جنيف (2). الجهود الدولية لتأسيس نظام أمن إقليمي جديد
استجاب الضابط المتقاعد في
القوات الخاصة الروسية "أليكسي
ماليوتا" لإعلان نشرته شركة "موران للخدمات الأمنية" في مدينة سانت
بترسبرغ تطلب فيه رجالاً بخبرات قتالية للقيام بمهمة: "حماية منشآت نفطية في
سوريا" مقابل راتب مجز قدره 5000 دولار في الشهر.
وعلى إثر ملء الاستمارة
استدعي ماليوتا إلى موسكو، حيث أخذ الضابط الروسي في القوات الخاصة "فياشسلاف
كلاشنكوف" جواز سفره وحجز له تذكرة للقيام برحلته الأخيرة إلى بيروت، وتم
نقله مع عشرة من زملائه براً إلى دمشق تحت حراسة مشددة.
ووفق صحيفة
"فونتانكا" الروسية؛ فإن هذه المجموعة لم تعلم بحقيقة المهمة التي أرسلت
إليها إلا عندما وصلت إلى قاعدة عسكرية محاطة بأسلاك شائكة بالقرب من اللاذقية،
حيث تم تجميع 267 مقاتل روسي من الضباط المتقاعدين وأصحاب السوابق كدفعة أولى من
تشكيلة قوامها ألفا مقاتل أطلق عليها "الكتيبة السلافية" للمشاركة في
مهام قتالية لصالح النظام السوري، إلا أنهم فوجئوا بتدهور الأوضاع وضعف التجهيزات؛
حيث سلمهم السوريون بنادق صدئة، وقاذفات صواريخ محمولة على الكتف يعود تاريخها إلى
عام 1943، وأربع دبابات (ت72) لم يتمكنوا من تشغيل اثنتان منها، وعربة (بي إم بي)
من طراز 1979.
وعقدت الدهشة ألسنتهم عندما
سلمهم قائد المعسكر علماً سورياً وصورة كبيرة لبشار أسد وكلفهم بالمشاركة في عملية
استعادة منشأة نفطية بدير الزور، فرفضوا ذلك متعذرين بأنهم قد تعاقدوا مع شركة
"موران" للقيام بأعمال الحراسات وليس للمشاركة في عمليات قتالية، لكنهم
أذعنوا في نهاية الأمر لعدم توفر البدائل لديهم بعد حجز جوازات سفرهم واستحالة
فرارهم في تلك المناطق الخطرة.
وفي أثناء الطريق لتنفيذ العملية
المشؤومة؛ داهمتهم قوة من المعارضة، فاتخذوا مواقع دفاعية واشتبكوا مع
"المجاهدين" أربع ساعات متواصلة، قتل فيها ماليوتا وزميل له وجرح أربعة
آخرون، في حين فشل طيران النظام في فتح ممر آمن لهم، ولم يتمكنوا من الفرار إلا
عندما هبت عاصفة رملية أتاحت لهم مجال الانسحاب إلى قاعدتهم حيث سلموا أسلحتهم
رافضين المشاركة في أي عملية أخرى.
وعلى إثر اندلاع الخلاف بين
المقاتلين وقائد المعسكر تم ترتيب رحلة للمجموعة إلى موسكو حيث أدلوا بشهادتهم
لصحيفة "فونتانكا" وعبروا عن سخطهم من طريقة نقل خبر مقتل زميليهم في
أرض المعركة؛ إذ أعلنت مصادر المعارضة عن: "مقتل اثنين من المرتزقة الروس في
عملية ضد النظام بالقرب من السخنة"، في حين تحدث الإعلام الرسمي السوري -دون
خجل- عن: "قيام قواتنا الباسلة بتنفيذ عملية ناجحة ضد العصابات الإرهابية في
منطقة السخنة وقتل إرهابيين اثنين من المقاتلين الشيشان"!
