• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تجنيد الحريديم.. قنبلة موقوتة أمام حكومة نتنياهو

إن وصول الصدام بشأن تجنيد الحريديم إلى ذروته يفاقم مأزق ائتلاف نتنياهو الحاكم، ومن المرجح أن يؤدي السيناريو الذي يُطلب فيه من الحريديم فجأة إلى الالتحاق بالجيش إلى رحيل الأحزاب الحريدية عن ائتلاف نتنياهو وهو ما قد يعجل بانهيار الحكومة


يُعرَف الحريديم في إسرائيل على أنهم مجموعة دينية يهودية متطرفة تعدّ الأكثر تحفظًا والأكثر تمسكًا بالقوانين اليهودية، يكرس أبناء المجتمع الحريدي أنفسهم لتعلم التوراة في مدارس دينية خاصة ويلتزمون بأسلوب حياة مختلف عن نظرائهم من اليهود الآخرين، وحين تأسس الكيان الصهيوني المحتل في عام 1948م على أرض فلسطين التاريخية حدثت ثغرة استثنائية في نظام التجنيد يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية الإلزامية، ولعقود طويلة مضت ظل هذا الاستثناء يثير غضب وإحباط جموع اليهود في إسرائيل، لكن الإحباط تصاعد منذ 7 أكتوبر الماضي في أعقاب هجوم طوفان الأقصى الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ففي ظل الاستدعاء الجماعي لجنود الاحتياط وأشهر من الخسائر العسكرية، لا يزال الحريديم يحظون بالإعفاء الاستثنائي من الخدمة العسكرية بالرغم من قرار سابق للمحكمة الإسرائيلية العليا يلغي ذاك الاستثناء، المثير أن ملف الحريديم ـ إلى جانب عوامل وأسباب أخرى ـ بات يشكّل قنبلة موقوتة تهدد الآن بتفكيك الائتلاف الحاكم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا سيما وأنه يضم أحزاب حريدية فضلاً عن القوميين المتطرفين المعارضين لمعاملتهم الخاصة.

خصائص غريبة

كلمة "حريديم" هي جمع لكلمة "حريدي" وتعني "التقي"، وربما يكون الاسم مشتق من الفعل "حرد" الموجود في اللغة العربية بمعنى اعتزل أو اعتكف، والحريديم يرتدون عادة أزياء يهود شرق أوروبا وهي معطف أسود طويل وقبعة أسودان وبالإضافة إلى "الطاليت" وهو شال خاص بصلاة اليهود غالبًا ما يكون أبيض اللون في زواياه الأربع "التزيتزيت" وهي مجموعة خيوط طويلة من الصوف مجدولة ومعقودة بطريقة خاصة، ويرسل رجال الحيرديم ذقونهم، كما يرسلون شعورهم وتتدلى من خلف آذانهم خصلات شعر مجدولة، وقبل التعمق في أزمة تجنيد الحريديم، سنطلع أولًا على عدد من الخصائص التي يتصف بها المجتمع الحريدي عن بقية الإسرائيليين، فعلى عكس نظام التعليم العام، يركز التعليم في المجتمع الحريدي على تشكيل الشخصية، وليس على الإعداد لسوق العمل، كما أن النساء هن المعيل الرئيسي، في حين أن الرجال يفرغون أنفسهم للدراسة الدينية فقط، سمة فريدة أخرى هي حجم الأسرة، فلدى الحريديم عمومًا عائلات كبيرة، وهناك تفضيل لأسلوب حياة منفصل بعيدًا عن المجتمع العام، حيث يعيشون في أحياء مخصصة وبيئة عمل دينية متشددة، حيث يتبنون التفاسير الأكثر غلواً في التراث الديني اليهودي، والتشدد في أداء العبادات والطقوس الدينية.

