في مفاجأة غير متوقعة قام الرئيس بوتين بتعيين وزير دفاع جديد للجيش الروسي، المثير أن الوزير الجديد يأتي من خلفية مدنية، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات لماذا يتم تعيين وزير مدني لوزارة عسكرية في بلاد في حالة حرب ضروس؟
بعد تنصيه رسميًا لولاية خامسة رئيسًا للبلاد فجر الرئيس فلاديمير بوتين مفاجأة كبرى حيث أقال وزير دفاعه سيرغي شويغو بعد 12 عامًا في هذا المنصب، وعين مكانه خبيرًا اقتصاديًا ومن دون خلفية عسكرية.
وعلى الرغم من وجود شائعات منذ فترة طويلة عن وجود تعديل وزاري، إلا أنه لا أحد كان يتوقع أن يختار بوتين مدنيًا ليس لديه خلفية في الجيش أو الأجهزة الأمنية ليحل محل السيد شويغو.
يوصف الوزير الجديد بأنه مدني، يفتقد إلى الخبرة في مجال الحرب والأسلحة، لكنه – من جهة أخرى – محنّك، شديد الذكاء، منفتح على الابتكار والأفكار الجديدة وصاحب طروحات حداثية خلّاقة.
ولد أندريه ريموفيتش بيلوسوف في 17 مارس 1959، وحصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة موسكو الحكومية عام 1981 وواصل مسيرته المهنية في الأوساط الأكاديمية لعدد من السنوات. وفي أواخر التسعينيات، بدأ العمل كمستشار لرؤساء الوزراء الروس بينما كان يعمل للحصول على درجة الدكتوراه التي حصل عليها في عام 2006.
تم تعيينه وزيراً للتنمية الاقتصادية عام 2012؛ وفي عام 2020، تم تعيينه نائباً أول لرئيس وزراء روسيا. وقد اكتسب منذ ذلك الحين سمعة باعتباره من الموالين لبوتين، حيث ورد أنه كان العضو الوحيد في "الحاشية الاقتصادية" للرئيس الذي دعم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.
ويُنسب لبيلوسوف الفضل في ابتكار الأفكار الاقتصادية الرئيسية التي اتبعها الكرملين في السنوات الأخيرة، وكان يُنظر إليه على أنه أحد المنظرين الرئيسيين وراء مجموعة من الخطط الطموحة التي اعتمدها بوتين عندما بدأ ولايته الرئاسية الرابعة في عام 2018.
ومن المعروف أن بيلوسوف مدافع متشدد عن مصالح الدولة على مصالح الشركات. ولطالما دعا إلى التنظيم الصارم وزيادة الاستثمار الحكومي والحضور المكثف للدولة في الاقتصاد.
وفي عام 2018، تم تسريب رسالة اقترح فيها بيلوسوف الاستيلاء على الأرباح الفائضة من 14 شركة معدنية وكيميائية كبيرة.
يقول عنه كونستانتين سونين، الاقتصادي الروسي والأستاذ بجامعة شيكاغو، لبي بي سي: إن بيلوسوف يعتقد بشدة أن "الابتكار يحدث لأن الحكومة تستثمر في الابتكار، وأن النمو الاقتصادي يحدث لأن الحكومة تجبر الشركات على القيام باستثمارات".
وأضاف سونين أن هذه المعتقدات تتفق مع وجهة نظر بوتين.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن التعيين المقترح لمدني يظهر أن دور وزير الدفاع يدعو إلى "الابتكار".
بصفته وزيرًا للدفاع، سيتعين على بيلوسوف إدارة الإنفاق العسكري الروسي، والذي يمثل اعتبارًا من عام 2024 حوالي 36.6 تريليون روبل (324 مليار جنيه إسترليني).
وتعليقًا على الترشيح، قالت صحيفة كومسومولسكايا برافدا الروسية إن الخبرة الاقتصادية التي يتمتع بها بيلوسوف وفهمه للقطاعات الصناعية، بما في ذلك الدفاع، تعني أنه مناسب تمامًا لإدارة متطلبات الميزانية الكبيرة للجيش.
ويبدو أن ترشيح بيلوسوف - الذي يأتي في العام الثالث من الحرب الروسية في أوكرانيا - يشير أيضًا إلى أن الرئيس بوتين يستعد لحرب طويلة ومكلفة. وستكون مهمة بيلوسوف هي ضمان قدرة الاقتصاد الروسي على الاستمرار في الحفاظ على آلته العسكرية على الرغم من العقوبات الغربية.
ويأمل الكرملين أيضاً أن تساعد خبرة بيلوسوف كخبير اقتصادي في جعل الإنفاق العسكري أكثر كفاءة والحد من الفساد.
وسوف يكون اهتمامه الراسخ بالأسلحة المتطورة مثل الطائرات بدون طيار ــ والتي تحتاج روسيا إلى إمدادات شبه ثابتة منها لمواصلة هجماتها على أوكرانيا ــ مفيداً أيضاً.
ففي عام 2023، أعلن بيلوسوف عن خطط لبناء 18 ألف طائرة كبيرة ومتوسطة الحجم بدون طيار في عام 2024، وإطلاق وتطوير صناعة جديدة – تصنيع أنظمة الطيران بدون طيار.
وأشارت وسائل الإعلام الروسية إلى أن بيلوسوف - وهو متزوج وله طفل واحد، بافيل، المولود في عام 1994 - يعد أيضًا شخصية متواضعة بين أقرانه داخل الحكومة الروسية لأنه من غير المعروف أنه استفاد من الفساد.
ومثل الرئيس بوتين، فإن بيلوسوف قريب من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. ويعتقد أنه تم تعميده في عام 2007.
ويقال إنه من عشاق الفنون القتالية - كما هو الحال مع الرئيس بوتين - الذي مارس الكاراتيه والرياضة القتالية الروسية السامبو في شبابه.
يشار هنا أيضا أن تعيين أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع لا يعني تغييب الوزير السابق سيرجي شويغو بالكامل فقد تم تعيينه أمينا لمجلس الأمن القومي وعلى الرغم من أن صلاحيات المنصب ليست كبيرة، إلا أنه يتيح لصاحبه الوصول المباشر إلى الرئيس في أي وقت، كما أن شويغو المقرب جداً لبوتين، تم منحه أيضا صفة نائب رئيس اللجنة الصناعية العسكرية. وهو المنصب الذي شغله حتى الآن ديمتري مدفيديف، علماً بأن رئيس اللجنة هو بوتين نفسه.
أيضاً كُلف شويغو في منصبه الجديد برئاسة “هيئة التعاون التقني العسكري مع البلدان الأجنبية”. هذا فضلاً عن كونه المشرف على تطوير التعاون في هذا المجال خارجياً (مع البلدان الأجنبية) وداخلياً لأنه يتولى إدارة الحجوزات التي يقدمها الجيش إلى المؤسسات الصناعية.
ويبدو أن الأمر أكبر من كونه بعض تعديلات وزارية، فلدى بوتين على ما يبدو خطط طموحة لإدارة اقتصادية وعسكرية بعيدة المدى، لا تتوقف عند الحرب الأوكرانية.