تمثل هذه القصة نموذجاً من
معاناة عناصر ميليشيات المرتزقة من الروس والإيرانيين واللبنانيين والعراقيين
الذين يقاتلون إلى جانب النظام في سوريا؛ فقد تحدثت مجلة "كريستيان ساينس
مونيتور" عن انكشاف مقاتلي "حزب الله" إثر انسحاب مفاجئ لقوات
النظام من منطقة القلمون مما أدى إلى تكبد الحزب خسائر فادحة، حيث قتل نحو أربعين
من مقاتليهم وإصابة عدد أكبر عندما أحكمت كتائب المعارضة الحصار عليهم، بينما فرت
قوات النظام وتركتهم مكشوفين بالكامل، وأكدت المجلة أن تلك الحادثة قد أدت إلى
تدهور كبير في الثقة بين قوات النظام وميليشيات "حزب الله" التي أصبح
قادتها يتحدثون علناً عن فساد الضباط السوريين وتلقيهم الرشاوى من المعارضة وعدم
رغبتهم في القتال وفرارهم من المواجهات، في حين تضطر قيادة الحزب إلى إبقاء جثث
مقاتليها في سوريا وإرسالهم على دفعات للمحافظة على معنويات المقاتلين وعوائلهم.
وتشير مصادر أمنية إلى أن
القادة الإيرانيين كانوا يرغبون في ترجيح كفة النظام وتمكينه من استعادة الأراضي
التي فقدها قبل فصل الشتاء، وكان حسن نصر الله يخطط لسحب الجزء الأكبر من مقاتليه
قبل حلول عام 2014 وذلك لتخفيف الضغط الواقع عليه من قواعد الحزب التي بدأت تتململ
من التكلفة الباهظة للمشاركة في المواجهات بسوريا، وعجز النظام عن المحافظة على
الأراضي التي قام الحزب بإخراج كتائب المعارضة منها، خاصة وأن عمليات الحزب في
سوريا تعرقل جهود تشكيل الحكومة في لبنان، وتضع الحزب في موقف إقليمي محرج.
وعلى إثر الضربات الموجعة
التي واجهها الحزب في لبنان عبر موجة الاغتيالات والتفجيرات في بيروت والبقاع؛ هرع
حسن نصر الله في زيارة سرية إلى طهران لمناقشة آليات التعامل مع موجة الهجمات
وكيفية الرد عليها، خاصة وأن مأزق الحزب في سوريا يزداد تعقداً جراء فشل النظام.
وتحدث
تقرير صحيفة "فايننشال تايمز" في منتصف شهر يناير الجاري عن فشل نظام
بشار في الاستفادة من انشغال المعارضة بقتال تنظيم "داعش"؛ حيث حاولت
فرق النظام التحرك لملء الفراغ الناتج عن انشغال كتائب المعارضة بالمعارك الداخلية
ولكن تحركها هذا كان على حساب التخلي عن الأراضي في أجزاء أخرى من البلاد، حيث
اضطر النظام للتخلي عن سيطرته المؤقتة على مدينة جاسم بمحافظة درعا، وعلى أجزاء
واسعة من الغوطة برف دمشق بهدف شن حملة في حلب، ونقل التقرير عن مراقبين لخطوط
القتال، أنه كان على النظام تعليق المعارك والتركيز على نشر القوات في القلمون، لكنه
اضطر فيما بعد إلى الانسحاب منها تاركاً قوات "حزب الله" مكشوفة أمام
كتائب المعارضة التي استغلت الفرصة وألحقت بالحزب خسائر فادحة.
واستنتج
التقرير أنه: حتى مع انزلاق الثوار إلى حالة من الفوضى، فإن النظام لا يزال عاجزاً
عن تحقيق أي تقدم يذكر رغم تدفق التعزيزات إليه من معدات وأسلحة ومقاتلين ومستشارين
لبنانيين وعراقيين وإيرانيين.
ونقل
التقرير عن أحد الباحثين قوله: "لقد عانت القوات الحكومية باستمرار من عدم
القدرة على إدارة العمليات العسكرية بشكل منسق ومتزامن على امتداد جبهات القتال
على امتداد البلاد لفترات طويلة من الزمن".
ورأى الباحث السويدي المتخصص
في شؤون الجماعات الإرهابية خارج إطار الدول "آرون لند"؛ أن النظام
السوري قد أثبت فشله في المحافظة على الأراضي التي سلمتها الميليشيات الخارجية
الحليفة له بعد طرد المعارضة منها، حيث لا يظهر بشار أسد أي قدرة على بسط سيادته
أو تنسيق عمليات مختلف الفرق التابعة له، مما يؤكد أن بشار بات عاجزاً عن إعادة
الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2011 حتى وإن تلقى مختلف الدعم المادي والعسكري من
حلفائه.
