• - الموافق2025/06/15م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أبرز العلماء والقادة العسكريين الإيرانيين  لماذا اغتالتهم إسرائيل؟

هل شكلت عملية الاغتيال التي قامت بها إسرائيل تجاه عدد من العلماء والقادة العسكريين الإيرانيين إجهاضا حقيقيا للمشروع النووي الإيراني كما تحاول إسرائيل وصف العملية أم أن إيران تجاوزت مستوى الإفشال الكامل وأن ما تم هو محاولة تأجيل وتعطيل فقط.


في فجر الجمعة 13 يونيو 2025، نفذت إسرائيل واحدة من أكثر عملياتها تعقيدًا منذ تأسيسها، ضمن ما سمّته "عملية الأسد الصاعد". استهدفت الضربات الجوية المكثفة نخبة من القيادة العسكرية والعلمية الإيرانية، في رسالة مزدوجة: شلّ البنية التحتية النووية الإيرانية وضرب عقلها المدبّر قبل الوصول إلى عتبة القنبلة. جاءت هذه العملية في توقيت بالغ الحساسية داخليًا ودوليًا، لتكشف عن تحوّل نوعي في قواعد الاشتباك بين تل أبيب وطهران.

القادة العسكريون المستهدفون: تفكيك قيادة القرار العملياتي

جاءت الضربة الإسرائيلية مركزة على النخبة القيادية في الحرس الثوري والجيش النظامي، وهم:

·                    الجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني، عينه الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في عام 2019.

·                    اللواء محمد باقري رئيس هيئة الأركان العامة، المشرف على عقيدة التمركز الدفاعي الإيراني. وشغل باقري منصب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية منذ عام 2016.

·                    اللواء غلام علي راشد قائد مقر خاتم الأنبياء، المسؤول عن التنسيق الميداني متعدد الأذرع.

·                    اللواء أمير علي حاجي زاده قائد القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري ومهندس سلاح الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.

·                    غلام علي رشيد شغل رشيد منصب رئيس مقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري. وقد شغل سابقا منصب نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، وحارب في صفوف إيران خلال حرب الثمانينيات مع العراق.

·                    الأميرال علي شمخاني وزير الدفاع الأسبق ومستشار الأمن القومي.

·                    العميد داوود شيخي يان خبير في تطوير أنظمة الدفاع الجوي.

تشكّل هذه الشخصيات منظومة متكاملة من القيادة والسيطرة، واستهدافها دفعة واحدة يعادل انهيار قيادة جيوش تقليدية كاملة.

العلماء النوويون: اغتيال العقل التكنولوجي

اختارت إسرائيل أن توسّع نطاق ضربتها لتشمل العقل العلمي الذي يقف خلف البرنامج النووي الإيراني:

·                    فريدون عباسي داواني

 عالم نووي، عمل رئيسا لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية في الفترة من 2011 إلى 2013، وهو من تيار المحافظين، وكان عضوا في البرلمان من 2020 إلى 2024.

·                    محمد مهدي طهرانچي

 عمل رئيسًا لجامعة آزاد، وهو أحد مؤسسي أبحاث التخصيب المدني والعسكري.

·                    عبد الحميد منوشهير مهندس تصميم أجهزة الطرد المركزي.

·                    أحمد رضا ظرف فكري خبير في منشآت IR-8.

·                    أمير حسين قبهي متخصص في فيزياء المفاعلات.

·                    مطالب يزده قائد فريق تطوير أنظمة التحكم الصناعية النووية.

هذا الجمع من الأسماء يمثل كتيبة العلم النووي في إيران، وإزاحتهم من المشهد تعني تعطيلًا طويل الأمد للمشروع. يشار هنا أن تلك أبرز الأسماء وإلا فإن الاغتيالات طالت أكثر من 20 شخصية عسكرية وعلمية إيرانية.

أبعاد استراتيجية الضربة:

لم تكن عمليات الاغتيال التي استهدفت شخصيات إيرانية بارزة، من علماء نوويين وقادة عسكريين، مجرد ردود فعل أمنية أو إجراءات تكتيكية عابرة، بل تمثل امتدادًا لمنظور عقدي واستراتيجي صهيوني ينظر إلى القوة العلمية والعسكرية في العالم الإسلامي، وبخاصة في إيران، بوصفها تهديدًا وجوديًا لبقاء الكيان. إن تعاقب العمليات وتزامنها مع تصاعد النفوذ الإيراني الإقليمي ينبئ بأن الأمر لا يتعلق فقط بإجهاض مشروع نووي، بل بكسر إرادة حضارية تُجَسِّدها "العقول" و"القيادات".

أولاً: الخلفية العقدية للصراع الإيرانيالإسرائيلي

من الخطأ حصر الصراع بين طهران وتل أبيب في بعده الجيوسياسي فقط، فإسرائيل تنظر إلى القوة الصاعدة في الشرق الإسلامي سواء تمثلت في إيران، أو تركيا، أو مصر، أو حتى حركات المقاومة على أنها نذير بزوال المشروع الصهيوني القائم على تفوق النوع اليهودي، واحتكار المعرفة، والسيطرة على القرار الإقليمي.

