رغم ما يمثله يحيى السنوار من ثقل قيادي، بوصفه قائد حركة حماس ومهندس عملية طوفان الأقصى، لذا فإن استشهاده وما يخلفه من فراغ، يستعدي عددا من السيناريوهات والتداعيات داخليا وخارجيا على مجريات الحرب القائمة في المنطقة.
إن استشهاد يحيى السنوار، رئيس حركة حماس ومهندس عملية طوفان الأقصى، له تداعيات
ليست هينة على الصراع في غزة، وعلى الحملات الإسرائيلية الأخرى في لبنان والضفة
الغربية المحتلة، وعلى السياسة الداخلية الإسرائيلية.
ومن الواضح أن أحد أكبر التأثيرات المباشرة سيكون على حماس، التي فقدت الآن الكثير
من قياداتها العليا. فقد تولى السنوار، الذي كان بالفعل رئيس جناحها العسكري في
غزة، قيادة المنظمة بعد استشهاد إسماعيل هنية، سلفه، في انفجار قنبلة في دار ضيافة
حكومية في طهران في يوليو/تموز، والذي قامت به إسرائيل.
أهم وأبرز السمات التي زرعها السنوار في
«حماس»
وغيرت شكلها
«الحزم
الشديد»
فقد "كان قائداً شاملا". وقياديا بارعا كما كان يصفه أعضاء بارزين من الحركة.
في إسرائيل، حيث لا يزال كثيرون يلقون باللوم على بنيامين نتنياهو بسبب الإخفاقات
الأمنية في هجمات 7 أكتوبر، فإن مقتل السنوار من شأنه أن يعزز بشكل كبير الموقف
السياسي لرئيس الوزراء ويحشد قاعدة دعمه اليمينية المتشددة. كانت تقييمات نتنياهو
في استطلاعات الرأي تتحسن بالفعل بعد سلسلة من النجاحات التكتيكية في لبنان، بما في
ذلك اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله. وما من شك أنها عملية اغتيال السنوار ستزيد
من شعبيته بشكل أكبر.
|
لا شك أن عملية استشهاد السنوار مقبل غير مدبر ممسكا بسلاحه يواجه عدوه فوق الأرض
وليس داخل الأنفاق، يمثل منتهى الشجاعة والإقدام وهو بذلك يشكل صورة ملهمة لكثير من
الشباب في غزة |
تأثيره على إسرائيل
لا شك أن بعض الإسرائيليين، بما في ذلك العديد من كبار المسؤولين في الجيش وأجهزة
الاستخبارات والحكومة، سوف ينظرون إلى وفاة السنوار باعتبارها لحظة لإعلان النصر في
غزة وإنهاء ما يُنظَر إليه على نطاق واسع باعتباره حملة مرهقة، إذا لزم الأمر. ولكن
من غير الواضح إلى أي مدى قد يحدث هذا الفارق الحقيقي على الأرض.
إن وقف إسرائيل للحرب على غزة بعد اغتيال السنوار، مطلوبها الأول، لا يبدو قريب
المنال فلا توجد إرادة أو رغبة إسرائيلية لوقف الحرب، لأن لديها مشروعا في المنطقة،
وتريد تدمير غزة بالكامل
فإسرائيل قد تعلن قائمة اغتيالات جديدة كمرشحين لخلافة السنوار، لتبقي ذريعة
الاستمرار في الحرب على غزة". فإسرائيل "ستظل لأطول فترة ممكنة حتى تجعل غزة غير
قابلة للحياة الآدمية، وتجبر السكان على الهجرة إلى خارج القطاع".
فمن بين الاحتمالات الضعيفة أن تحظى مفاوضات وقف إطلاق النار بدفعة مؤثرة الآن بعد
رحيل السنوار وهو أحد الأهداف الإسرائيلية التي توعد بها نتنياهو. لكن الحقيقة أن
نتنياهو لطالما أصر على أن الضغط العسكري هو الذي سيعيد نحو مائة رهينة في غزة،
والذين يُعتقد أن نصفهم فقط ما زالوا على قيد الحياة. وليس المفاوضات.
