• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء زيارة الرئيس المصري لتركيا

جاءت زيارة الرئيس المصري إلى تركيا تحمل العديد من الملفات والقضايا المشتركة، ولكن تبقى قضية غزة والمنزلق الخطير التي تمر به المنطقة نتيجة هذه الحرب أحد أهم محاور هذا اللقاء، وثمة ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين بخصوص هذا العدوان المتصاعد


"المرحلة الجديدة التي أطلقتها تركيا في علاقتها مع مصر ستكون لصالح غزة"

هذا ما قاله الرئيس التركي رجب أردوغان في الأيام الماضية، خلال النسخة الـ 21 من مؤتمر طلاب مدارس الأئمة والخطباء بولاية قوجا إيلي، شمال غربي تركيا.

وشدد أردوغان على أنه "في مثل هذه الفترة الحرجة، يجب على الدول الإسلامية أن تستيقظ، وتدرك الخطر، وتتعاون فيما بينها".

وأوضح قائلا: "قلت سابقاً إن إسرائيل لن تتوقف في غزة، وإذا استمرت هكذا فإنها ستضع أعينها على أماكن أخرى بعد احتلال رام الله".

وتابع: "سيكون الدور على دول أخرى في المنطقة، سيأتي الدور على لبنان وسوريا، وستكون أعينهم (إسرائيل) على وطننا أيضاً بين نهري دجلة والفرات، فهم يتحدثون عن ذلك علانية بالخرائط التي يعرضونها".

وكرر أردوغان أن الإسرائيليين "أعلنوا أنهم لن يكتفوا باحتلال غزة، ولذلك نقول إن حماس تقاوم نيابةً عن المسلمين، لأنها تدافع عن الأراضي الإسلامية بما فيها تركيا".

كثيرون يعتبرون هذا الكلام خطيرا، خاصة أن أردوغان في تحليله، يتحدث عن الدور والخدمات التي تقدمها المقاومة الفلسطينية للمسلمين في صمودها في حرب غزة.

ولكن الذي لم يكن مفهوما، هو حديثه بخصوص أن علاقة تركيا مع مصر ستكون لصالح غزة!

فكيف يمكن فهم أن العلاقة المستعادة بين مصر وتركيا يمكن أن تكون لصالح غزة؟ خاصة أن كلمة أردوغان جاءت في اليوم التالي لانتهاء زيارة الرئيس المصري لتركيا.

لمحاولة معرفة ما يقصده أردوغان يجب علينا فهم التوتر الحادث الآن في العلاقات بين دولة الكيان والحكم المصري، وكيف ستستطيع تركيا مساعدة غزة من خلال مصر.

 

وقد أخذ التصعيد بين الطرفين منحى جديدًا عندما اتهمت وزارة الخارجية المصرية نتنياهو، بمحاولة إقحام مصر لتشتيت الرأي العام الإسرائيلي وعرقلة وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، بالإضافة إلى إعاقة مساعي الوساطة التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة

خلفيات التوتر في العلاقات المصرية الصهيونية

هناك عدة قرائن تدل على تصاعد التوتر في العلاقات المصرية مع دولة الكيان: فبعد طوفان الأقصى لم يتحدث نتنياهو والسيسي معا حتى ولو هاتفيا، بخلاف ما قبل الطوفان حيث كانت علاقات الرجلين وثيقة.

فنتانياهو يشعر أن الجانب المصري يلعب لعبة مزدوجة، وهذا ما ضجت به مؤخرا، وسائل الإعلام الصهيونية عبر الصحف والقنوات، في أعقاب إصرار نتانياهو على البقاء في فيلادليفيا.

ولكن في نفس الوقت فإن كبار المسؤولين الأمنيين الصهاينة، سواء في الجيش أو الشاباك أو الموساد، يحافظون على علاقة مهنية مستدامة مع نظرائهم في مصر، مما يساعد على صياغة الترتيبات التكتيكية، وتهدئة وقع الأزمات ومنع حدوث تدهور أكثر خطورة في العلاقة بين البلدين.

وقد أخذ التصعيد بين الطرفين منحى جديدًا عندما اتهمت وزارة الخارجية المصرية نتنياهو، بمحاولة إقحام مصر لتشتيت الرأي العام الإسرائيلي وعرقلة وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، بالإضافة إلى إعاقة مساعي الوساطة التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة، كما قالت إن ادّعاء نتنياهو يهدف إلى مفاقمة الوضع وأنه يهدف إلى تبرير السياسات العدوانية والتحريضية التي تؤدي إلى مزيد من التصعيد في المنطقة.

وفي اليوم التالي لبيان الخارجية المصرية، وفي أثناء حديثه إلى الصحافة الأجنبية، صعَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اتهاماته للقاهرة بأنها مكّنت حماس من تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة على مدى سنوات، وهو موقف من جانبه، كفيل بأن يهدد التعاون الأمني ​​الوثيق بين البلدين.

