• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الغاز مقابل غزة!

هل تلعب أزمة الغاز في مصر دورًا في أحداث غزة، خاصة ما يتعلق بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح، هل يملك الجانب الصهيوني أوراق تأثير في هذا الملف يضغط بها على الجانب المصري، وما هو رد النظام المصري على محاولات ابتزازه هذه؟


بهذه المعادلة حاول الكيان الصهيوني فرض إرادته على مصر في الأيام الماضية.

عند اجتياح جيش الكيان الصهيوني رفح منذ عدة أسابيع، كان همه الأول احتلال محور فيلادلفيا والسيطرة على معبر رفح وهو المتنفس الوحيد لغزة الذي لا يقع تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني، والذي عبره تدخل المساعدات إلى القطاع من الأراضي المصرية، كما يتم من خلاله انتقال المرضى الفلسطينيين، وتتدفق طواقم الأطباء والفرق الطبية إلى داخل غزة لتساهم في علاج المصابين، بينما تتحدث بعض المصادر عن انتقال السلاح إلى المقاومة عبر الأنفاق بين سيناء وغزة.

ولربما ولهذا السبب استهدف الاحتلال هذا المعبر ليسيطر عليه وعلى طول محور فيلادلفيا، خاصة وأنه عند دخوله إلى المحور ومن ثم احتلاله المعبر، تعمد استفزاز الجانب المصري، بنشره صورًا ملتقطة من طائرة استطلاع صهيونية، وهي تستعرض الجانب المصري من المعبر، كما ظهرت مدرعة صهيونية وهي ترفع علمًا صهيونيًا ضخمًا، الأمر الذي اعتبره المصريون استعراضًا وتحديًا.

ولم يكتف الصهاينة بذلك، بل شرعوا في إقامة محور جديد موازٍ شرق محور فيلادلفيا، يمتد من نقطة كرم أبو سالم حتى البحر المتوسط، وأطلقوا عليه محور ديفيد أو داوود، وبذلك أتم الجيش الصهيوني عزل غزة عن مصر، خاصة أنهم يشرعون الآن في تزويد المحور الجديد، بأدوات وتجهيزات لكشف الأنفاق أو الحيلولة دون بناء أنفاق جديدة.

وبالرغم من السكوت المصري رغم التهديدات التي تم أطلاقها قبل اجتياح رفح بأن محور فيلادلفيا خط أحمر، إلا أن الصهاينة تمادوا وطلبوا من الحكومة المصرية التنسيق معهم لفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، كما طلبوا إرسال قوات مصرية ضمن قوة عربية مشتركة لدخول القطاع ضمن خطة إيجاد بديل عن حماس يضبط القطاع ويسيطر عليه بعيدا عن المقاومة الفلسطينية.

ولكن الحكومة المصرية رفضت هذه الطلبات، وطالبت الكيان بالانسحاب من المعبر ومن محور فيلادلفيا وتسليمه للسلطة الفلسطينية أو أي طرف فلسطيني، كما أنها رفضت إرسال قوات أو دعم أي قوات عسكرية تدخل قطاع غزة، إلا بالتوافق مع أهلها، في إشارة إلى حماس.

وبالرغم من دخول أطراف عربية وغربية لتعزز الضغوط الصهيونية، إلا أن الطرف المصري رفض التخلي عن الورقة الفلسطينية باعتبارات تتعلق بأن تلك الورقة هي الوحيدة التي تجعل له دورًا إقليميًا، كما تتعلق أيضًا بتماسك النظام نفسه في ظرف صار فيه مهددًا بانهيار اقتصادي بعد تفاقم مشكلة الديون الخارجية وانهيار العملة.

 

 ففي تقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، تحدث وزير الطاقة الصهيوني على أن الحكومة الصهيونية قررت زيادة صادرات الغاز إلى مصر لتحقيق أهداف دبلوماسية ولكنه لم يقل ما هي تلك الأهداف.

ومع تزايد تورط الصهاينة في مستنقع الحرب في غزة، وعجزهم عن تحقيق انتصار استراتيجي على المقاومة الفلسطينية، وتحقيق هدف إيجاد بديل لحماس، واشتراط أي قوة عسكرية إقليمية بديلة موافقة الجانب المصري، لجأ الصهاينة لخيار الضغط على المصريين بورقة الغاز.

لقد ظهر أثر ذلك الابتزاز الصهيوني، عندما أعلنت الحكومة المصرية عن خطط لقطع الكهرباء عن المدن والقرى المصرية لعدة ساعات يوميًا لأجل لم يحدد.