 

بشكل تقليدي، يحتل المتدينون في المجتمع اليهودي بشكل عام منذ فترة طويلة مكانة متميزة، وتحصل مدارسهم الدينية على إعانات حكومية سخية

يتحاشى الحريديم قدر الإمكان التحدث بالعبرية، إذ يعتبرونها لغة مقدسة يفضل تجنب استخدامها، ويستخدمون بدلا منها لغة أخرى تسمى "اليديشية"، وهي لغة يهود أوروبا خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي، ورغم أنها لغة تستخدم الحروف العبرية في الكتابة إلا انها تختلف عنها كليًا في نفس الوقت، ويتعلم أبناء الطائفة الحريدية العلوم الدنيوية عند الحاجة فقط، وهم يتحفظون بقوة ويبتعدون عن استعمال التكنولوجيا وتطبيقاتها مثل التلفزيون والحاسوب والهاتف النقال، ورغم أنه لا علاقة لليهود الحريديم بالصهيونية عند تأسيسها، بل وقد عارضها الكثير منهم بشدة في مراحلها الأولى إذ اعتبروها حركة علمانية تهدد الحياة اليهودية التقليدية، إلا أن معظمهم اليوم يؤيدون إسرائيل ويتعاونون مع حكومتها، باستثناء مجتمعات معينة مثل حركة "ناطوري كارتا" ما زالت معارضة بشدة لمؤسسات الدولة وترفض التعاون معها، بل ويحرقون أعلام إسرائيل في يوم استقلالها المزعوم.

بشكل تقليدي، يحتل المتدينون في المجتمع اليهودي بشكل عام منذ فترة طويلة مكانة متميزة، وتحصل مدارسهم الدينية على إعانات حكومية سخية، ورغم أن الحريديم يشكلون جزءًا معتبرًا من المجتمع الإسرائيلي إلا أن مساهمتهم في اقتصاد دولة الاحتلال تظل محدودة، ويظل اعتمادهم على أموال الحكومة أعلى، كما أن متوسط دخل الأسرة الحريدية أقل بنسبة 30% من دخل الأسرة غير الحريدية، ومعدل البطالة في المجتمع الحريدي أعلى بكثير، وحتى مع تزايد انضمامهم مؤخرًا في سوق العمل فإن الدراسات تشير إلى أن إنتاجية القوى العاملة للفرد منهم منخفضة بشكل كبير للغاية، وإذا لم تزل إسرائيل عن وجه الأرض فإنه من المتوقع بحلول عام 2045م أن يشكل الحريديم ما يزيد قليلاً عن خمس سكان إسرائيل، بنسبة 22% تقريبًا، وبحلول عام 2065م فإن واحد من كل ثلاثة إسرائيليين سينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية المتطرفة.

أصل الاستثناء

بشكل عام يُطلب من الإسرائيليين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا الخدمة لمدة 32 شهرًا بالنسبة للرجال ولمدة 24 شهرًا بالنسبة للنساء، ويقوم عدد من الفئات الخاصة مثل النساء الأرثوذكس بأداء الخدمة الوطنية المدنية بدلاً من العسكرية، وحين تأسس الكيان الصهيوني على إثر نكبة 1948م وافق أول زعيم له، ديفيد بن غوريون، على إعفاء فتيان المدارس الدينية من الخدمة العسكرية كجزء من صفقة لتأمين الدعم السياسي من زعماء الحريديم، في ذلك الوقت كان المجتمع الحريدي يشكل 1% من سكان الكيان الجديد البالغ عدد سكانه آنذاك نحو 800 ألف نسمة، فكان الإعفاء يشمل نحو 400 شاب فقط، كان العديد منهم وما زالوا يعارضون قيام الدولة على أسس دينية، ولم يكن للإعفاء تأثير عملي يذكر.