وتحدثت مجلة تايم الأمريكية
عن مرحلة جديدة تؤذن بنهاية حكم بشار أسد إثر ضعف سيطرته على الميليشيات العلوية
التي أسسها فيلق القدس ومكنتها ميليشيات "حزب الله" من السيطرة على
أجزاء واسعة من ريف حمص واللاذقية والتي لا تظهر ولاء للنظام، ونقلت المجلة عن أحد
المقربين من بشار قوله عن التشكيلات العلوية الخارجة عن سيطرته: "يقول لنا
الأسد: حميتكم من هذه المجموعات عشر سنوات، وقد خرجوا من عقالهم ولا أستطيع
السيطرة عليهم بعد الآن".
المنظومة الجديدة
لتحقيق"الأمن المشترك" وآفاق التعاون الدولي
في السادس عشر من شهر يناير
الجاري حطت في موسكو طائرة تقل كلاً من وزيري الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره
الإيراني جواد ظريف، حيث اجتمعا مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أجواء
احتفالية أعقبت زيارة ظريف لكل من دمشق وبيروت، وتشير مصادر أمنية إلى أن الوزراء الثلاثة
قد اتفقوا على تبني نهج "المعالجة التدريجية" للأزمة من خلال خوض
مفاوضات جنيف عبر عدة مراحل:
- ففي المرحلة الأولى يتم
التوافق على وقف إطلاق النار، وذلك لإتاحة المجال لنظام دمشق أن يلتقط أنفاسه بعد
نحو ثلاث سنوات من القتال دون توقف، وسيمكنه ذلك من استعادة توازنه، وإعادة ترتيب
قواته، وتوطيد نفوذه في المناطق التي لا تزال تخضع لسيطرته.
- وفي المرحلة الثانية يعمد النظام
إلى فتح "معابر إنسانية"، لتوصيل الطعام والدواء والمساعدات للمدنيين
العالقين في المناطق المحاصرة، وهي إستراتيجية تقليدية تتمثل في تصعيد الموقف
العسكري ومن ثم استخدام عملية التأزيم كورقة تفاوضية يمكن التلويح بها لإبداء حسن
النية وتقديم التنازلات.
- وفي المرحلة الثالثة تلوح
كل من: موسكو وطهران ودمشق بورقة "التطرف"، وتعرض التعاون مع المعارضة ومع
حلفائها الإقليميين للعمل على مواجهة الجماعات المتطرفة، وهو أمر لن تتمكن
المعارضة من رفضه.
وفي أثناء اللقاء عرض ظريف
على لافروف خطته الإقليمية الجديدة التي يعمل عليها بالتعاون مع حلفائه في لبنان
والعراق، وتتضمن مبادرة يطرحها المالكي مع العشائر السنية في الأنبار، والاتفاق
على آلية تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان على قاعدة (8-8-8).
وإذا أسفرت جنيف (2) عن منع
فرص امتداد الأزمة السورية إلى الدول المجاورة واعتماد الحلول التي يتقدم بها
ظريف، فإن طهران ستثبت دورها الجديد كقوة تهيمن على الأوضاع السياسية لأنظمة بغداد
ودمشق وبيروت من خلال تبني: "الدبلوماسية الإيجابية" وإنشاء منظومة
أمنية تعاونية بين إيران والغرب، وهو الأمر الذي تشجعه واشنطن ومعظم العواصم
الغربية التي تدعو إيران لممارسة دور إيجابي وفاعل في نزع فتيل الأزمات في
المنطقة.
وستكون موسكو الرابح الأكبر
من هذه الصيغة الجديدة إذ إنها ستصبح عراب السلام في المنطقة التي يضمحل فيها
النفوذ الأمريكي وتتهاوى فيها الدبلوماسية الغربية بصورة مروعة.
