• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما هي وحدة نتساح يهودا العسكرية الإسرائيلية؟

كثيرة هي الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني قديمًا وحديثًا، وفي الآونة قفز اسم وحدة "نتساح يهودا" كوحدة عسكرية مهددة بعقوبات أمريكية، فما هي هذه الوحدة العسكرية، وما الذي يدفع الولايات المتحدة الحليف الأساس لإسرائيل للتلويح بهكذا خطوة وفي هذا التو


يعاني الشعب الفلسطيني منذ زمن بعيد من انتهاكات خطيرة يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحقه، ورغم أن تقارير عديدة لمنظمات حقوقية دولية ووثائق أممية أثبتت مرارًا وجود قتل عمد وتعذيب واعتقالات تعسفية وتدمير للممتلكات المدنية الفلسطينية، إلا أن جيش الاحتلال لا يأبه عادةً للمجتمع الدولي حين يرتكب جرائمه بحق الفلسطينيين، لا سيما وأنه لم يتم فرض أي عقوبات فعالة على إسرائيل أو جيشها منذ نشأة هذا الكيان المغتصب على الأراضي الفلسطينية، بل إن الولايات المتحدة وحلفاءها قد منحوا جيش الاحتلال الصهيوني حصانة تامة من أي مساءلة أو محاسبة دولية، لكن يبدو أن هذه المعادلة على وشك أن تتغير نسبيًا، حيث يترقب الجيش الإسرائيلي فرض عقوبات من حليفته الكبرى، الولايات المتحدة، على إحدى وحداته العسكرية للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بينهما؛ فما هي هذه الوحدة العسكرية؟، وما طبيعة عملها وتشكيلها؟، ولماذا تريد واشنطن معاقبتها؟

 

على خلاف باقي وحدات الجيش الصهيوني فإن أعضاءها من الرجال فقط، لا سيما من الإسرائيليين المتشددين والقوميين المتدينين الذين تربطهم علاقات وثيقة بحزبي الوزراء اليمينيين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير

عقوبات للمرة الأولى

في العادة؛ يتجاهل الجيش الصهيوني تمامًا الإدانات والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والهيئات الحقوقية الدولية، بل ويستمر بشكل متكرر في انتهاك القانون الدولي الإنساني، ومن المؤسف أن الإفلات من العقاب نتيجة الدعم الغربي اللامحدود قد شجع هذا الجيش على ارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني المستضعف، لكن قبل أيام، كشفت تقارير صحفية أمريكية عن نية وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الإعلان عن عقوبات ضد كتيبة "نتساح يهودا" التابعة لجيش الاحتلال بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، والملاحظ أن إقدام واشنطن على تلك الخطوة يجعلها هي المرة الأولى التي قد تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على وحدة عسكرية إسرائيلية.

كتيبة الحريديم

كتيبة "نتساح يهودا" هي إحدى الكتائب الأربع التي يتألف منها لواء مشاة كفير، وجرى تشكيلها كوحدة خاصة للجنود المتشددين دينيًا أو الحريديم، تم إنشائها في عام 1999م، حيث تشكلت حينها من 30 جنديًا حريديًا وأطلق عليها آنذاك اسم "ناحال حريديم"، أو "الكتيبة 97" تيمنًا باسم المنظمة المدنية التي طرحت فكرة إدخال الحريديم إلى الجيش، وذلك في محاولة لاستيعاب الحريديم في صفوف الجيش في ظل رفضهم الخدمة العسكرية وانشغالهم فقط بدراسة التوراة، تشتهر الآن باسم "نيتساح يهودا" أو "يهودًا إلى الأبد"، ووفقًا لأرقام الجيش الصهيوني المعلنة فإن الكتيبة يخدم بها حوالي 1000 جندي، خلال سنوات قليلة أصبحت الكتيبة المتمركزة في الضفة الغربية وجهة للعديد من شباب منظمة "شبيبة التلال"، وهم المستوطنون الشباب اليمينيون المتطرفون الذين لم يجر قبولهم في أي وحدة قتالية أخرى في جيش الاحتلال، ولهم تاريخ في مهاجمة الرعاة الفلسطينيين وإنشاء مستوطنات غير قانونية.