 

 الأزمة الحالية حول ضرورة التجنيد الإجباري لمن هم في سنّ الخدمة العسكرية من الحريديم ليست وليدة اللحظة، بل هي جزء من جدل سياسي وتحديات قانونية مستمرة منذ سنوات طويلة

 يعتبر الحريديم أنفسهم أقلية عددية بين اليهود، لذلك فهم يرغبون بالانسحاب من الحياة العامة من أجل الحفاظ على نقاء هذه الأقلية، وتسعى إلى بقاء مجموعتها، أما على المستوى السياسي فهم لا يريدون الحصول على الحقوق كأقلية دينية، إنما يسعون لتغيير تعريف الدين ودوره في الحياة لتطبيقه واعتماده من قبل الدولة، والآن يشكل الحريديم 13% من سكان إسرائيل البالغ عددهم أكثر من 9 ملايين نسمة (24% ممن هم في سن التجنيد الآن هم من الحريديم)، ويرى معظمهم أن الإعفاء شرط أساسي للحياة في إسرائيل الحديثة، هناك ثلاث فرضيات يعتمد عليها الحريديم لتبرير سبب عدم خدمتهم في جيش الاحتلال الإسرائيلي:

أولًا: أنهم يعتقدون أن دراسة التوراة بدوام كامل في مدرسة دينية ـ وليس التجنيد الإجباري في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي ـ هي ما يحمي الشعب اليهودي والأمة اليهودية، ويزعمون أن تعلم التوراة هي طريقتهم لتحقيق "آرفوس"؛ أي المسؤولية الجماعية لكل اليهود، تمامًا كما تفعل الخدمة العسكرية للإسرائيليين الآخرين، ولا تحظى هذه الحجة بقبول كبير بين قطاعات أخرى من الجمهور الإسرائيلي، الذي يعتبر التجنيد هي القاعدة الرئيسية بالنسبة له.

ثانيًا: يزعم الحريديم أنهم يحملون سياسة سلمية الآراء، وذلك بالرغم من أن غالبية الحريديم يظهرون توجهًا سياسيًا متشددًا وعدوانيًا.

ثالثًا: يرى المجتمع الحريدي السائد ـ القائم على العزلة والتفسير الصارم للقانون الديني ـ أن تعريض أعضائه لتأثيرات المجتمع العلماني، بما في ذلك صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، من شأنه أن يخاطر بالمساس بقيمهم التقليدية، لكن المجتمع العلماني لا يقبل هذه الحجة لا سيما وأن المدارس الدينية تحصل على أموال من الحكومة دون وجود عقد اجتماعي يوافق على دعمها.

أزمة متواصلة

الأزمة الحالية حول ضرورة التجنيد الإجباري لمن هم في سنّ الخدمة العسكرية من الحريديم ليست وليدة اللحظة، بل هي جزء من جدل سياسي وتحديات قانونية مستمرة منذ سنوات طويلة، صحيح أن هناك عددًا متزايدًا ـ ولكن لا يزال صغيرًا ـ من الشبان الحريديم يذهبون إلى الجيش الإسرائيلي، لكنهم غالبًا ما يواجهون ردود فعل عنيفة وتسلطًا في مجتمعاتهم الدينية المتشددة، يمكن تلخيص ملامح هذه الأزمة في النقاط التالية:

أمضى منتقدو إعفاء الحريديم من التجنيد عقودًا من الزمن يتجادلون في الكنيست والمحاكم بأنه من غير العدل ألا يشارك أبناء هذه الطائفة في تحمل عبء الدفاع عن إسرائيل، لكن جهودهم عادةً ما كانت تبوء بالفشل رغم تزايد المطالبات بإلغاء هذا الاستثناء، وقد أظهر استطلاع حديث نُشِرَت نتائجه مؤخرًا أن 70% من اليهود الإسرائيليين يريدون إنهاء إعفاء التجنيد بسبب دراسة التوراة، مقارنة بـ 60% في عام 2018م.

