قياس قوة الدولة لا يتم فقط عبر إحصاء القوة العسكرية، بين يمتد إلى قوة الاقتصاد والتحالفات السياسية والموقع الجيواستراتيجي وغيرها من مصادر القوة، لذا فهذا المقال يحاول أن يقارن بين مكامن القوة لدى باكستان والهند في حال نشوء حرب بينهما.
منذ لحظة الانفصال الدموي
في أغسطس 1947، لم يعرف جنوب آسيا استقرارًا حقيقيًا. بين الهند وباكستان، ظلت
الحرب خيارًا حاضراً، والسلم مؤقتًا، والتعايش هشًا. ثلاث حروب كبرى، وعدد لا يُحصى
من الاشتباكات الحدودية، تتوّجها سباقات تسلح ونووي تجعل من أي نزاع
–
حتى لو كان تقليديًا
–
خطرًا إقليميًا ذا أبعاد عالمية. هذا المقال يقدم قراءة، تربط بين القوة الصلبة
(الجيش والاقتصاد)، والجيوبوليتيك، والسياسات الكبرى التي تدفع، أو تمنع، اندلاع
الحرب.
أولًا: التوازن
العسكري
– ما بين
الكم والنوع والعقيدة
1. التفوق العددي للهند
الهند تمتلك ثاني أكبر جيش
في العالم من حيث عدد الجنود (1.45 مليون جندي نشط)، وقوة جوية متقدمة بأكثر من
2,000 طائرة، وقوة بحرية طموحة تضم حاملة طائرات وغواصات نووية. تسعى الهند لبناء
قوة بحرية تتيح لها التفوق في المحيط الهندي، مقابل سلاح بحري باكستاني محدود
حجماً.
2. الفجوة التكتيكية لصالح
باكستان
رغم الفارق العددي، يتمتع
الجيش الباكستاني بمرونة عملياتية وخبرة طويلة في حرب العصابات والحرب التقليدية،
وبتنظيم مركزي يجعل قراراته أكثر اتساقاً
–
خصوصًا مع تداخل المؤسسة العسكرية في بنية الدولة الباكستانية.
وهذه جداول للمقارنة بين
الإمكانات والقوة العسكرية للدولتين
القوة البشرية
الفئة |
الهند |
باكستان |
إجمالي الأفراد العسكريين |
5,137,550 |
1,704,000 |
القوات النشطة |
1,237,000 |
654,000 |
الجيش |
1,310,000 |
560,000 |
القوات الجوية |
310,575 |
70,000 |
القوات البحرية |
142,252 |
30,000 |
الميزانية العسكرية (2024)
الهند |
86.1
مليار دولار (5.1% من الإنفاق العسكري العالمي) |
باكستان |
10.2 مليار دولار |
الترسانة النووية
الهند |
حوالي 180 رأس نووي |
باكستان |
حوالي 170 رأس نووي |
القوة الجوية
الفئة |
الهند |
باكستان |
الطائرات الحربية |
2,229 |
1,399 |
الطائرات المقاتلة |
حوالي 600 |
حوالي 400 |
الطائرات الحديثة |
رافال، سو-30، ميغ-29 |
JF-17،
F-16،
ميراج |
القوة البحرية
الفئة |
الهند |
باكستان |
إجمالي الأصول البحرية |
293 |
121 |
حاملات الطائرات |
2 |
0 |
المدمرات |
13 |
0 |
الغواصات |
18 |
8 |
الفرقاطات |
14 |
9 |
القوة البرية
الفئة |
الهند |
باكستان |
الدبابات |
3,151 |
1,839 |
العربات المدرعة |
3,000+ |
2,800+ |
المدفعية ذاتية الحركة |
100+ |
200+ |
الصناعات الدفاعية والتحالفات
الدولة |
الواردات |
التعاون |
الأنظمة |
الهند |
روسيا (36%)، فرنسا، الولايات المتحدة، وإسرائيل |
تطور صواريخ بالتعاون مع روسيا |
S-400
وBarak-8 |
باكستان |
تحصل على 81% من وارداتها من الصين |
تطور صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى |
غير مذكور |
3. العقيدة العسكرية:
الفرق في الفلسفة
الهند تتبنى عقيدة "الرد
الثاني فقط" نوويًا، وتسعى لعقيدة "الانطلاق البارد" تقليديًا (Cold
Start Doctrine)،
بهدف شنّ ضربة تقليدية سريعة ومنضبطة لا تستفز الرد النووي.