يمكن الولايات المتحدة الآن - إن كانت ترغب بالفعل في وقف الحرب على غزة - أن تضغط
على إسرائيل لإعلان نهاية هجومها على غزة ـ وهو الأمر الذي قد يشكل راحة كبيرة
لخبراء استراتيجيات الحملات الانتخابية للحزب الديمقراطي. ويشكل وقف الحرب دفعة
كبيرة للحزب الديمقراطي داخليا بسبب موقف العرب والمسلمين الرافض لسياسية بايدن
تجاه الحرب على غزة.
ولكن حتى لو قررت إسرائيل إعلان النصر في غزة بوفاة السنوار ــ وهو ما توقعه
المحللون منذ فترة طويلة ــ فقد لا يعني هذا بزوغ فجر "اليوم التالي". فقد أوضح
المسؤولون الإسرائيليون أن سيطرتهم العسكرية وعملياتهم في غزة سوف تستمر طالما رأوا
أنها ضرورية، ولم يتوصل أحد بعد إلى ترتيب سياسي جديد في غزة قد يكون مقبولاً لدى
جميع الأطراف.
وأشاد بيني جانز، عضو البرلمان المعارض، يوم الخميس بمقتل السنوار ووصفه بأنه
"إنجاز مهم"، لكنه أصر على أن الجيش الإسرائيلي "سيواصل العمل في قطاع غزة لسنوات
قادمة".
لقد حولت إسرائيل بالفعل تركيزها إلى المعركة ضد حزب الله في لبنان، وعلى نطاق أوسع
ضد إيران في مختلف أنحاء المنطقة. وحتى الآن رفض نتنياهو أي وقف لإطلاق النار في
الشمال، رغم اغتيال حسن نصرالله قائد حزب الله والعديد من قيادات الحزب في اعتقاد
بأن إسرائيل هي المنتصرة، ولا داعي لدخول مفاوضات، ولم يأمر بعد بالرد على وابل
الصواريخ الذي أطلقته إيران على إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر والذي بلغ 180
صاروخاً . ولا شك أن هذا الرد سوف يأتي في وقت قريب.
تأثيره على المقاومة
لا شك أن عملية استشهاد السنوار مقبل غير مدبر ممسكا بسلاحه يواجه عدوه فوق الأرض
وليس داخل الأنفاق، يمثل منتهى الشجاعة والإقدام وهو بذلك يشكل صورة ملهمة لكثير من
الشباب في غزة،
وهو ما قد يعزز عمليات التحشيد والانضمام إلى حماس وهم في حاجة ماسة إلى قوة بشرية
جديدة حيث تكبدت خسائر كبيرة خلال سنة كاملة من مقارعة العدو.
والحقيقة كما يرى بعض الخبراء العسكريين إن "تأثير اغتيال السنوار، على حركة حماس
سيكون متفاوتا، فمن الناحية المعنوية سيؤثر على أعضاء الحركة، باعتباره الزعيم
السياسي والعسكري والإعلامي، لكن على واقع الميدان لن تتأثر الحركة بقدر كبير، نظرا
لطبيعة الحرب التي فرضت واقع القيادة العنقودية".
فواقع الميدان فرض على حماس حربا شبيهة بحرب الشوارع، وليس حربا نظامية، لذلك فإن
هيكل القيادة يكون عنقوديا، وليس مؤسسيا أو أفقيا"، ويعني ذلك أن كل مجموعة
مقاتلين، هي من تأخذ القرار، وتختار المعارك التي تخوضها على الأرض.
من المرجح أن تنتقل القيادة داخليا في غزة إلى شقيق السنوار الأصغر، محمد (49
عاما)، والذي من المرجح أن يواصل استراتيجية المقاومة تجاه إسرائيل، مع التركيز على
الاحتفاظ بنوع من السيطرة الإدارية في غزة، واستغلال الغضب الدولي إزاء الخسائر بين
المدنيين للضغط على إسرائيل.
لكن ما من شك أن حماس ستضطر الآن إلى البحث عن زعيم عام جديد. ورغم أن خلافة شقيقه
من شأنها أن ترسل رسالة قوية، فإن محمد السنوار سوف يكافح لتوحيد وحشد الحركة. وسوف
يتعين الآن اتخاذ الخيارات الاستراتيجية الكبرى خاصة بعد تغير كثير من معادلات
الواقع بعد الهجمات القوية التي قامت بها إسرائيل ضد حزب الله وأخيرا اغتيال قيادة
بوزن يحيى السنوار.