والحقيقة هي أن المنظومة
الأمنية المقترحة لشرق أوسط جديد لا تنبثق من محض طموحات النفوذ وأطماع الهيمنة لدى
موسكو وطهران؛ بل تنطلق من دبلوماسية خفية ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية منذ
فترة ليست بالقصيرة، حيث تؤكد مصادر مقربة من الإدارة الأمريكية أن أوباما يرغب في
تعزيز الدبلوماسية الإيجابية مع موسكو وطهران والتي نجحت في نزع السلاح الكيميائي
السوري، وتعمل الخارجية على استثمار علاقات التعاون لتحقيق إنجازات أكبر في نزع
فتيل الأزمات التي تعصف بالمنطقة، بحيث تتحول إيران من "دولة مارقة" إلى
عامل توازن إقليمي يمكنّها من الاندماج في منظومة أمنية جديدة تبنى على أنقاض الجمهوريات
البائدة في مرحلة الربيع العربي.
وتقوم هذه الإستراتيجية على
الدبلوماسية التصاعدية، التي تستثمر فرص التعاون الإقليمي لبناء العلاقات وتحقيق
المزيد من المنجزات؛ فقد نجحت الإدارة الأمريكية في بناء علاقات إيجابية مع
الإيرانيين عبر الوسيط الروسي لإقناع بشار بالتخلص من سلاحه الكيميائي، ثم تعاونت
مع موسكو لإقناع إيران بتقديم تنازلات في ملفها النووي، وتعمل في الوقت الحالي على
تعزيز علاقة التعاون لحل الأزمة السورية من خلال التوصل إلى منظومة أمنية ووضعها
قيد الاختبار من خلال شن حملة مشتركة ضد جماعات:"التطرف السني" كما
وصفها مساعد وزير الخارجية الأمريكي ويليام بيرنز في مقابلة معه يوم الخميس 16
يناير 2014.
وكان بيرنز قد اشتكى من أن الدبلوماسية
الخفية لم تعد تجدي كثيراً مع تطور وسائل التواصل، وتنامي قدراتأجهزة الإعلام على
اختراق المسؤولين؛ معترفاً في الوقت نفسه بأن الإدارة الأمريكية قد أقامت علاقات
سرية بنّاءة مع إيران، وقام الطرفان بتشكيل رؤية للدور الإيجابي الذي يمكن أن
تمارسه حكومة روحاني في المرحلة المقبلة؛ ويمكن تتبع أهم ملامح الدبلوماسية الغربية
الخفية خلال الأشهر الثلاثة الماضية من خلال المحطات التالية:
1- الاتصالات
الأمريكية-الإيرانية لتفادي توجيه ضربة ضد نظام بشار (سبتمبر 2013):فقد
أكدت مصادر مقربة من الموساد أن تل أبيب فوجئت بتغير مزاج واشنطن ولندن في 1
سبتمبر 2013، وذلك بعد أقل من يوم على اتصال وزير الخارجية الأمريكي بنظيره
الإسرائيلي (مساء يوم 31 أغسطس) لإعلامه بأن طلعات جوية ستنفذ ضد دمشق في غضون
الساعات القادمة، والاتصال المماثل الذي أجراه وزير الخارجية البريطاني للتنبيه
إلى ضرورة استعداد إسرائيل لأي ردود أفعال على الضربة المرتقبة، لكن تل أبيب فوجئت
بنجاح "دبلوماسية اللحظة الأخيرة" لطهران في إقناع أوباما بإمكانية نزع
السلاح الكيميائي السوري في حال عدم تنفيذ هذه الضربات.
2- الاتصالات الأمريكية مع
حزب الله لبحث فرص التعاون ضد "الجماعات المتطرفة" (ديسمبر 2013):
بعد فضيحة الكشف عن التحذيرات الأمريكية لحزب الله بإمكانية تنفيذ هجمات ضد
معاقلها في بيروت؛ كشف موقع "ديبكا" المقرب من الموساد (9 ديسمبر
2013) أن الإدارة الأمريكية كانت تراقب
عمليات الحزب الأخيرة لطرد المعارضة من القلمون باهتمام شديد، وأنها: "فتحت
قنوات للتواصل مع قادة الحزب عبر دبلوماسيين بريطانيين في بيروت"، وقد تمت
الاتصالات عبر القنوات الروسية-الإيرانية التي أسهمت في إنجاح مفاوضات الملف
النووي الإيراني بجنيف في 24 نوفمبر 2013، وكانت هذه الجهات تعمل على تعزيز
التعاون الغربي مع إيران لمواجهة المهددات الأمنية المشتركة في سوريا.
