• - الموافق2025/03/09م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العرب وتحدي مشاريع التهجير

تتمتع الدول العربية بقدرات استراتيجية كبيرة تمنحها قدرة على التأثير في القضايا العالمية، ناهيك عن القضايا التي تخص مستقبل أمنها القومي، ورغم ذلك فثمة أسباب عديدة تعوق قدرتها للوصول للتأثير المرجو.


بالرغم من الإعلان الضمني الصادر من رئيس وزراء دولة الكيان الصهيوني بتملصه من الصفقة التي بينه وبين حماس، إلا أنه بعد انتهاء المرحلة الأولى من تلك الصفقة، نجد أن المفاوضات خلف الكواليس لا تزال جارية حول المرحلة الثانية من الصفقة، والتي تشمل تبادل من تبقى من أسرى الكيان لدى المقاومة في غزة، كما تشمل وهو الشق الأخطر وضع غزة بعد انسحاب جيش الاحتلال من غزة.

فالجانب الصهيوني يصر على عدم وجود حماس أو السلطة الفلسطينية على سدة الحكم في غزة، كما يضغط باتجاه نزع السلاح من المقاومة وبقاء القطاع منزوع السلاح، أو إلغاء الصفقة والعودة لحرب الإبادة كما يعلنها على الملأ.

وتقف الولايات المتحدة باعتبارها وسيطًا سندًا ودعمًا للمطالب الصهيونية، بينما تحاول مصر وقطر أن يطرحا حلولاً وسطًا لتلك العقدة الشائكة وهي من يحكم غزة وعلى نزع سلاح المقاومة.

ولكن في خضم هذا التدافع، تبقى مواقف بقية الدول العربية، هي العنصر الحاسم في وقف المطامع الصهيونية وأهدافها تجاه غزة، خاصة في ظل الحديث عن مؤتمر قمة الدول العربية الذي سينعقد في القاهرة هذا الأسبوع.

ولكن ما نظرة العرب لما يجري في غزة، وما مدى قدرتهم على وقف التجبر الصهيوني ومن ورائه القوة العظمى المساندة له؟

القوة الجيوسياسية للمنطقة العربية

تنبع أهمية المنطقة العربية من ثلاثة محددات كبرى: موقع جغرافي، ومصدر مهم للموارد الطبيعية. وكونها صاحبة ثقافة وتاريخ متجذر وذات مضمون رسالي.  

فموقعها الجغرافي الفريد يجعلها جسرًا حيويًا يربط بين ثلاث قارات: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا. هذا الموقع الجغرافي المتميز يمنح الدول العربية دورًا محوريًا في التجارة الدولية والسياسة العالمية، حيث تمر عبره العديد من طرق التجارة البحرية والبرية التي تربط بين الشرق والغرب. فمضيق هرمز، وقناة السويس، ومضيق باب المندب هي بعض من الممرات المائية الحيوية التي تقع ضمن حدود الوطن العربي، وتعتبر شرايين حيوية للتجارة العالمية، حيث يمر من خلالها نسبة كبيرة من النفط والغاز الطبيعي والسلع الأخرى، وعبرها تنتقل الأساطيل الحربية والغواصات البحرية.

وعلى سبيل المثال، قناة السويس توفر على حاملات الطائرات والغواصات الأمريكية ما يقرب من خمسة مليارات دولار سنويا، أثناء عبورها من المتوسط إلى آسيا بدلا من دورانها حول رأس الرجاء الصالح.

أما من حيث الموارد الطبيعية، فإن أهمية غناء المنطقة العربية بتلك الموارد، وخاصة النفط والغاز، ليست فقط كونها محركًا اقتصاديًا رئيسيًا لدول المنطقة، بل تلعب أيضًا دورًا حاسمًا في الاقتصاد العالمي، فالنفط والغاز هما من أهم مصادر الطاقة التي يعتمد عليها العالم اليوم، وتسهم هذه الموارد في تشكيل الاقتصاد والسياسة العالمية.

 

الدول الاستعمارية ارتكبت ثلاث جرائم خطيرة: تقسيم الكتلة العربية إلى دول ووضع بينها الحدود، ثم العمل على وصول نخب متغربة وتتنكر من هويتها في مراكز التوجيه السياسي والثقافي والإعلامي والتربوي، وأخيرًا زرع الكيان الصهيوني

وتقع دول الخليج العربي في قلب تلك الأهمية، وبالذات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، فهذه الدول الأربع تُعد من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم. فهي تمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة العالمي. ومن المعروف فإن الاعتماد العالمي على النفط والغاز مصدر رئيس للطاقة يمنح هذه الدول نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا.

وعلى سبيل المثال، يمكن لهذه الدول التأثير على أسعار النفط العالمية من خلال سياسات الإنتاج الخاصة بها، مما يتيح لها القدرة على التأثير في الاقتصاد العالمي بشكل مباشر.

أما أهمية المنطقة العربية من جهة التاريخ والثقافة، فيمكن اعتبار المنطقة العربية من أكثر المناطق تأثيرًا في التاريخ البشري، حيث شهدت نشوء العديد من الحضارات التي تركت بصمات لا تُمحى على الثقافة العالمية. من بين هذه الحضارات، تبرز الحضارة السومرية في بلاد الرافدين، والحضارة الفرعونية في مصر، والحضارة الفينيقية في بلاد الشام، والحضارة العربية الإسلامية التي امتدت من الأندلس إلى الهند، التي كان لها دور كبير في تطوير العلوم. فقد أسهم العلماء العرب والمسلمون في مجالات مثل الطب والفلك والرياضيات والكيمياء.