وعرض نتانياهو خريطة لمنطقة الحدود بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء بمصر، وأشار عليها إلى أماكن تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية.

وقال نتنياهو إنه عندما انسحبت إسرائيل من جانب واحد من جميع المستوطنات في قطاع غزة وأنهت وجودها العسكري في القطاع عام 2005، أصبح ممر فيلادلفيا سهل الاختراق بشكل كامل. وأضاف: "كانت الحدود الأخرى تحت سيطرتنا. ولكن بمجرد اختراق هذا الممر، على الرغم من أن سياسة مصر كانت تقوم على منع ذلك، كما تعلمون، ولكن الأمر لم ينجح بالضرورة؛ نعم، لم ينجح". وأضاف أيضاً: "بمجرد أن غادر جانبنا من ممر فيلادلفيا، دخلت الذخيرة، ودخلت معدات تصنيع الأسلحة، ودخلت معدات حفر الأنفاق".

 

تصريحات نتنياهو هي جزء من استراتيجيته لصرف الانتباه عن مطالبة الجمهور الإسرائيلي له بتحمل المسؤولية عن الإخفاقات التي أدَّت إلى هجوم السابع من أكتوبر، فيحاول نتنياهو إلقاء اللوم في هذا الوضع على المصريين فقط لأن هذا أسهل من تحمل المسؤولية عن ذلك

ولكن في اليوم الذي يليه، وفي إشارة أخرى موجَّهة إلى إسرائيل، قام رئيس الأركان المصري أحمد فتحي خليفة يوم الخميس بزيارة غير معلنة مسبقاً إلى معبر رفح على الحدود بين مصر وقطاع غزة. وقال بيان صادر عن الجيش المصري إن خليفة ذهب لفحص الوضع الأمني ​​والإجراءات المتّخَذة على طول الحدود المصرية مع القطاع الفلسطيني".

وكمؤشر على تدهور العلاقات بين الجانبين، تأخرت موافقة الحكومة المصرية على اعتماد السفير الصهيوني الجديد في القاهرة، وبالتالي تأخر قدومه إلى مصر.

كما امتنعت مصر مؤخرا عن استضافة المفاوضات بين الكيان وحماس، واكتفت بالذهاب إلى الدوحة في هذه المحادثات.

ولكن الأزمة مع إسرائيل أعمق من فيلادلفيا، هكذا دار تحليل صحيفة المونيتور الأمريكية للكاتبة رينا باسيست، تحت عنوان: "مصر سئمت من نتنياهو".

وتقول الصحيفة إن تصريحات نتنياهو هي جزء من استراتيجيته لصرف الانتباه عن مطالبة الجمهور الإسرائيلي له بتحمل المسؤولية عن الإخفاقات التي أدَّت إلى هجوم السابع من أكتوبر، فيحاول نتنياهو إلقاء اللوم في هذا الوضع على المصريين فقط لأن هذا أسهل من تحمل المسؤولية عن ذلك، على الرغم من أن هذه هي مسؤولية أمنه وحكومته.

وبحسب الصحيفة، فإن هناك خطرًا حقيقيًّا يتمثل في أن نتنياهو يتعامل مع مصر وكذلك مع الأردن ودول الخليج على أنه أمر مسلم به، وذلك بافتراض أن هذه الدول سوف تستمر في تحمُّل سياساته وانتقاداته العلنية. ولكن على القاهرة كما تقول الصحيفة، أن تأخذ في الاعتبار الرأي العام وهي تمضي في خضم علاقاتها مع إسرائيل وتتخذ القرارات بشأن الحدود مع قطاع غزة.

وقالت الصحيفة، إذا استمر نتنياهو في سياساته تجاه غزة، وفي الطريقة التي يدير بها الحرب، فإن الشارع المصري سوف يدفع تجاه إتاحة مساحة أقل للقاهرة من أجل المناورة للتحرك حول ذلك. وقد يؤدي الضغط الذي يمارسه الشارع إلى تقليص خيارات الحكومة المصرية في هذا الأمر.

ولكن التصعيد بين الطرفين استمر، فمنذ أيام أصدر جيش الاحتلال الصهيوني بيانا زعم فيه أنه استطاع تدمير ١٣ كيلومتر من الأنفاق، كما أغلق ٨٠ ٪ من فتحات الأنفاق على طول محور فيلادليفيا.

ونشر الاحتلال خريطة تبين مواقع هذه الأنفاق على طول الحدود المصرية، ولم يكن نشر ذلك البيان فقط جزء من الحرب النفسية التي يشنها على المقاومة وأهل غزة، أو رسالة موجهة إلى حكومة نتانياهو أنه لم يعد هناك فائدة من البقاء في محور فيلادليفيا، ولكن نشر تلك البيانات كان موجها أيضا إلى الجانب المصري.

فبيان الجيش الصهيوني تمت الإشارة فيه إلى مواقع الجيش الصهيوني على طول محور فيلادليفيا، أي على طول الحدود المصرية.

