تتعرض حكومة نتنياهو لكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، وضرت الاستقالات المؤسسة العسكرية وتزايدت قوى المعارضة، وخارجيا تلاحقت الإدانات من المؤسسات الدولية كالعدل الدولية والمحكمة الجنائية فإلى أي مدى يمكن لحكومة نتنياهو الصمود؟
في التاسع من حزيران / يونيو أعلن كل من، بيني غانتس وغادي ايزنكوت، زعماء حزب
"الصمود الصهيوني" استقالتهم من مجلس الحرب على خلفية خلافات إدارة الحرب بينهم
وبين رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وقضية تجنيد الحريديم "اليهود المتدينين" التي
يعارضها المتشددون اليهود وشركاؤهم في الحكومة الصهيونية المتطرفة، كما قدّم الوزير
الصهيوني، حيلي تروبير من حزب "معسكر الدولة" استقالته أيضًا من حكومة الحرب
الصهيونية، وكان قائد فرقة غزة في الجيش الصهيوني، آفي روزنفيلد قد أعلن في وقت
سابق استقالته بسبب فشله في حماية المستعمرات الصهيونية خلال هجوم السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر الماضي.
وفي الحادي عشر من الشهر الحالي، صوت الكنيست الصهيوني لصالح مشروع قانون التجنيد
الذي يسعى نتنياهو لتمريره، لإعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية، حيث صوت
لصالحه (63) نائبا، فيما عارضه (57)، ومن المقرر أن يحال مشروع القانون إلى لجنة
الخارجية والأمن لمزيد من المداولات والبحث والتصويت في القراءتين الثانية
والثالثة، حتى يصبح قانونا نافذا.
معارضة داخلية
|
هنا يجب القول إن كل تلك الانتكاسات والاختلافات داخل النخبة السياسية
الصهيونية جاءت نتاج لعمليات المقاومة الباسلة وصمودها على الأرض، مع
التأكيد بأن تداعياتها فد لا تؤدي في الوقت الحالي إلى إقالة حكومة نتنياهو
أو تفكيكها |
وفي تفاعلات القضية داخل الطبقة السياسية الصهيونية، أن وزير الدفاع الصهيوني،
يواَف غالانت عن حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو قد صوت ضد القانون، وأعلن أنه لن
يؤيده دون اتفاق بين أقطاب الحكومة، معتبرا أن موقفه نابع من موقف وطني، لأن الدولة
هي ملك للجميع على حد قوله، ولا يمكن محاباة أحد على حساب مصالح الدولة العليا، وأن
الشعب يتوق إلى اتخاذ قرارات وطنية بتوافق واسع، وإنه لا يجوز ممارسة سياسة تافهة
على حساب الجنود، وهذا الموقف من قبل غالانت الذي قد يقود إلى انتخابات مبكرة، قوبل
بغضب شديد من قبل نتنياهو وأعضاء حكومته الدينية المتشددة، الذين وصفوه بالموقف
الوقح ودعوا إلى إقالته فورًا،.
أما زعيم المعارضة، يائير لبيد، فأشار إلى إن الحكومة مررت في خضم حربها على غزة
قانونًا يدعم رافضي الخدمة العسكرية لأسباب سياسية، بينما اعتبر رئيس حزب "إسرائيل
بيتنا"، أفيغدور ليبرمان أن الحل الأمثل لوضع دولته الحالي هو الانتخابات، لأن رئيس
وزرائها غير كفؤ ولا يصلح لقيادة المرحلة، فخلال ثمانية أشهر من عمر الحرب على غزة
لم يحقق اختراقا كبيرا في الجنوب أو الشمال وغير قادر على الحسم، وفق تعبيره.
تتوالى المصائب تباعا على رأس نتنياهو، فالمحكمة العليا في سبيلها لإقرار حكم سيكون
بمثابة قنبلة قانونية قد تؤدي إلى انهيار حكومته؛ فمنن المرجح في الوقت الحالي،
ونظرا للالتماسات الستة المتعلقة المقدمة للمحكمة بتجنيد طلاب المعاهد الدينية وفي
غياب أي ترتيبات قانونية؛ فإن الحكومة ستكون مجبرة على تجنيد طلاب المعاهد
الصهيونية الدينية، وبالموازاة مع وقف تمويلها، وهو ما يشكل أزمة كبيرة للأحزاب
الدينية في ظل وجود حكومة يمينية بالكامل لم ولن تحقق لهم مطالبهم تحت زعامة
نتنياهو الذي وعدهم بالكثير مقابل ولائهم لكتلته السياسية.