باكستان لا تتبنّى سياسة
معلنة لـ "عدم البدء النووي"، وتحتفظ بغموض استراتيجي يسمح لها بالردع المبكر، بما
في ذلك استخدام الأسلحة النووية التكتيكية على أراضيها.
العقيدة هنا ليست مجرد
تصور عسكري، بل أداة سياسية في الردع والإقناع، وفي التحكم بإيقاع أي نزاع.
ثانيًا:
الاقتصاد كقوة كامنة؟
1. الهند: اقتصاد صاعد
بقوة بنيوية
بإجمالي ناتج داخلي يبلغ
نحو 3.7 تريليون دولار، واقتصاد متنوع في الصناعة والتكنولوجيا والخدمات، تعد الهند
من الاقتصادات الصاعدة ضمن مجموعة العشرين. كما أن نموها السكاني والتحول الرقمي
يعززان قدرتها على تحمّل أعباء الحروب الطويلة أو العقوبات الخارجية.
2. باكستان: اقتصاد هش
ومُعتمد
اقتصاد باكستان يعاني من
اختلالات هيكلية، ومعدلات تضخم مرتفعة، وتبعية للتمويل الخارجي (صندوق النقد،
الخليج، الصين). في حال اندلاع حرب طويلة، ستواجه باكستان صعوبات في الصمود دون
تدخل مباشر من حلفائها.
الحرب ليست فقط سلاحًا
وجنودًا، بل سلسلة إمداد، وقدرة على طباعة النقود دون انهيار العملة، واستدامة في
الاقتصاد السياسي.
ثالثًا:
الجغرافيا
– بين
الترسيم والتهديد
الهند تتمتع بعمق
استراتيجي وجغرافي ضخم، مما يمنحها خيارات هجومية واسعة، لكنها تواجه تحديات
لوجستية في الحدود الشمالية (كشمير)، والجبهة الشرقية مع الصين.
باكستان تتمتع بقدرات
دفاعية طبيعية في الشمال (كاراكورام) والغرب (بلوشستان)، لكن ضيق جغرافيتها يجعلها
أكثر حساسية لاختراقات عسكرية عميقة.
الجغرافيا ليست قدرًا
ساكنًا، بل متغير في يد الاستراتيجية: تسهيل التوغل، أو تعقيد الدفاع، أو تأمين
الحلفاء.
رابعًا: العقيدة
الاستراتيجية للدولتين
1. استراتيجية الهند:
الطموح الإقليمي والاحتواء المزدوج
الهند لا تسعى فقط لردع
باكستان، بل لفرض نفسها كقوة إقليمية كبرى وموازن نوعي للصين. وعقيدتها تتجاوز
الردع، لتشمل السيطرة على بيئة النزاع، باستخدام الأدوات العسكرية والدبلوماسية
والتكنولوجية.
2. استراتيجية باكستان:
البقاء بالردع وتوازن الضعف
العقيدة الباكستانية أكثر
انكفاءً على الداخل، تركز على ضمان بقاء الدولة ووحدة الجيش، وردع الهند عبر
التلويح بالسلاح النووي، مع بناء علاقات استراتيجية مع الصين ودول الخليج كأدوات
للتوازن الخارجي.
خامسا:
التحالفات السياسية والتموضع الجيوسياسي
·
الهند والصين وتموضع القوة الصاعدة
الهند، منذ صعود الصين
كقوة بحرية واقتصادية، تبنّت سياسة "الاحتواء الإقليمي" بالتحالف مع الولايات
المتحدة وأعضاء مجموعة
QUAD
(اليابان، أستراليا، أمريكا). هذا المحور لا يستهدف باكستان مباشرة، بل يضعها في
مرمى نيران استراتيجية من خلال علاقتها بالصين.