ولم يتعلق الأمر بالكهرباء المنزلية، بل امتد الأمر إلى المصانع، فأعلنت العديد من مصانع الأسمدة الكبرى عن توقفها عن العمل بسبب نقص امدادات الغاز الذي يلزم لتشغيل تلك المصانع، وهي المصانع التي يتم تصدير إنتاجها من الأسمدة بأكثر من ملياري دولار سنويا.

بينما جاء تبرير الحكومة لانقطاع الغاز اللازم لمحطات الكهرباء والقادم من حقل للغاز في دولة مجاورة لمشاكل فنية تتعلق بهذا الحقل، وتحدثت مصادر إخبارية أن هذه الدولة هي الكيان الصهيوني، ومما يؤكد هذه المعلومة أن مصر تستورد الغاز فقط من هذا الكيان.

ولكن لماذا حشرت الحكومة المصرية نفسها في تلك الزاوية؟ لماذا تحولت مصر من دولة منتجة بل مصدرة للغاز إلى دولة مستوردة ترهن أمنها القومي عند عدوها الاستراتيجي؟

حقائق غاز مصر

فجأة في عام ٢٠١١ تحولت مصر من دولة مصدرة للغاز إلى دولة مستوردة له.. كيف حصل هذا التحول؟

حتى عام ٢٠١٠ كانت مصر دولة مصدرة للغاز، ومنذ سنة ٢٠٠٢ وحتى سنة ٢٠١٠ أي ثمان سنوات، فإن شركة وود ماكنزي وهي شركة عالمية متخصصة في الطاقة ظلت تصدر تقريرا سنويا عن احتياطات الغاز في مصر، وملخصه أن هذا الاحتياطي يكفي الاستهلاك المحلي المصري، بل إنه يمكن مصر أيضا من تصدير الغاز إلى فترة لا تقل عن ٣٥ عاما.

وفجأة في منتصف سنة ٢٠١١ اختفى الغاز من مصر، واضطرت الحكومة وقتها ممثلة في المجلس العسكري إلى الاتصال بقطر وغيرها من دول الخليج لإمداد البلاد باحتياجها من الغاز المسيل والنفط.

وحينها لم يستطع أحد أن يعطي تفسيرًا مقنعًا أو يفسر أسباب نضوب حقول الغاز المصري في خلال سبعة شهور، مع أن الحقائق العلمية تقول إن النضوب هذا يحتاج إلى سنوات لكي يتحقق.

وعندما سئل وزير البترول المصري وقتها ماذا حدث لتلك الحقول، أجاب بإجابة اندهش لها الجميع، فقال لا نعلم إحداثيات الآبار في تلك الحقول، وحتى لو عرفنا هذه الإحداثيات لن نستطيع الوصول لها لأنها على أعماق كبيرة تتراوح من ١٥٠٠ إلى ٢٥٠٠ متر تحت سطح البحر، وهذا أشعل التكهنات داخل مصر بأن مؤسسة سيادية ما، هي التي أغلقت تلك الآبار.

ولكن في العشرة الأعوام الأخيرة تجدد الحديث مرة أخرى عن إمكانيات بدأ يتم اكتشافها للغاز في مصر.

فتم الإعلان عن اكتشافات ضخمة للغاز كان على رأسها حقل ظهر.

يمثل هذا الحقل أكثر من 40% من إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، ومع اكتشاف الحقل في 2018 حدثت انفراجة كبيرة، وبدأت مصر في تصدير الغاز، ولكن سوء إدارة مصر لحقل ظهر أدى إلى تفاقم الخلافات بين الحكومة وشركة ايني الإيطالية التي اكتشفت الحقل وتديره، الأمر الذي جعل الشركة تنسحب من السوق المصري، لعدم حصولها على 1.6 مليار دولار مستحقات لها لدى الحكومة المصرية.

بينما أرجع خبير الطاقة ومهندس البترول بإحدى شركات البترول الأجنبية في مصر، أحمد السعدي، لموقع الحرة أن من أهم أسباب تلك الأزمة، تكثيف استخراج الغاز من الحقل بشكل أسرع من المعدلات الطبيعية تسبب في حدوث عدة أخطاء مثل تسرب المياه الأمر الذي نتج عنه خروج عدد من الآبار عن العمل ما أسفر عن تراجع إنتاج الغاز.

