• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha

كيف استطاعت إسرائيل تنفيذ تفجيرات أجهزة اتصال يستعملها حزب الله مرتين متتاليتين بنفس الطريقة والأسلوب، وكيف استطاعت اختراق تلك الأجهزة والوصول لهذا العدد الكبير من القيادات؟


شهدت منطقة الشرق الأوسط تلك الانفجارات التي هزت لبنان الأيام الماضية، والتي كان لها وقع كبير على دولة لبنان رغم استهدافها في الأصل لعناصر "حزب الله" وحدهم دون غيرهم، والأكثر غرابة في هذا الأمر وقوع تلك التفجيرات على مدار يومين متتالين باستخدام نفس الوسيلة وعبر استعمال ذات الأسلوب في التنفيذ، ولذلك ثمة أسئلة هنا في هذا المشهد تطرح نفسها وتبحث عن إجابات تفصيلية منطقية حول كيفية تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية لعناصر حزب الله، وطريقة وصول هذه الأجهزة لأيديهم، وهل تم التفجير عبر هجوم سيبراني أم عبر تفخيخ لمتفجرات بهذه الأجهزة؟

ولفهم هذا الحدث الكبير وتفاصيله المتداخلة ومآلاته على المشهد برمته وعلى المنطقة بأكملها، وسنحاول الإجابة على هذه الأسئلة عبر قراءة ما تنوى إسرائيل فعله في إطار الحرب الشاملة التي تسعى لها منذ زمن بعيد.

اليوم الأول للتفجيرات

بعد يوم دامٍ أشبه بأفلام الخيال العلمي عاشته لبنان، ظلت الكثير من الأسئلة بلا إجابات حول انفجار آلاف أجهزة البيجر في نفس اللحظة، حيث كان يحملها عناصر لجماعة حزب الله وأسفرت عن مقتل 9 أشخاص وإصابة الآلاف.

توجهت أصابع الاتهام على الفور للاحتلال الإسرائيلي، بالوقوف خلف هذه العملية المعقدة، لكنه التزم الصمت، فلم ينفِ أو يتبنى هذا الهجوم، وتنصل مكتب رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو"، في بيان من منشور لمستشاره توباز لوك، على منصة "إكس" ألمح فيه إلى مسؤولية تل أبيب عن تفجيرات لبنان قبل أن يحذفه.

لذلك اتجهت الأنظار للشركة الأم المصنعة لأجهزة "البيجر"، وهي شركة جولد أبوللو التايوانية، والتي خرجت عن صمتها نافية أن تكون الأجهزة التي انفجرت من تصنيعها، وهو ما زاد الغموض حول طريقة انفجار هذه الأجهزة.

 

 أن انفجارات أجهزة "بيجر" التي كان يحملها مسلحو حزب الله بشكل متزامن في جميع أنحاء لبنان أظهرت أن إسرائيل نجحت في تحويل التكنولوجيا المتقدمة إلى "حصان طروادة

اليوم الثاني على التوالي

في مشهد شبيه بأفلام الأكشن التي تنتجها هوليود ولليوم الثاني على التوالي انتشرت مشاهد تفجير للأجهزة اللاسلكية التي يحملها عناصر "حزب الله" أثناء تشييعهم جنازة أحد العناصر التي قُتلت نتيجة تفجير جهازه اللاسلكي "بيجر" في اليوم السابق، فكانت النتيجة في نهاية هذا اليوم مقتل 25 شخصًا وإصابة 450 آخرين، جراء موجة تفجيرات جديدة ضربت أجهزة اتصال لاسلكية من نوع "أيكوم" في أنحاء لبنان، وجاءت هذه التفجيرات غداة تفجيرات مماثلة ضربت أجهزة المناداة الإلكترونية "بيجر"، وأدت إلى مقتل 12 شخصًا، بينهم طفلان، وإصابة نحو 2800 آخرين، منهم 300 بحالة حرجة.