لدى كتيبة "نتساح يهودا" أعلى معدل إدانة لأي وحدة في الجيش الإسرائيلي بسبب جرائمها المستمرة ضد الفلسطينيين، وفي عام 2019م قرر قادة الجيش الصهيوني قرر نقل الكتيبة من رام الله إلى جنين بعد سلسلة من الفشل والإخفاقات، وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي حينها، إن الكتيبة ستنقل إلى جنين لاعتبارات عملياتية، وفي محاولة لاسترضاء الولايات المتحدة، سحبت إسرائيل الكتيبة من الضفة الغربية في عام 2022م ونقلتها إلى مرتفعات الجولان بعد تزايد سلوك جنودها، رغم أن الجيش الإسرائيلي نفى أنه اتخذ خطوة النقل لهذا السبب، وفي مطلع العام الحالي 2024م شاركت الكتيبة في الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة.

وحدة ذات طبيعة خاصة

على خلاف باقي وحدات الجيش الصهيوني فإن أعضاءها من الرجال فقط، لا سيما من الإسرائيليين المتشددين والقوميين المتدينين الذين تربطهم علاقات وثيقة بحزبي الوزراء اليمينيين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، كما أنها تضم عددًا من الحاخامات للتوجيه والإرشاد من أجل ضمان الحفاظ على نمط حياة دينية خاصة للمجندين خلال خدمتهم في صفوف الجيش، ولا يتفاعل جنودها مع المجندات في الوحدات الأخرى بأي شكل من الأشكال، كما يتم منح جنود هذه الكتيبة وقتًا إضافيًا لأداء شعائرهم ومتابعة دراستهم الدينية، ويحصلون على طعام متوافق مع محددات الشريعة اليهودية.

 

 واجهت كتيبة "نتساح يهودا" سيلًا من الاتهامات حول ارتكاب جنودها انتهاكات شنيعة بحق الفلسطينيين خلال الأعوام الماضية، ولعل أبرزها مقتل المواطن الفلسطيني الأمريكي، عمر أسعد

تعارض غالبية الطائفة الأرثوذكسية المتطرفة الخدمة العسكرية الإجبارية، مما يجعل هذه القضية مثيرة للجدل، وكان الحريديم دائمًا معفيين من الخدمة العسكرية في إسرائيل، فعلى سبيل المثال أولئك الذين التحقوا بمدرسة دينية حتى سن معينة، لا يمكن استدعاؤهم إلى الجيش الإسرائيلي، بالرغم من ذلك فقد انضم العديد من الشباب الحريديم إلى هذه الكتيبة طوعًا، ومن الملاحظ أن هناك انتقادات مستمرة للمعاملة الخاصة والامتيازات التي تحظى بها هذه الكتيبة، ولمعالجة هذا الأمر فقد بدأت الكتيبة في تجنيد أفراد من خارج الدوائر الأرثوذكسية المتطرفة.

سبب العقوبات

مؤخرًا؛ واجهت كتيبة "نتساح يهودا" سيلًا من الاتهامات حول ارتكاب جنودها انتهاكات شنيعة بحق الفلسطينيين خلال الأعوام الماضية، ولعل أبرزها مقتل المواطن الفلسطيني الأمريكي، عمر أسعد، الذي اعتقلته الكتيبة في يناير 2022م عند نقطة تفتيش في قريته بالضفة الغربية المحتلة في وقت متأخر من الليل، وبعد تحقيق ميداني قام الجنود بتقييد يديه وكمموا فمه وتركوه على الأرض في البرد إلى أن توفى بعد ساعات قليلة، واقعة وفاة أسعد ليست الوحيدة بل تكررت وقائع عديدة مثلها، ولكن واقعة وفاة أسعد انتشرت بسبب التغطية الإعلامية الواسعة لها نظرًا لجنسيته الأمريكية، والمثير أن الجيش الإسرائيلي أصدر بيانًا في أعقاب وفاة أسعد قال فيه إنه أصيب بنوبة قلبية ناجمة عن الإجهاد وأنها من المحتمل هي السبب في وفاته، موجهًا بعض اللوم لجنود كتيبة "نتساح يهودا" نتيجة سوء اتخاذ القرار من قبلهم لإسعافه.