صفعات متتالية:
إذا ما عدنا إلى الاستقالات المتتالية في حكومة الحرب الصهيونية، والتخبط في إدارة
قرارات الحرب في غزة، والتفكك على المستوى السياسي والعسكري، وإلغاء المظلة الشرعية
والإجماع العام على مسألة الحرب، والتي تبعها مباشرة قيام نننياهو بعد أيام قلائل
بحل مجلس الحرب نهائيًا، والسعي لتشكيل مجلس سياسي مصغر،
هنا يجب القول إن كل تلك الانتكاسات والاختلافات داخل النخبة السياسية الصهيونية
جاءت نتاج لعمليات المقاومة الباسلة وصمودها على الأرض، مع التأكيد بأن تداعياتها
فد لا تؤدي في الوقت الحالي إلى إقالة حكومة نتنياهو أو تفكيكها،
كون حزبه يحظى بتأييد (64) نائبا في الكنيست ما يعني استمراره على رأس الحكومة
طالما حظي بنسبة (60 +1).
لكن هذه الاستقالات إلى جانب العديد من المشكلات والصفعات التي بدأ يتلقاها الواحدة
تلو الأخرى، والتي تثقل قدرته على الاستيعاب فمن المتوقع أنه لن يقوى طويلا على
تحملها.
ولعل من أبرزها التحديات التي يواجهها أمام أهالي وذوي الأسرى والمخطوفين اليهود،
الذين يخرجون يوميا للمطالبة بتحرير أبنائهم من خلال صفقة يعتبرها نتنياهو ضربة
قاصمة له في حال الموافقة عليها مع حماس وستطيح به وبمستقبله السياسي وائتلافه
الصهيوني المتشدد.
|
إن حل مجلس الحرب الصهيوني، يلغي الوحدة الصهيونية التي من أجلها أنشأ هذا
المجلس، لتحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها مواجهة تحدي مصيري ووجودي
لدولة الكيان، مما يعني فشل الأحزاب الصهيونية في إخفاء خلافاتهم |
وتغير الموقف الدولي الرسمي تجاه دولته، وموقف المحكمة الجنائية ومطالبة المدعي
العام المحكمة بإصدار أوامر اعتقال بحقه وزير دفاعه، غالانت لاتهامها بلعب أدوار
مباشرة في عمليات الحرب والإبادة بحق الشعب الفلسطيني في موقف يحدث لأول مرة ضد
زعماء في الدولة الصهيونية.
وما تبعها من قرارات لمحكمة العدل الدولية، التي أدانت حكومة الكيان، وحملتها
المسؤولية الكاملة عن المذابح وعمليات الإبادة الجماعية، وجرائم الحصار والتجويع
وقتل النساء والأطفال الفلسطينيين، وأصدرت قرارًا بالتوقف عن العمليات الحربية
العسكرية ضد الفلسطينيين في مدينة رفح، وإنهائها،
وما تلاها من قيام ثلاث دول أوروبية، إسبانيا والنرويج وإيرلندا، لتنضم إلى ثماني
دولٍ أخرى سبق لها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي خلخل ميزان القوى ضد
مصالح دولة الكيان، وقادة الحرب الذين بدأ يقلقهم ويوجعهم ويحرجهم هذا الأمر أمام
العالم وأمام حليفتهم الأكبر في المنطقة أمريكا وهذه سيؤدي على المدى الطويل إلى
خلق صعوبات أمام الحكومة وتخلخلها.
تداعيات خطيرة:
إن حل مجلس الحرب الصهيوني، يلغي الوحدة الصهيونية التي من أجلها أنشأ هذا المجلس،
لتحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها مواجهة تحدي مصيري ووجودي لدولة الكيان، مما
يعني فشل الأحزاب الصهيونية في إخفاء خلافاتهم،
والتوحد من أجل مصلحة اليهود العليا، وغياب الرشد والعقلانية في القرارات.
وأيضا غياب التوافق بين المؤسسة السياسية الصهيونية والإدارة الأمريكية، وفشل
نتنياهو في تحقيق سياسته بسبب طول مدة الحرب، وعدم تحقيق أهدافها المعلنة في تدمير
حماس والقضاء عليها، وإعادة الرهائن، ولم تنجح سوى في القتل والإبادة والتدمير،
وعدم قدرته على تشكيل مجلس حرب جديد بالكفاءة العالية والخبرة العسكرية التي كان
يتمتع بها غانتس وايزنكوت، وبالتالي العودة إلى ائتلافه اليميني الذي لا يتمتع
أصحابه بأي خبرة سياسية وعسكرية والذي قد يؤدي به إلى الهاوية نتيجة قرارات
عشوائية، قد يقابلها تأسيس جبهة مواجهة ضده من قبل المعارضة للإطاحة به وبحكومته
اليمينية.