• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اليمن.. بين نيران صالح و طموحات الثورة

اليمن.. بين نيران صالح و طموحات الثورة


 تشهد اليمن مؤخراً حالة من انعدام الاستقرار السياسي في الجملة، وتعالج وضعاً متردياً وفشلاً ذريعاً في قيام مؤسساتها العليا وأجهزتها الرئيسية بمهام وأولويات الدولة البسيطة، في توفير أبسط مقومات العيش الكريم لمواطنيها، ناهيك عن تحقيق تطلّعات الحالمين بجني ثمار الثورة، حيث أن الثورات لاتقوم إلا لتغيير واقع مُرّ يفتقد للعدل والنزاهة، بآخر أفضل منه استيفاءاً لـ سُبل ومتطلبات العيش الكريم التي لم تك موجودة في العهد المُثار عليه. وعُرف اليمن في معظم مراحل العمل الوطني بعد ثورة 26 سبتمبر حالة عدم استقرار سياسي انعكس على الحياة الدستورية والحياة التنموية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، وأثّرت تلك الحالة سلباً على أعظم هدف أرادت الحركة الوطنية تحقيقه ألا وهو تأكيد ذاتية الإنسان اليمني وتمتّعه بحقوقه وتأصيل حقه في المشاركة السياسية الفاعلة بعد أن كانت حقوقه مهدورة في كل جوانب الحياة التي كان عليها نظام الحكم الإمامي ( 1904ـ1962م ) . وتعرّضت الثورة الشبابية الشعبية السلمية، التي انطلقت شرارتها الأولى في الحادي عشر من فبراير/شباط 2011م بمثل ماتعرضت له سابقاتها من العراقيل والمعوقات، وقد مرّت الأشهر الأولى من السنة في الذكرى الرابعة على قيام الثورة الشعبية السلمية، فيما يقابلها على أرض الواقع بطء في إنجاز حُلم الدولة المدنية الحديثة التي نهض لأجلها الشباب بهمة عالية، وقدموا لأجلها أرواحهم رخيصة في سبيل الحرية والكرامة .

 لقد كان الحُلم وسقف المطالب والطموح كبيراً لدى الثوار في اليمن، بيد أن الحمل ربما كان أكبر بكثير منه، بهذه العبارة الموجزة والتوصيف المختزل، يمكننا تلخيص وتقديم الصورة الكاملة عن ما آلت إليه الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن، وهي تتخطى الذكرى الرابعة لانطلاقتها . على الأرض في ميدان الفعل والواقع السياسي المُضطّرب في اليمن لم يتوقف دوران عجلة الزمن، ولكن حركة الإنجاز بطيئة جداً ، لدرجة تكون فيها أحياناً "منعدمة " بالكلية ، وذلك مقارنة بتطلّعات الثوار وحماسهم المتقّد، لتغدو الثورة – بعد مرور ثلاث سنوات ونيف - وكأنها عاجزة عن المضي قدماً في تحقيق الأهداف التي قامت لأجلها، وكأن شيئاً لم يحدث أويكن ! وللوقوف على ما وصل إليه الحال اليوم، ودراسة أسبابه، سيتطلب منا العودة للوراء قليلاً والمرور بإيجاز على أبرز محطات ما بعد الثورة، في سياق الفعل الإداري والسياسي للدولة الجديدة، دولة ما بعد الثورة، فيما نحته من مسالك واتخذته من قرارات وما لم يتخذ منها حتى الآن ، في سبيل تلبية تطلعات الثوّار وتحقيق الحلم اليمني .