وقبل ضجة انسحاب الشركة الإيطالية وتوقف حقل ظهر، تم الإعلان عن استيراد مصر للغاز الإسرائيلي ليس كما قالته مصر وقتها أن استيراد الغاز كان لإعادة تصديره لأوروبا بعد إعادة تسييله، ولكن اكتشفنا في هذا العام وبعد عدة شهور من حرب غزة أن مصر كانت تستورد هذا الغاز للإنتاج المحلي، لأنه بمجرد أن أوقف الكيان الصهيوني تصدير الغاز توقفت عدد كبير من المحطات المغذية للكهرباء في مصر مما أدى إلى ساعات الإظلام الطويلة، أي أن الغاز الإسرائيلي كان للاستهلاك المحلي وليس للتصدير كما قيل في البداية.

وأكد هذا الكلام رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي برر انقطاع الكهرباء في مصر بأن أحد الحقول في دولة من دول الجوار قد خرج من الخدمة، وحصل عطل فني وتوقّف فجأة لمدة 12 ساعة.

وقال موقع "القاهرة 24" المصري ، إن تصريحات رئيس الوزراء المصري أثارت تساؤلات العديد من المواطنين، عن حقل الغاز الذي تعرض إلى أزمة لمدة 12 ساعة، والذي قال رئيس الوزراء أنه يقع داخل إحدى مناطق الجوار دون ذكر اسمه أو ذكر المنطقة أو الشركة المشغلة للحقل، ولمح الموقع بأن الحقل هو حقل إسرائيلي.

ولا يقتصر التقصير في إدارة ملف الغاز على هذا الأمر، بل أن هناك كثيرًا من الدراسات أثبتت أن الحقلين التي يدعي الكيان الصهيوني ملكيته لهما، ويتم تصدير الغاز لمصر من أحدهما، ترجع ملكيتهما أصلاً لمصر، وتم التفريط والتغاضي عنهما في ٢٠٠٣ بعد أن تم ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، والذي أسفر عن خروج هذين الحقلين من المياه الخاصة بمصر وبعدها مباشرة أعلن الكيان الصهيوني عن اكتشاف الحقلين.

والآن تشتري الحكومة المصرية الغاز منهما بضعف السعر العالمي.

مستقبل أزمة الغاز

أوردت وكالات الأنباء أن الإمارات قد أعلنت عن خطط جديدة لإمداد الغاز إلى مصر، وفي أعقاب تلك الأنباء، ذكرت مصادر إخبارية أن الإمارات والأردن ومصر سترسل قوات مشتركة إلى غزة.

ولكن يبدو أن القيادة المصرية قد اتجهت اتجاها آخر، لتفتح لنفسها طريقًا غير الطريق الصهيوني لاستيراد الغاز، فتعاملت مع عقود جديدة لدول أخرى من السوق الدولي لتستورد منها الغاز المسال ولتبتعد عن الابتزاز الصهيوني بخصوص غزة.

فقد نقلت وكالة رويترز، إنه جرت ترسية عطاء مصري لشراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال للتسليم خلال الصيف من منصة تجارة الغاز الهولندية.

وقالت المصادر إن مصر تسعى للحصول على ثلاث شحنات أخرى للتسليم بين أغسطس وسبتمبر.

وعلى ما يبدو أنه رد على حملة الضغط الصهيوني، فقد نقل التليفزيون المصري عن مصدر أمني رفض مصر ارسال قوات إلى غزة.

وهذا ما دفع الكيان الصهيوني للتراجع حتى لا يفقد ورقة الابتزاز تلك.

ففي تقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، تحدث وزير الطاقة الصهيوني على أن الحكومة الصهيونية قررت زيادة صادرات الغاز إلى مصر لتحقيق أهداف دبلوماسية ولكنه لم يقل ما هي تلك الأهداف.

وقال الوزير بالحرف إن مضاعفة كمية الغاز الأحفوري المصدرة سيزيد من إيرادات الدولة ويحسن العلاقات الدبلوماسية.

ولكن المفاجأة جاءت من حجم تلك الزيادة أيضا، فقد أعطت وزارة الطاقة الإسرائيلية الضوء الأخضر المبدئي لتصدير 118 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الأحفوري من حقل ليفياثان، بالإضافة إلى 105 مليار متر مكعب التي كانت تسمح بها الهيئة التنظيمية للصادرات التابعة للكيان الصهيوني حاليا.

والسؤال الآن هل سيواصل الجانب المصري صموده في مواجهة الضغوط الصهيونية، حتى لا يفقد الفلسطينيين الحد الأدنى من الدعم البعيد عن التحكم والسيطرة الصهيونية؟

أعلى