وفي حالة إيران، فإنها تمثل بالنسبة لتل أبيب خطراً مزدوجاً:

فهي أولاً قوة إقليمية تسعى إلى بناء قدرات نووية وصاروخية خارج السيطرة الغربية.

وهي ثانيًا قوة أيديولوجية تمتلك خطابًا عالميًا ضد إسرائيل، عبر فيلق القدس وشبكاتها الممتدة في لبنان والعراق واليمن، وإن كانت تلك الشبكات قد تعرضت لحالة من الضعف عقب الاستهداف الإسرائيل الأخير لها سيما في لبنان.

وهذا يجعل من تفكيك البنية العلمية والعسكرية لإيران هدفًا صهيونيًا مركزيًا.

ثانيًا: المنظور الإسرائيلي للاغتيال كأداة سياسية

في الفكر الصهيوني، الاغتيال ليس جريمة، بل "سياسة دفاعية" ذات أبعاد وجودية. فقد اعتمد الكيان منذ تأسيسه على "ضربات الرأس"، لا سيما حين يتعلق الأمر بـ:

·                    العقول النووية والعسكرية (كما فعل مع علماء العراق، ومصر، وفلسطين).

·                    القيادات التعبوية ذات الحضور الشعبي (كما حصل مع أحمد ياسين وغيره).

·                    الكوادر التقنية المرتبطة بمنظومات تطوير السلاح النوعي.

وهو نهج يعكس قناعة إسرائيلية بأن كسر مشروع الأمة يبدأ من كسر عقلها ومركز قرارها، لا من استنزاف قواعدها الشعبية فقط.

ثالثًا: النواة الصلبة للأهداف الإسرائيلية تجاه إيران

 إجهاض العقل المنتج للسلاح الردعي

يرى الاستراتيجيون في إسرائيل أن محسن فخري زاده وأمثاله يمثلون تهديدًا لا في ذاتهم، بل في ما ينتجونه من معرفة تُنقل إلى أجيال جديدة. فالاغتيال هنا يهدف إلى:

إحداث فراغ علمي يصعب ملؤه سريعًا.

بعث رسالة ردع للعقول الشابة: "العلم المقاوم ثمنه الموت".

تخريب ثقة الدولة بأمنها الداخلي وأجهزتها الاستخباراتية.

 ضرب البنية النفسية للمشروع الإيراني

زرع الشك في قدرة النظام على حماية نخبته.

إثارة القلق داخل المؤسسة العلمية والعسكرية.

تعزيز الانقسام بين مؤسسات الدولة (الحرس الثوري vs وزارة الاستخبارات).

رابعًا: بين النجاح التكتيكي والإخفاق الاستراتيجي:

رغم النجاح الظاهري لبعض الضربات، فإن المشروع النووي الإيراني مستمر، والهيبة الإقليمية لطهران لم تتراجع كليًا. بل يمكن القول إن: عمليات الاغتيال لم تمنع تخصيب اليورانيوم، بل أجلته. ولم تحسم الصراع، بل دفعته نحو مستويات جديدة من الغموض والتشابك. لكن من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن هذه الاغتيالات تمثل: استثمارًا في "حرب الاستنزاف" بعيدة المدى. وتعويقًا للبنية التحتية الاستراتيجية للمشروع الإيراني. ورسالة للداخل والخارج: لا خطوط حمراء أمام أمن إسرائيل.

خامسًا: هل يشكل الاغتيال مخرجًا من مأزق الردع؟

الاغتيال في النهاية هو بديل مؤقت عن المواجهة الشاملة، فإسرائيل لا تملك القدرة على حرب مفتوحة مع إيران، لكنها تستخدمه كوسيلة "إبقاء الهيمنة". ورغم الهجمات التي بدأت منذ الأمس والتي من المقرر أن تستمر حسب قيادات إسرائيل لأيام قادمة تتراوح بين أسبوع أو أسبوعين حسب التصريحات المعلنة.

إلا أن الوصف العسكري لما يحدث الآن بين الطرفين وهو ضربات عسكرية من الجانبين وليس حربا مفتوحة بين طرفين.

وأخيرا فإن الضربات الإسرائيلية المتكررة ضد القادة والعلماء الإيرانيين ليست فقط فصلًا من فصول الصراع العسكري بين الطرفين، بل تمثل جزءًا من معركة كسر الإرادة في إنتاج القوة. وهي معركة لا تنتهي بالرصاصة وحدها.

وتبقى كل السيناريوهات مفتوحة، وسنرى ما الذي يمكن أن يقدمه النظام الإيراني على مذبح تلك الضربات خاصة أن ترامب أبقى باب المفوضات أو لنقل التنازلات أمام طهران مفتوحا.

أعلى