3- الاتصالات الغربية مع
النظام السوري لجمع معلومات استخباراتية (نوفمبر2013-يناير 2014): كشفت صحيفة "وول ستريت
جورنال" الأمريكية في منتصف شهر يناير الجاري أن ضباطاً في أجهزة الاستخبارات
الأوروبية التقوا سراً مع مندوبي الرئيس بشار الأسد لتبادل المعلومات حول:"الجهاديين
الأوروبيين المقاتلين في سوريا"، وأضافت الصحيفة أن القصد من الاجتماعات كان
لجمع المعلومات عما لا يقل عن 1200 من "الجهاديين" الأوروبيين الذين
التحقوا بالجماعات المسلحة هناك، وأضافت الصحيفة أن ضابطاً متقاعداً في المخابرات
البريطانية (MI6) هو أول من زار دمشق في منتصف الصيف
الماضي نيابة عن الحكومة البريطانية، وقال دبلوماسيون ومسؤولون على معرفة بالوضع:"إن
وكالات الاستخبارات الألمانية والفرنسية والإسبانية تحدثوا إلى مسؤولي النظام في
دمشق منذ نوفمبر الماضي، وسافروا إلى سوريا من بيروت، والتقوا مع مجموعة من
المسؤولين السوريين، من بينهم علي مملوك، وهو مستشار أمني خاص للأسد"، ونقل التقرير
عن خالد محجوب، وهو رجل أعمال أمريكي سوري
مقرب من الأسد، قوله في مقابلة أُجريت معه مؤخراً: "وصل الساسة الغربيون إلى
مستوى معين من النضج والفهم: أن سوريا تحارب الإرهاب السلفي الوهابي نيابة
عنهم". وقد أكد نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد في مقابلة مع "بي
بي سي" البريطانية (15 يناير 2013) هذه المعلومات بقوله: "إن مسؤولي
أجهزة استخبارات بعض البلدان الغربية المناهضة للرئيس بشار الأسد زاروا دمشق
لمناقشة التعاون الأمني مع حكومته"، وقال مقداد: "بصراحة لقد تغيرت
الروح".
4- الاتصالات الأمريكية-الإيرانية لبحث سبل
التنسيق الأمني (16 يناير 2014): في مقابلة مطولة مع
"ألمونيتور" أكد مساعد وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز أنه أجرى
اتصالات سرية مع الإيرانيين بهدف التمهيد لمؤتمر جنيف (2)، وتحديد الدور الإيجابي
الذي يمكن أن تمارسه إيران في المرحلة المقبلة، خاصة في نزع فتيل الأزمات المشتعلة
في المنطقة والمساعدة في وقف إطلاق النار بسوريا، وأكد بيرنز أن مسؤولين أمريكيين
أجروا اتصالات سرية بنظرائهم الإيرانيين عبر "الهاتف والفاكس"، مثنياً
على فريق روحاني وظريف وتفهمهمللقلق الأمريكي من ظاهرة : "تنامي دور جماعات
التشدد السني ومخاطر امتدادها خارج حدود القطر السوري".
جنيف (2) والدور الإيراني المرتقب
عكفت
أجهزة الأمن ومؤسسات الفكر الغربية في غضون الأشهر الماضية على دراسة ظاهرة تنامي
الجماعات الجهادية وخطرها على الغرب، حيث تؤكد المصادر وجود نحو ستة آلاف مقاتل أجنبي منهم ألف متطوع
قدموا من أوروبا الغربية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، بلجيكا)، ويشارك
معظمهم في عمليات محدودة ثم يعودون إلى بلادهم مشكلين عبئاً أمنياً ثقيلاً على
الغرب.
وللتعامل
مع المخاطر الكامنة في تنامي هذه المجموعات؛ عمدت الأجهزة الغربية إلى تصنيفها
حركياً وإيديولوجياً وبحث مصادر تمويلها، ومن ثم دراسة سبل استنزافها من خلال تعزيز
فرص الاقتتال الداخلي والاستفادة من الميليشيات الشيعية التي مثلت في الأشهر
الماضية حائط الصد الأقوى في وجه هذه الجماعات.
