوس، فهل مات القدوات الأخيار حتى يُتخذ النواقص طليعة ودليلاً؟ لماذا غابت شمسهم بعد إشراق؟

أعتقد أنهم موجودون لكنهم قلة.

قلة؛ لأن ثمن التربع على عرش القدوة باهض لا يستطيع دفعه فقراء الإيمان والعزيمة والمجاهدة والتضحية.

قلة؛ لأننا بالغنا في القدوات فأردناهم أن يكونوا ملائكة، لكنهم لمَّا ظهروا بصورة البشر الذين يصيبون ويخطئون صُدمنا بذلك، فأسقطناهم.

قلة؛ لأننا رأيناهم أبدعوا في جانب من الحياة، فظنناهم سوبر مان في كل شيء، حتى أغريناهم في اقتحام ميادين ليست من شأنهم، ففشلوا فيها.

قلة؛ لأننا ارتضيناهم قدوات، ثم إذا بنا نريد الإملاء عليهم، ليسيروا وفق ما نحب لا وفق ما ينبغي، فنزعنا الثقة عنهم، وجزمنا بصحة أقوالنا المتوهمة وخطأنا اجتهاداتهم، وأردناهم أتباعاً لا أئمة.

زمن الوصفات السحرية خيال:

ابحث لك عن قدوة تحبها وترتضيها وتثق بها، فإن لم تجد قدوة شاملة في كل الميادين –وأظنك لن تجدها- فاتخذ لك في كل ميدان قدوة، فمن اعجبتك همته في العبادة اقتدِ به في ذلك، وإن لم ترتضِ غلظته في التعامل، ومن سحرك حسن أخلاقه فتشبه به في ذل،ك وإن قل علمه، من غير أن تكون نسخة عنه في كل شيء، فاقتداؤك بالآخرين ليس معناه تخليك عن نفسك، فإن طال بحثك عن القدوة ولم تجدها، فاصنع من نفسك قدوة، وأحشدُ لك هنا بعض الخطوات التي أحسب أنها تعين على ذلك:

أولاً: انحر ينحروا، وقدم قبل القول فعلاً؛ حتى لا تكن ممن قال الله فيهم: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، فكن أنت الأنموذج العملي لما تدعو إليه، فقد قال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه بفعله كان هادياً"، فالناس تريد من يقرب لهم الصورة، لا من يعجزهم بنظرية بينها وبين الممكن بعد المشرقين، وقد يصح ما قالوه أحياناً: فعل رجل في ألف رجلٍ، أبلغ من قول ألف في رجل.

ثانياً: ادفع الثمن، فالمثالية، والتميز، ورفعة الدرجات، تنال باجتهاد وتعب وترفع عن الصغائر والهفوات، فالناس تنظر للقدوة بمنظار دقيق، وحسنات الفجار قد تكون سيئات إن وقعت منك، واعلم أن الإمام في الصلاة عليه سجود سهو إن غفل، بينما سهو المأموم لا يلزمه، لذا جانب خوارم المروءة، وما يعده الناس فظيعاً وإن كان مباحاً، فعرف الناس معتبر، وقد قال الشافعي: والله لو علمت أن الماء البارد يثلم من مروءتي شيئاً ما شربته إلا حاراً.

ثالثاً: تعرف على ميدانك، وحافظ على نفسك من الذوبان، ولا تجعل فعلك يكون لأجلهم على حساب نفسك، فلك ميدان تتميز فيه قد يكون مختلفاً عن ميدان من تتخذهم قدوة في أثناء صناعتك لنفسك، فثوبهم لا يناسبك، لذا تعرف على متطلبات الطريق التي سلكتها.

رابعاً: عش في حدود إمكاناتك، ولا تتغول على ميادين ليست لك، واعلم أنه ليس من الضروري لأجل أن تكون قدوة أن تجيب على كل سؤال، أو تضع نهاية لكل إشكالية.

خامساً وأخيراً: كن إماماً سابقاً، فالمبادرة في اكتشاف الطريق تعطيك مزية، وقد قالوا: إذا كنت إمامي فكن أمامي، فصناعة المواقف والأحداث الكبيرة لا تنتظر من يحركك فيها، بل تكون من تلقاء نفسك.

أعلى