ودون إيضاحات عن كيفية هذه التفجيرات، حمّلت الحكومة اللبنانية و"حزب الله" إسرائيل المسؤولية عن تفجيرات "بيجر" و"أيكوم"، وتوعدها الحزب بـ"حساب عسير" في أقرب وقت.

لماذا الأجهزة اللاسكية؟

عندما استهدفت إسرائيل كبار قوات الكوماندوز التابعة لحزب الله باغتيالات سابقة في لبنان، توصل زعيمهم "حسن نصر الله" إلى استنتاج مفاده أن إسرائيل تعتمد التكنولوجيا الفائقة مما يسهل عليها اغتيال قادة وعناصر تنظيمه بشكل سهل للغاية، لذلك كان على الحزب التقليل من استخدام هذه التكنولوجيا، وكان "نصر الله" يضغط منذ سنوات للاستثمار بدلًا من ذلك في أجهزة "بيجر" اللاسلكية، التي على الرغم من كل قدراتها المحدودة إلا أنها يمكنها تلقي البيانات دون الكشف عن موقع المستخدم، وذلك وفقًا لتقديرات الاستخبارات الأمريكية التي تستخدم الأجهزة ذاتها هي الأخرى.

وقد أثارت التقارير الواردة من حلفاء الحزب حول حصول إسرائيل على وسائل جديدة لاختراق الهواتف الجوالة، وتفعيل الميكروفونات والكاميرات عن بُعد للتجسس على أصحابها بعض المخاوف لدى "نصر الله"، فلم يحظر الهواتف الجوالة في اجتماعات "حزب الله" فحسب، بل أمر أيضًا بعدم تبادل تفاصيل تحركات الحزب وخططه عبر الهواتف الجوالة.

بعد نجاح "نصر الله" في تعميم فرض استخدام الأجهزة اللاسلكية بدلًا من الهواتف النقالة لعناصر جماعته "حزب الله"، رأى مسؤولو المخابرات الإسرائيلية فرصة في ذلك وبدأوا في وضع خطتهم المحكمة لتنفيذها في الوقت المناسب لهم، بل ويرى بعض المحللين أنهم قرروا الشروع في هذه الخطة المعقدة حتى قبل أن يقرر "نصر الله" توسيع استخدام جهاز النداء اللاسلكية.

الحقيقة تكشفها نيويورك تايمز

"كيف بنت إسرائيل حصان طروادة العصر الحديث؟" بهذا السؤال عنوّنت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالها الذي كشفت فيه عن كثير من الأسرار المخفية حول وقائع التفجيرات في لبنان، فقالت الصحيفة إن إسرائيل لم تعبث بأجهزة "بيجر" التي اشتراها حزب الله وانفجرت في معاقله وبين أيدي مسلحيه، بل صنعتها عبر ضباط مخابراتها كجزء من حيلة متقنة وخطة مدروسة بعناية فائقة.

وذكرت الصحيفة أن انفجارات أجهزة "بيجر" التي كان يحملها مسلحو حزب الله بشكل متزامن في جميع أنحاء لبنان أظهرت أن إسرائيل نجحت في تحويل التكنولوجيا المتقدمة إلى "حصان طروادة" حديث تستعمله بدقة كبيرة في صراعها المستمر ضد جماعة "حزب الله" المدعومة من إيران.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن 12 شخصًا من مسؤولي الدفاع والاستخبارات الحاليين والسابقين الذين تم إطلاعهم على الهجوم قولهم إن الإسرائيليين كانوا وراء الهجوم، واصفين العملية بأنها معقدة وطويلة التحضير، وقد تحدثوا إلى الصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم نظرًا لحساسية الموضوع.

الخطة التي وضعتها إسرائيل

لفتت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن إسرائيل كانت قد وضعت خطة لإنشاء شركة دولية وهمية تتظاهر بأنها تنتج أجهزة "بيجر"، وأوضحت الصحيفة أن شركة (BAC Consulting)، والتي كان مقرها المجر كانت متعاقدة لإنتاج الأجهزة نيابة عن شركة (Gold Apollo) التايوانية، وقال 3 ضباط استخبارات مطلعين على العملية للصحيفة إن شركة "BAC Consulting" كانت جزءًا من واجهة إسرائيلية، ولفتوا إلى أن شركتين وهميتين أخريين على الأقل تم إنشاؤهما أيضًا لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة النداء.