وأكد
مصدر أمني أن الدول الغربية تعمل على تنسيق مواقفها مع موسكو وطهران لتبني سياسة
موحدة في التعامل مع هذه المجموعات، كما أنها تقيّم فرص توظيف مؤتمر "جنيف2"
لتأسيس تحالف يضم عناصر "معتدلة" من النظام والمعارضة لمواجهة القوى
المتطرفة، ونقل المصدر عن السفير الأمريكي السابق في بغداد رايان كروكر قوله:
"يجب أن نجري محادثات مباشرة وسرية مع النظام السوري، فعلى الرغم من سوء
الأسد إلا أن الجماعات الجهادية هي البديل الأسوأ"، وترددت أصداء هذه المقولة
على لسان الرئيس المدير السابق لجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية (11 ديسمبر
2013) الذي أكد أن نظام بشار يمثل الضمان الأوحد من اندلاع حرب طائفية يكمن أن
تودي بجميع دول المنطقة.
وبناء
على هذه المعطيات فإن الإدارة الأمريكية تراهن على أن يتمخض مؤتمر جنيف عن إيجاد
آليات للتعاون بين النظام والمعارضة بدعم من القوى الإقليمية والدولية لمواجهة قوى
التطرف في المنطقة، ويشير المصدر ذاته إلى أن لقاء نتنياهو ببوتين في مطلع الشهر
الماضي لم يكن يتناول الملف إيران النووي كما توقع المراقبون، بل دار الجزء الأكبر
من الحديث حول الخطة الروسية-الإيرانية لمواجهة "الجماعات المتطرفة السنية"
التي تهدد أمن تل أبيب، وأسفر اللقاء عن إعلان تأسيس فرق روسية خاصة لمواجهة خطر هذه
الجماعات، وتجهيزها للقيام بأعمال قتالية داخل الأراضي السورية إذا تطلب الأمر.
ولركوب الموجة الدولية المتصاعدة ضد "الجماعات السنية
المتشددة" استبق بشار أسد مؤتمر "جنيف2" بتصريح يوم الإثنين 20
يناير الجاري قال فيه: "إن القرار الأهم الذي يمكن أن يخرج به مؤتمر جنيف 2
المقرر هذا الأسبوع حول سوريا هو "مكافحة الإرهاب"، وهذه هي النتيجة
الأهم التي يمكن لمؤتمر جنيف أن يخرج بها، وأي نتيجة سياسية تخرج من دون مكافحة
الإرهاب ليس لها أي قيمة".
وتزامنت هذه المقابلة مع
تصريحات مماثلة أطلقها كل من: نوري المالكي وحسن نصر الله حول ضرورة مواجهة الدول
التي ترعى الإرهاب، وذلك في إشارة إلى دعم دول الخليج العربي للمعارضة السورية.
وتكمن المشكلة في أن بعض
الأجهزة الأمنية ومعاهد الفكر الغربية تنسجم مع الموقف الإيراني-الروسي في توسيع
مفهوم "التطرف" ليشمل الجسد العام لكتائب المعارضة، والأسس الفكرية التي
قامت عليها بعض دول الداعمة لها، وذلك في سعي لعزل دول الخليج العربي التي تعارض
الدور الإيراني الجديد، وتستهجن الاستعداد الغربي للتغاضي عن جرائم الميليشيات
الطائفية المتطرفة التي ترعاها إيران ضد الشعب السوري.
ويمكن
القول بأن الترتيبات الغربية-الروسية الممهدة لجنيف (2) تصب في صياغة منظومة أمن
تعاوني ينقذ نظام دمشق، ويمنح طهران الدور الأكبر في التشكيلة السياسية المستقبلية
لكل من: العراق وسوريا ولبنان، وسيتم قياس مدى:"تعاون" و"اعتدال"
المعارضة السورية من خلال تقييم قدرتها على الانخراط في تعزيز هذه المنظومة
والمساعدة على تحقيقها في الداخل السوري واستعدادها للتغاضي عن التشكيلة الطائفية
للجيش وقوى الأمن السوري؛ إذ إن الإستراتيجية الغربية تنظر إلى الجماعات الطائفية
باعتبارها العنصر الأكثر فاعلية في إبرام هذه الصفقة الإقليمية، خاصة وأن الإدارة
الأمريكية وبعض الدول الأوروبية قد استثمرت الكثير من المال والجهد لتمكين الأقليات
الطائفية وتعزيز دورها في السياسي في المشرق العربي.