محطّات ومسارات وقد مرّت الثورة الشبابية الشعبية السلمية بمنعطفات وتعرجات عدة، إذ أن آثار توجه الشعب اليمني نحو التغيير والقيام بثورة على من يحكمونه والسعي لإسقاطهم قد ألقى بظلاله على واقع حياة الناس ،ودفع لحدوث موجة من التفاعلات وردود الأفعال بين النظام الحاكم والشعب ،وبعد عام على انطلاق الثورة، وتحديداً في 21 فبراير 2012م، أضفت الانتخابات الرئاسية التوافقية وصعود رئيس جديد شعوراً مطمئناً بعض الشيء، للبدء في قطف أولى ثمار الثورة وإنجاز بقية التطلعات . وعند العودة والنظر إلى ماحملته الأشهر الأولى لانتخابه، كان الهّم الأول للرئيس الجديد "عبدربه منصور هادي " هو إثبات قوته وقدرته على اتخاذ القرار، فكان قرار إعادة بسط نفوذ الدولة في المناطق التي تمكن تنظيم القاعدة في الجنوب من التحكم والسيطرة عليها، إبان نشر النظام والرئيس السابق للفوضى في البلاد خلال الأشهر الأولى للثورة، ولكن هذا القرار لم يكن قرراً داخلياً صرفاً، إذ كشف وحمل هذا القرار والتوجه من قبل الرئيس الجديد وحكومة الوفاق في طياته نُذر انصراف الدولة نحو تحقيق مصالح وأجندة خارجية . وبحسب مراقبين وسياسيين، فقد أتى اختيار النائب للرئيس السابق عبدربه منصور هادي والأمين العام للحزب الحاكم ونظامه، للقيام بمهمة الرئيس الانتقالي لمدة عامين كاملين، والإصرار عليه من قبل الدول العشر الراعية لتنفيذ المبادرة الخليجية بهدف تحقيق مصالحها وأجندتها في اليمن وصرف الثورة عن مسارها، وهو الاختيار الذي وقعت فيه ولم تفطن له وتفهم دوافعه قوى التغيير التي وافقت على ترشيحه، إثرقيام اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الاولى مدرع وقائد المنطقة الشمالية الغربية والرجل القوي في اليمن حينها بتزكية هادي لدى القوى السياسة المؤيدة للثورة والقبول به رئيساً للفترة الانتقالية خلفاً للرئيس السابق علي صالح، إذ كانوا ينظرون لهادي بكونه مقبولاً لدى الكل، ولم يكونوا يدركون بأنه يختبئ بداخله شيطان المؤامرة. ومن يقرأ في مسار الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن ويقلّب صفحاتها سيلحظ مفارقة عجيبة وصادمة في نفس الوقت، ونقطة تحوّل فارقة وجوهرية في وجهة مسار الثورة، كون الثّوار خرجوا للساحات وانطلقوا في الميادين في الأصل بهدف القضاء على حكم صالح ونظامه المتمثل بحزب المؤتمر الشعبي العام، ولكن قوى الثورة والتغيير بكل سذاجة أوقعتهم في الفخ وحالت بينهم وتحقيق طموحاتهم بتزكيتها نائب الرئيس السابق هادي خلفاً له، وبهذا ثبتّوا له الحكم ولم يسقطوه، وإنما نقلوه من شخص الرجل إلى حزبه المؤتمر بقيادة نائبه الأول هادي وأمين عام حزبه، وبذلك أحيطت ثورة الشباب في اليمن بقيود ناعمة من خلال المبادرة الخليجية التي تسلّلت منها قوى مناهضة الثورة والتغيير في الداخل والخارج . وتعد ثورة الشباب في اليمن الثورة الوحيدة من بين أخواتها في المنطقة التي لاقت اهتمام اقليمي ودولي منقطع النظير، نظراً لموقع اليمن الجغرافي وكونها بوابة الخليج الجنوبية ،وبسبب تصدّر الإسلاميين للمشهد السياسي في السنوات الأخيرة وتأثيرهم في الوسط الشعبي منذ زمن قصي، فضلاً عن كون التيار الاسلامي في اليمن يمتاز بقيادة سياسية ناضجة وحكيمة أهلّته في أن يلعب دور أساسياً في التأثير على مراكز القوى القبلية والعسكرية في الانضمام إلى صف الثورة وإسقاط النظام الحاكم ، فاستجاب له أغلب القوى الرئيسية في البلاد ، وهذا لم يكن ليروق للقوى المتربصة بهم داخلياً وخارجياً ،خاصة عندما شعرت بكونها البديل والوريث للحكم في اليمن . وقد امتازت الثورة اليمنية من بين ثورات الربيع العربي بسلميتها وعدم القبول بجرها إلى صراع مسلح، كما كان يسعى له رئيس النظام السابق علي