ولا يزال التحدي الإسلامي يشكل هاجسًا وقلقًا، ويُعد أحد محاور الصراع الأساسية لدول كبرى كأمريكا وأوروبا.

الوضع العربي الاستراتيجي في السياسات العالمية

يبدو وضع العرب وثقلهم الاستراتيجي بشكل لا يتناسب مع وضعهم الاستراتيجي، ويرجع ذلك لعدة عوامل منها:

·                    الإرث الاستعاري، والذي استعمر أغلب المناطق التي يطلق عليها الوطن العربي، والتي تنطق بلسان واحد وتدين غالبيتها الساحقة بدين واحد.

ولكن الدول الاستعمارية ارتكبت ثلاث جرائم خطيرة: تقسيم الكتلة العربية إلى دول ووضع بينها الحدود، ثم العمل على وصول نخب متغربة وتتنكر من هويتها في مراكز التوجيه السياسي والثقافي والإعلامي والتربوي، وأخيرًا زرع الكيان الصهيوني في منتصف الجغرافيا العربية ليقسمها إلى مشرق ومغرب عربي.

حتى بعد زوال الاستعمار ورحيله، بقت أكثر هذه النخب تربط سياساتها واستراتيجيتها بالغرب، وتدور في فلكه، وبالرغم من تعالي الصيحات والتي تطالب بتوحيد تلك الاستراتيجيات والتوافق على السياسات بين دول المنطقة العربية، فإنها كلها أو معظمها قد باءت بالفشل.

 

منذ أول يوم لحرب طوفان الأقصى وما أعقبه من حملة الإبادة الصهيونية، اتخذت تقريًبا كل الحكومات العربية موقًفا منددًا بالمجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، رافضة لحملة الإبادة والتجويع.

·                    ثاني هذه العوامل والتي أدت إلى تراجع الدور العربي في العالم، هي قصور الرؤية الاستراتيجية.

والرؤية الاستراتيجية تعني تلك التصورات أو التوجهات لما يجب أن تكون عليه الحالة العربية في المستقبل البعيد، أي تحديد إلى أين تتجه المنظومة العربية، وبالتالي فهي صورة ذهنية للغايات المنشودة التي لا يمكن تحقيقها في الوقت الحاضر وضمن الظروف المتاحة، بينما يمكن استثمار الفرص المستقبلية وتطوير العمل والوصول إليها بعد فترة من الزمن.

ولا نعني بالرؤية الاستراتيجية، رؤية كل دولة من الدول العربية لدورها قي المنطقة أو في العالم، بل نعني بالرؤية المشتركة للمجموعة العربية، والتي تنظر إلى نفسها ككتلة واحدة، تستطيع وضع آليات ومراحل زمنية لصهر طموحاتها في بوتقة واحدة، لتتمكن هذه الكتلة من الصعود إقليميا ثم دوليا، لتكون رقما فاعلا في السياسة الدولية، بدلا من أن تكون مفعولا به.

وهنا يأتي الحديث عن الإطار الرسمي الموجود في الواقع العربي وهي الجامعة العربية، والذي يُفترض أنها تقوم بصياغة ورسم الرؤية وصياغة استراتيجية عربية واحدة. 

الرؤى العربية في حرب غزة

منذ أول يوم لحرب طوفان الأقصى وما أعقبه من حملة الإبادة الصهيونية، اتخذت تقريًبا كل الحكومات العربية موقًفا منددًا بالمجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، رافضة لحملة الإبادة والتجويع.

ودشنت العديد من الدول العربية حملات ضخمة تحمل المساعدات الإنسانية، وكان على رأس الدول العربية تلك. لكن عند الحديث عما يطلق عليه اليوم التالي لغزة، وخاصة ما يتعلق بنزع سلاح المقاومة، ظهر تباين داخل مواقف الدول العربية المؤثرة:

فهناك رؤية لدول عربية ترى أن دعم غزة وإعمارها ينبغي أن يرتبط بنزع السلاح فيها، كي لا تعود الحرب من جديد تدمر كل شيء مرة أخرى، وهناك رأي ثاني عربي يريد أن يحفظ لحماس وجودها كونها جزء حيوي من الشعب الفلسطيني لا يمكن نزعه ببساطة من المجتمع، لكن من دون سلاح استراتيجي يهدد الكيان الصهيوني بدعوى سحب الذرائع لنيات التهجير، بينما هناك اتجاه ثالث ولكنه محدود يرى أنه لابد من دعم المقاومة في خياراتها.

ولكن هل تستطيع القمة العربية القادمة في القاهرة تجاوز تلك الخلافات؟

يقول أندرياس كريغ الخبير في قسم الدراسات الأمنية في كلية كينغز لندن لفرانس برس: أعتقد أن هذه القمة ستكون الأكثر أهمية منذ فترة طويلة جدا، وبالتأكيد منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ولكن بصرف النظر عن الاختلافات تلك، يبقى المؤتمر القادم للجامعة العربية، فرصة أخيرة للمنطقة العربية بأخذها موقفًا عمليًا ضد التهجير لتكون لها مكانة في العالم قادرة على فرض ارادتها بين الأمم.

أعلى