وفي
غضون المرحلة التمهيدية لجنيف (2)؛ يمكن لفت الانتباه إلى ملاحظتين مهمتين:
1- غياب
جهود التنسيق وتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع المحلي: ففي مقابل الجهود الغربية لتنسيق المواقف مع روسيا
وطهران؛ لم تُبذل أية جهود رديفة للتنسيق بين السلطة والمعارضة، حيث يصر النظام
على عدم الاعتراف بالمعارضة ووسمها بالجماعات الإرهابية، والتأكيد على عدم
شرعيتها، في حين تنزع أفضل تبريرات المعارضة للمشاركة في المؤتمر إلى ضرورة تفادي
العزلة الدولية والتلويح بالانسحاب إذ خرجت المفاوضات عن مسارها، ويعكس ذلك القصور:
نزوع القوى الدولية إلى التعامل مع السلطة والمعارضة على أنها قوى متأثرة غير
فاعلة يمكن الضغط عليها من خلال التلويح بقطع المساعدات إذا لم تنسجم مع التوافقات
الدولية.
2-
عدم نضج التكوين البنيوي للمعارضة: إذ انشغلأعضاء الائتلاف وقيادة الجيش الحر حتى الأيام الأخيرة قبل انعقاد المؤتمر
في مناقشة: سبل اختيار القيادة، وكيفية التصويت، وآليات اتخاذ القرار، وحصص المقاعد،
ونسب التمثيل في المجلس، بدلاً من العمل على صياغة إستراتيجية وطنية للتعامل مع
المهددات الأمنية الإقليمية والدولية وتأثيرها على الشأن المحلي، وأسهم ذلك في ترسيخ
عزلتهم عن القوى الثورية ودفع بناشطي الداخل ومقاتليه للإعلان عن تشكيلات جديدة
للتعامل مع المخاطر الفعلية المتمثلة في: مواجهة النظام، والميليشيات الطائفية، والتنظيمات
المتطرفة، وقوى الانعزالية الإثنية.
أما
القوى الثورية الفاعلة على الأرض فإنها لا تزال تعاني من مشكلة عدم وجود قنوات
سليمة للتواصل الخارجي وغياب الآليات الناجعة لتمثيلها على المستوى الإقليمي
والدولي، ولا تزال غير قادرة على تشكيل رؤى سياسية واضحة في ظل انشغال الكثير من
أقطابها في معطيات جدلية وتفاعلات محلية تجعلها في معزل عن مواكبة التطورات
الخارجية.
ولا
بد من الاعتراف بأن المعطيات المذكورة أعلاه؛ سابقة لم تكن تهدف إلى مناقشة جدوى
المشاركة في المؤتمر من عدمها، وإنما كان الهدف منها تسليط الضوء على التوافقات
الدولية حول الدور الإيراني الجديد في المنطقة، والإشكالية المزمنة لدى المعارضة
و"أصدقائها" في عدم القدرة على صياغة إستراتيجية بديلة تدفع عنها المخاطر
الإقليمية والدولية الكامنة، خاصة وأن العملية التمهيدية للمؤتمر كانت تراعي
الحسابات الإقليمية ومصالح الدول الغربية دون الاكتراث لمعاناة الشعب السوري الذي
تركت قضاياه للمناقشة في أروقة المؤتمر.
بينما
تركز الجهد الدولي على التأسيس لمرحلة جديدة من التعاون الأمني وإنشاء منظومة
إقليمية على أنقاض النظام العربي الذي تداعت أركانه في غضون السنوات الثلاثة
الماضية.
من
ضمن الأسئلة الكثيرة العالقة: إذا كان قد تقرر عقد المؤتمر في مدينة مونرو، فما سر
الإصرار على تسميته "جنيف2"؟
....
ولماذا لا تسمى الأمور بمسمياتها؟