ووفق ما نقلت الصحيفة عن ضباط الاستخبارات فإن الخطة سارت كما كان مخطط لها بدقة شديدة، حيث تعاملت شركة (BAC) مع عملاء عاديين، وأنتجت لهم مجموعة من أجهزة النداء بشكل طبيعي، لكن العميل الوحيد الذي كان الاهتمام به على غير العادة هو "حزب الله"، وقد أُنتجت له أجهزة النداء بشكل منفصل، وكانت تحتوي على بطاريات مملوءة بمادة (PETN) المتفجرة، ووفقًا للصحيفة فقد بدأ شحن أجهزة النداء إلى لبنان في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكن الإنتاج تم تكثيفه بعد أن حظر "نصر الله" استخدام الهواتف الجوالة.

وبحسب ما نقلت الصحيفة عن مسؤولين في الاستخبارات والدفاع، فقد قامت إسرائيل بتشغيل أجهزة النداء التي كان يحملها عناصر "حزب الله" لإطلاق صفارات الإنذار، وأرسلت لهم رسالة باللغة العربية بدت كأنها صادرة عن كبار قادة "حزب الله" وبعد ثوانٍ معدودة انفجرت تلك الأجهزة.

المصادر اللبنانية تؤكد الخطة

قال مصدر لبناني مطلع على مكونات أجهزة "الوكي - توكي" -المتفجرة في اليوم الثاني والتي كانت تستخدمها جماعة حزب الله- لرويترز: "إن بطاريات هذه الأجهزة كانت ممزوجة بمركب شديد الانفجار يعرف باسم (PETN)"، وذكر المصدر أن الطريقة التي تم بها زرع المادة المتفجرة في البطارية جعلت من الصعب للغاية اكتشافها.

(PETN) هي اختصار لـ(رباعي نترات خماسي إريثريتول)، وهي مادة شديدة الانفجار بالإضافة إلى كونها تستخدم بوصفها متفجرات بلاستيكية، وهناك استخدام طبي لها كدواء موسع لأوعية القلب في ظروف معينة، حيث تستخدم لعلاج الذبحة.

يأتي هذا التأكيد اللبناني في وقت كشفت فيه كل من صحيفة "نيويورك تايمز" وشبكة "إيه بي سي نيوز" الأمريكيتين نقلًا عن مصدر استخباراتي أمريكي بأن إسرائيل كانت لها يد في تصنيع أجهزة بيجر التي انفجرت في أعضاء من حزب الله، مؤكدًا أن مثل هذا الاختراق "خُطِّط له منذ 15 عامًا على الأقل".

كلمة أخيرة

بلا شك أن هذا الخرق الأمني الذي حدث في لبنان ليس مجرد استهداف لحزب الله فحسب، بل هو يحمل رسالة مبطنة لإيران -الداعم الأكبر لحزب الله - بأن إسرائيل تسعى من خلال هذه الأفعال إلى توسيع دائرة الصراع وربما دفع منطقة الشرق الأوسط نحو حرب شاملة، وفي ذات الوقت يسعى نتنياهو من خلال هذه الممارسات إلى إسكات أصوات المعارضة الداخلية التي تتهمه بالفشل جراء هزيمته في الحرب البرية بقطاع غزة، وبالتالي فإن موقف "حزب الله" ربما يكون صعبًا لأنه يتوجب عليه الرد ولكنه في ذات الوقت لا يريد ان ينجر لحرب إقليمية، لكن الأيام القادمة سوف تخبرنا بالقرار الذي اتخذه "حزب الله" للحفاظ على ماء وجهه على الأقل بعد هذه التفجيرات التي وضعته في موقف حرج للغاية.

 

أعلى