·
التحالف الإسرائيلي–الهندي:
من الظل إلى العلن
شهد العقدان الأخيران
تقاربًا استراتيجيًا بين نيودلهي وتل أبيب، خاصة في مجالات التكنولوجيا العسكرية،
والمراقبة، والطائرات بدون طيار، وهو ما منح الهند تفوقًا تقنيًا نوعيًا يقلق
باكستان.
·
العلاقة مع روسيا: توازن الضرورات
رغم تقاربها مع واشنطن، لم
تتخلّ الهند عن علاقاتها العسكرية مع موسكو. فهي أكبر مشترٍ للسلاح الروسي في
العالم، وتحتفظ بعلاقات مرنة تُبقيها خارج الاستقطاب التام.
·
باكستان والصين: الحليف الإستراتيجي الأول
تتمثل قوة العلاقة في
"الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني"
(CPEC)،
وهو مشروع ضخم يجعل باكستان بوابة الصين نحو الخليج. في المقابل، توفر بكين الدعم
الدبلوماسي والعسكري، والتكنولوجيا النووية والصاروخية.
·
تركيا: المحور الإسلامي الجديد
تعزز باكستان تحالفها مع
أنقرة عبر التعاون العسكري والدبلوماسي، في ما يُعد تحركًا موازنًا لمحور الهند–إسرائيل–الولايات
المتحدة. وقد زودتها تركيا بطائرات مسيّرة ومعدات مراقبة متقدمة.
·
دول الخليج وباكستان
رغم الدعم المالي الكبير
من دول الخليج، إلا أن باكستان تدرك أن ولاء الخليج قابل للتغيير وفق المصالح
الاقتصادية، خاصة مع تقارب هذه الدول مع الهند في مجالات التكنولوجيا والطاقة.
أثر التحالفات على
احتمالات الحرب
1. الهند أكثر جرأة
سياسيًا، لكنها أكثر حذرًا عسكريًا، لأن تحالفاتها مع قوى كبرى تتطلب ضبط النفس
وعدم الانجرار لمغامرات تؤثر على صورتها كقوة مسؤولة.
2. باكستان أكثر هشاشة
سياسيًا، لكنها أكثر استعدادًا للردع، مستفيدة من غموض استراتيجي يربك الحسابات
الهندية.
3. التدخل الدولي عند حافة
الحرب حتمي، خاصة من الصين والولايات المتحدة، لكنهما لن يمنعا حربًا محدودة ما لم
تصل إلى الحافة النووية.
إن التموضع الجيوسياسي
والتحالفات لا تلغي احتمال الحرب بين الهند وباكستان، لكنها تغيّر شكلها: من حرب
شاملة إلى صدامات حدودية محسوبة، أو حرب عبر الوكلاء، أو ضغط اقتصادي ودبلوماسي، أو
حتى تسابق تكنولوجي استخباراتي. وما لم يتحول ميزان القوة إلى توازن حقيقي، ستبقى
التحالفات سلاحًا في يد الحرب، لا في يد السلم.
سادسًا:
الولايات المتحدة وصراع القوى الكبرى
في خضم الصراع الأمريكي–الصيني،
قد تصبح الحرب بين الهند وباكستان ساحة غير مباشرة لتصفية الحسابات.
الهند تلعب دور "الموازن
الإقليمي"، وقد تُدفع إلى حرب قصيرة مع باكستان لتشتيت انتباه الصين عن بحر الصين
الجنوبي أو تايوان.
باكستان تمثل خاصرة الصين
الغربية، وتحظى بأهمية استراتيجية في مشروع "الحزام والطريق"، مما يجعل واشنطن
تتحرك بحذر، خوفًا من جرّ الصين إلى المعركة.
لكن كِلا البلدين يملكان
قرارهما المستقل، فالهند، لن تخوض حربًا كبرى فقط لخدمة الاستراتيجية الأمريكية، بل
تسعى لتحقيق توازن مع الصين وروسيا وأمريكا في آنٍ واحد. وباكستان كذلك لا تريد أن
تدخل في حرب مفتوحة تهدد استقرارها واقتصادها الضعيف. لكن كما يقال الحرب دائما
ليست تفكيرا عقلانيا، ووجود حزب متطرف في الهند، قد يدفع إلى اشتعال الحرب وتمددها.