صالح ، إذ تغلبت القوى السياسية المؤيدة للثورة وفي مقدمتها التيار الاسلامي على كل المحاولات والضغوط ،وتحمّلوا أعباء الصمود والبقاء في الميادين وساحات الثورة أكثر من عام وهو وقت طويل جداً قياساً بزمن الثورة في كل من مصر، وتونس، ولبيبا وسوريا التي انجر بعضها إلى العمل العسكري والمواجهة المُسلّحة . المبادرة وهادي وعلى مضض تعاطت قوى الثورة مع المبادرة الخليجية التي رفضها الشباب والثوّار في الساحات والميادين، ووضعها قادة الخليج كحل لما سميّ خليجياً بالأزمة السياسية ويمنياً بـ ثورة التغيير، ورحّبت معها القوى السياسية المؤيدة للثورة ،المتمثلة بالأحزاب المنضوية في تكتل اللقاء المشترك المعارض، وكانت خطوة سياسية ذكية لسحب البساط من تحت أقدام علي صالح الذي كان يحاول استفزازهم عسكرياً وجرّهم إلى مربع العنف . ويبدو أن علي صالح كان يدور في مخيلته أن هذه القوى سترفض المبادرة لإيجاد مُبرّر ضرب الساحات الثورية عسكرياً لكون المبادرة الخليجية تم دعمها دولياً من خلال إشراك الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي التي تنظر لليمن كبؤرة تنتج الإرهاب وتستهدف المصالح الحيوية للقوى الكبرى وعلى رأسها دائمة العضوية ،ومصالح دول الخليج التي يهمّها انطفاء وهج الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن، لتلتقي عندها مصالح الدول الكبرى مع دول الجوار في تأمين الملاحة البحرية واليمن، وضمان عدم انتقال الثورة إلى منابع النفط الخليجي . وعلى الرغم من قبول قوى الثورة بالمبادرة الخليجية والتعاطي معها على مضض، فقد ظل صالح يراوغ ويرفض التوقيع على المبادرة التي تنص أولى بنودها على رحيله من الحكم والسلطة، عدا إجراء تعديلاته عليها وتحقيق كامل رغباته في تفسيرها وشرحها، وإثر ذلك فقد تم تكليف الدبلوماسي المغربي جمال بن عمر مبعوثا أممياً من الأمم المتحدة ومشرفاً على تنفيذ المبادرة الخليجية، والتي تضمنت بصيغتها النهائية الموقعة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011م، 12 بنداً، أولها تشكيل حكومة توافقية برئاسة المعارضة تتولى توفير الأجواء المناسبة وإزالة أسباب التوتر، وخلال شهر من تشكيل الحكومة يقر مجلس النواب الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس (السابق) ومن عملوا معه خلال فترة حكمه، وفي اليوم التالي لهذا الإقرار يتنازل الرئيس ( صالح ) لنائبه (هادي) ليصبح الأخير هو الرئيس الشرعي بالإنابة ، ويدعو النائب لانتخابات رئاسية خلال 60 يوماً بموجب الدستور، بعد ذلك " يشكّل الرئيس الجديد لجنة دستورية للإشراف على إعداد دستور جديد"، يتبعه استفتاء، وجدول زمني لانتخابات برلمانية، يعقبها تشكيل حكومة من الحزب الفائز. ومن الملاحظ عقب التوقيع على المبادرة وتعاطي قوى الثورة معها باعتبار ماحدث أزمة سياسية نتيجة القبول بصيغة توافقية أزاحت رأس النظام السابق وحُكمه، ولكنها أبقت على الحزب الذي يرأسه في المشهد السياسي، ولم تخل هذه الصيغة التوافقية من عراقيل قوية ومؤثرة على الأرض، وبرغم أن الثورة اليمنية أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح لكنها دخلت في منعطفات خطرة ومرحلة جديدة تتطّلب خلق الاستقرار والتوافق على أسس الدولة الجديدة . وشكّل مؤتمر الحوار حجز الزاوية للرئيس هادي قبل غيره، ثم ومن بعده تالياً شكل أهمية كبرى لبقية القوى المختلفة، باعتباره نواة الحل التي من خلالها ستحل كافة النزاعات ويفضي إلى تشكل أطر وهيئة الدولة المدنية المنتظرة، ومع كل يوم كان يمضي من الأشهر العشرة للحوار، كان الحلم اليمني يكبر، خصوصاً مع كل إنجاز كان يتحقق داخل أروقة وطاولات الحوار. لكن في المقابل أيضاً ظلت أسس الدولة ومقوماتها، تتراجع إلى