وفقا للتقارير؛ فإن العقوبات الأمريكية تأتي بعد معلومات قدمتها لجنة خاصة تابعة لوزارة الخارجية حققت منذ آواخر 2022م في انتهاكات حقوق الإنسان بناءً على قانون ليهي، وأوصت قبل أشهر بأن تقوم وزارة الخارجية الأمريكية بحرمان العديد من وحدات الجيش والشرطة الإسرائيلية التي تعمل في الضفة الغربية من تلقي المساعدات الأمريكية، العقوبات المفروضة على كتيبة "نتساح يهودا" ستمنع الكتيبة وأعضاءها من تلقي أي نوع من المساعدة أو التدريب العسكري الأمريكي، بحسب قانون "ليهي"، وهو قانون صدر في عام 1997م من قبل السيناتور باتريك ليهي آنذاك، ينص على منع المساعدات الخارجية الأمريكية وبرامج التدريب التابعة لوزارة الدفاع من الذهاب إلى وحدات الأمن والشرطة والجيوش الأجنبية التي يُزعم بشكل موثوق أنها ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، حيث تم سنّ القانون وسط الدعم العسكري الأمريكي لكولومبيا في حربها ضد جماعة فارك الماركسية المتمردة، ولكن بعد أن اتهمت جماعات حقوق الإنسان عدة وحدات من الجيش والشرطة الكولومبية بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، لم تكن الولايات المتحدة راغبة في تقييد إمدادات الأسلحة إلى حليفتها الكولومبية بالجملة - كما فعلت لفترة وجيزة مع حليفتيها باكستان والسلفادور في الستينيات والثمانينيات على التوالي - لذلك ظهر القانون كحل وسط لوقف الدعم للوحدات الفردية، ومنذ صدوره تم تطبيقه عدة مرات على قوات الأمن في أذربيجان وقيرغيزستان والمكسيك وكمبوديا، ولكن ليس في إسرائيل.

ونادرًا ما يتم استخدام هذا القانون ضد حليف سياسي وثيق للولايات المتحدة، وقد أشارت التقارير أيضًا إلى أنه لن يتم اتخاذ أي خطوات لمحاسبة جنود محددين على حوادث سوء السلوك المتكررة ضد الفلسطينيين، وأن العديد من وحدات الجيش والشرطة الأخرى التي تم التحقيق معها لن تتم معاقبتها بعد أن تصحح سلوكها.

تبعات وردود فعل

أعربت الحكومة الإسرائيلية عن غضبها إزاء التقارير التي تتحدث عن فرض عقوبات وشيكة، رغم أن الصحف العبرية أشارت إلى أن وزارة الخارجية والسفارة الإسرائيلية في واشنطن سبق وأن حذرا قادة الجيش الصهيوني ومكتب رئيس الحكومة منذ أشهر من أن سيناريو العقوبات على هذه الكتيبة ممكن، وأوصيا باتخاذ خطوات عاجلة لمنعه، لكن وفقًا للإعلام العبري فقد تم إهمال هذه المسألة كما تم تجاهل الآثار المترتبة على قانون ليهي، وحتى وقت قريب اعتقد بنيامين نتنياهو ووزراء آخرون وكبار مسؤولي الجيش أن بإمكانهم التهرب من القضية دون تقديم إجابات حقيقية لإدارة جو بايدن، وبدلًا من محاولة الحديث عن ضرورة تغيير سلوك تلك الكتيبة أو حتى نية تصحيحه، ذهب نتنياهو لانتقاد واشنطن واصفًا نية فرض هذه العقوبات بأنها "ذروة السخافة والتدني الأخلاقي"، بينما يحارب الجيش الصهيوني في قطاع غزة.

في ذات السياق؛ انتقد نواب إسرائيليون بارزون علنًا أي محاولة من جانب إدارة بايدن لمعاقبة وحدات الجيش الإسرائيلي ماليًا أو فنيًا، حيث تحدث بيني غانتس، الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية، إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وطلب منه إعادة النظر في قرار العقوبات، فيما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية بيني غانتس إن الخطوة الأمريكية ستكون "خطأ كبير وستضر بشرعية إسرائيل الدولية"، فيما قام وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بزيارة جنود من كتيبة "نتساح يهودا" لتأكيد دعمه لهم.

بشكل عام؛ تظل إسرائيل أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية، حيث تتلقى حوالي 3.8 مليار دولار كمساعدات أمنية سنوية، وقد فرضت واشنطن في السابق عقوبات على إسرائيل، كما حدث مؤخرًا ضد المستوطنين المتطرفين، من بينهم المتطرف اليميني بنتسي جوبشتاين، حليف وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، كما أدرجت الولايات المتحدة على قائمة عقوباتها منظمتين تقدمان الدعم المالي للمستوطنين المتطرفين الخاضعين للعقوبات، وقد تم حظر أصولهما في الولايات المتحدة، لكن التطوير الجديد هذه المرة يكمن في فرض عقوبات ضد وحدة من وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن شواهد التاريخ والحاضر تشير إلى مجرد تهديد بعقوبات محدودة، مع احتمالية كبيرة لرفعها في أي لحظة قريبة.

أعلى