ومغزى تلك الرسالة المُتحَديّة، أن قوات الصهاينة قد ثبتت نفسها في تلك النقاط على غير الرغبة المصرية المعلنة برفض ووجود للجيش الصهيوني على الحدود، لأن ذلك يعتبر نقضا لاتفاقية كامب ديفيد بين الكيان ومصر عام ١٩٧٩، والملحق الذي تم إلحاقه بها في عام ٢٠٠٥، عندما انسحب الجيش الصهيوني من قطاع غزة وسمح بتواجد قوات من الجيش المصري على الحدود مع غزة، بعكس باقي الحدود المصرية مع الكيان والتي يتم نشر على طولها من الطرفين قوات من شرطة الدولتين.

فنشر خرائط تواجد قوات جيش الكيان الصهيوني على الحدود هو خرق لتلك الاتفاقية.

ويبدو أن الوضع العسكري الصهيوني الجديد قد تمت الموافقة عليه من الجانب الأمريكي، الذي سارع في نفس يوم نشر خريطة وجود الجيش الصهيوني على الحدود المصرية، بالإعلان عن تقديم المعونة الأمريكية العسكرية السنوية كاملة إلى الجيش المصري والتي تبلغ ١.٣ مليار دولار، بعد أن ظل الأمريكان طوال الأربع سنوات الماضية يقتطعون منها جزء بحجة تدهور حقوق الإنسان في مصر وقمع الحريات.

فالإدارة الأمريكية تريد من تلك الخطوة إرسال رسالة إلى الحكومة المصرية مفادها أن المعونة العسكرية ستأتيكم كاملة هذه المرة نظير تغاضيكم عن الوجود العسكري الصهيوني على طول محور فيلادليفيا، وخرقه لاتفاقية كامب ديفيد.

كما أن خبر تقديم المعونة كاملة قد أتي أيضًا، في أعقاب صدور بيان جديد من منظمة تدعى كتائب الفاروق في سيناء، وهي جماعة لها قناة على تليجرام ومنصة "إكس"، تزعم قيامها منذ عدة أشهر باغتيال عميل صهيوني في مدينة الإسكندرية، ثم صدر لها إصدار مصور حديث يتوعد بتوجيه ضربات للجيش الصهيوني ردًا على اعتداءاته على أهل غزة، ولكن كثيرًا من المراقبين يعتبرون أن تلك المنظمة تابعة للمخابرات المصرية، تستخدمها لرد غير رسمي على تجاوزات الجيش الصهيوني وإقدامه على قتل جنود مصريين في الأيام الماضية، فيما يبدو في مناوشات متبادلة غير معلنة تمت بين الجيشين على طول حدود رفح وكذلك الحدود مع صحراء النقب.

تركيا ومصر وغزة

يبدو أن الدعم التركي لغزة عبر مصر، هو بمثابة رسالة تهديد للكيان الصهيوني ومن يدعمه، وهذا على ما يبدو ما فهمه المستوى السياسي في دولة الكيان الصهيوني، فقد أبلغ مصدر دبلوماسي صهيوني صحيفة المونيتور الأمريكية بأن دولة الكيان تتابع عن كثب التقارب الناشئ بين مصر وتركيا، وتشتبه في أن البلدين قد ينسقان في إجراءات مستقبلية بشأن غزة.

خاصة أن الجميع يعلم أن تدخلات تركيا العسكرية السابقة، كانت تبحث دائما عن حليف على الأرض سواء جار لمنطقة النزاع أو طرف فيها، ليتم تبرير ذلك التدخل العسكري، ولعل مثال التدخل العسكري التركي في أذربيجان وليبيا نموذجان مثاليان لهذا المحور.

لذلك جرى في الأيام السابقة في بعض وسائل الإعلام المصرية تسريب إرهاصات تحالف مصري قطري تركي يجري صياغته، يقوم على التعاون في الاستثمارات في سيناء، على شكل صناعات وتنمية اقتصادية واعدة، بل امتد الأمر إلى إقامة مشاريع إسكان كثيفة في سيناء لتسكين عدد كبير من المصريين في شبه الجزيرة، والذين سيكونون ككتلة سكانية بمثابة إحباط أي مشروعات تهجير محتملة للفلسطينيين.

لذلك فإنه ومن هنا يمكن تفسير مسارعة الولايات المتحدة لإرجاع الجزء المقتطع من المعونة العسكرية المقدمة إلى الجيش المصري والتي ربما تكون من بين أسبابها، محاول جر مصر بعيدًا عن ذلك التحالف المتوقع.

كذلك تم التلويح بإدخال تركيا كطرف في المفاوضات غير المباشرة الجارية بين حماس والكيان الصهيوني، وربما توافق أمريكا على ذلك الخيار رغبة منها لإبعاد تركيا عن التفكير بوضع خطط لأي تدخل عسكري في حرب غزة.

 

أعلى