الوراء، وشهدت البلاد تدهوراً تراكمياً وكبيراً في معظم مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية بشكل خاص؛ والبنية التحتية تدمر تباعاً جراء التخريب المتكرر والمتواصل؛ والأمن المنفلت، وعنف الجماعات الإرهابية والدينية الطائفية اتخذ منحاً تصاعدياً بشكل غير مسبوق، الذي تم توظيفه من قبل الرئيس السابق وحزبه المؤتمر الشعبي الحاكم الذي عمد إلى منح قيادته وأعضاءه إجازة مفتوحة، وقام بتسليم مقرّاته الحزبية ومؤسساته ووسائل إعلامه لمناهضي خصومه . لقد كان الأمر هنا، بالنسبة لشخص مثل الرئيس هادي، يتعلق بمبدأ آخر من مبادئ التعامل الرئاسي ، مبدأ لا يوجب التسرع في استخدام صلاحياته الرئاسية المفترضة والحاسمة، حفاظاً على مسار التوافق؛ وتكريس مبدأ الصبر والانتظار حتى ينتهي مؤتمر الحوار من حلحلة كافة القضايا العالقة قبل انتهاء الفترة الانتقالية . الفترة الانتقامية وأدى بطأ عملية التحول السياسي في الفترة الانتقالية التي تم التمديد لها وفشل تطبيع الأوضاع الداخلية للبلاد إلى إغراء الرئيس السابق علي صالح والقوى الحليفة له المناهضة لخصومه كـ جماعة الحوثي التي تنتهج العنف في شمال الشمال والقاعدة في الجنوب إلى الوقوف دون إنجاح نقل السلطة في المرحلة الانتقالية، ووقوفه وراء استهداف المنشآت والمصالح العامة، وإمداد جماعات العنف والتخريب بالمال والسلاح، ونشر الفوضى وسلسلة الاغتيالات التي طالت العديد من القادة والضباط والعسكريين، وضلوعه في تفجير وزارة الدفاع وغيره من الأحداث والتفجيرات، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية. وكان التحدي الأكبر أن من كانوا متوافقين بالأمس قبل سقوط الرئيس السابق صالح صاروا الآن يتنافسون بل يتصارعون فيما بينهم، بحيث أصبح هذا التنافس والصراع جزءًا لايتجزء من المشكل السياسي اليمني، ومع مرور الزمن استطاع الرئيس السابق صالح التحكّم في المشهد وتسوية الملعب السياسي مجدداً بتفكيك جبهة قوى الثورة التي أطاحت به من الحكم بإثارة الصراع فيما بينها على السلطة ، والتحالف مع بعضها ضد البعض الآخر. ولذلك لازال الرجل حاضراً في المشهد والبلد بقوة، بفعل ثرواته وأمواله الطائلة التي اكتنزها طيلة حكمه اليمن 33 عاماً، ونتيجة منحه الحصانة من قبل من ثاروا عليه، وشكّلت له الفترة الانتقالية التي حوّلها إلى انتقامية متنفساً لتصفية الحساب مع خصومه، فهو الآن يقف عائقاً أمام تنفيذ المبادرة والتسوية السياسية التي ارتضاها العالم مخرجاً وحلاً أمثل للتغيير، بل لقد جعل كل من ثاروا عليه يقفون اليوم عاجزين عن إتمام اختراعهم الذي أدخلهم في محنة ومعضلة الوفاق والمناصفة معه . وقد غدت المبادرة وإجراءاتها وماتلاها في الجملة عبارة عن عامل مساعد لهضم وتفتيت القوى الثورية وتغييبها عن المشهد واستبدالها بقوى جديدة كماهو عليه الحال مع حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي والفاعل في الساحة والثورة، الذي يستند إلى مراكز قوية في اليمن، والتي من أهمها علاقته بالجنرال علي محسن الأحمر الرجل الذي يتمتع بسلطة وتأثير ونفوذ كبير على مستوى القبيلة والمؤسسة العسكرية والأمنية، إضافة الى علاقة الحزب بكبار مشايخ اليمن وعلى رأسهم مشايخ آل الأحمر، الذين جرى استهدافهم مؤخراً عن طريق دعم الرئيس السابق صالح لخصومهم، وتحالفه مع جماعة الحوثي التي أمدّها بالمال والسلاح والعتاد، ما أتاح لها سرعة الانتشار والتمدّد في الجغرافيا التي كانت خاضعة لسلطة ونفوذ قبيلة حاشد ومشايخ بيت الأحمروحزب الإصلاح في محافظة عمران شمال العاصمة صنعاء، التي لازال الصراع فيها قائماً .

 ** البيان تنشر ملف خاص بعنوان " اليمن بين الأطماع الفارسية والأجندة الأمريكية "

 

 

 

 

أعلى