  في ظل الإعفاء؛ بدأ عدد متزايد من الفتيان اليهود بتسجيل أنفسهم رسميًا في المدارس الدينية السائدة، لكنهم لا يخصصون 45 ساعة مطلوبة أسبوعيًا تعلم التوراة، وفي بعض الحالات لا يدرسون على الإطلاق، وانتشر ما يسمى بالمعاهد الدينية الخفيفة أو الناعمة، والمثير أنهم لا يقومون بشغل أي وظائف تدفع الضرائب، أو يتابعون دراسة أكاديمية بديلة أو حتى يحصلون على تدريب مهني، لأن القيام بذلك سيكلفهم إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية.

نجح المدافعون عن الحريات المدنية في إسرائيل مرتين منذ عام 1998م في إقناع المحكمة العليا الإسرائيلية بأن إعفاء الحريديم من التجنيد ينتهك حق الأغلبية في المساواة في المعاملة بموجب القانون، ومع ذلك ظلت هذه السياسة سارية بشكل أساسي، حيث وعدت حكومة تلو أخرى بمخطط تجنيد عسكري جديد من شأنه أن يحفز الحريديم للانضمام إلى الجيش دون إكراه، لكن كل الحكومات فشلت في إقراره.

يشكل الدعم الحكومي للحريديم الجزء الأكبر من الأزمة، فنصف الحريديم تقريبًا يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على مدفوعات الرعاية الاجتماعية التي يبلغ مجموعها حوالي 2.6 مليار دولار سنويًا، ولديهم عمومًا عائلات كبيرة ـ متوسط معدل المواليد لكل امرأة حريدية هو 6.5، أي أكثر من ضعف المعدل الإسرائيلي العام ـ ومع ذلك فإن العديد من الرجال الحريديم يقضون معظم حياتهم في دراسة التوراة فقط بدلاً من العمل من أجل كسب العيش، ويعتمدون بدلًا من ذلك على المدارس الدينية للبالغين، المعروفة باسم كوليلس، والتي تحصل على دعم سنوي قدره 1.7 مليار دولار من الحكومة.

مع وجود محاولات قبل سنوات لتجنيد بعض الشبان الحريديم؛ اشتكى القادة الحريديم من أن معظم البرامج التي أطلقها الجيش الإسرائيلي على مر السنين لم تفعل ما يكفي لضمان مواصلة الجنود الحريديم في دراسة التوراة على الأقل بدوام جزئي، والحصول على عطلة يوم السبت والمحافظة على نظام طعام يهودي، وأداء الصلاة 3 مرات يوميًا، والابتعاد عن المجندات وضمان تواجد هؤلاء الجنود مع حاخاماتهم لضمان ما يسمونه "بيئة معقمة"، وبالرغم من قيام جيش الاحتلال بجعل الرجال الحريديم يعملون في وحدات من الذكور فقط متخصصة في صيانة الطائرات والتكنولوجيا العسكرية، لكن فشل في توسيع هذه التجربة على نطاق أوسع.

التزمت حكومة بنيامين نتنياهو الحالية في يونيو الماضي بمعالجة الوضع قبل انتهاء الإعفاء الأخير الذي أعطته المحكمة العليا، وكان هذا الملف مرتبطًا بجهود الحكومة اليمينية خلال العام الماضي لإصلاح السلطة القضائية، وكان من المتوقع أن يقوم نتنياهو ـ الذي يعتمد ائتلافه على حزبين حريديم؛ هما شاس ويهادوت هاتوراه، يسيطران على 17 مقعدًا من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعدًا ـ بتمديد الإعفاء إلى أجل غير مسمى مع حمايته أيضا من الطعون القضائية المستقبلية من خلال تدوين دراسة التوراة كقيمة أساسية لدولة الاحتلال، لكن عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي أربكت حسابات نتنياهو وحكومته.

أرغمت عملية طوفان الأقصى إسرائيل على تنفيذ أضخم تعبئة عسكرية في تاريخها، مع استدعاء 300 ألف جندي احتياطي، ومع الحديث عن خطط لتواجد جيش الاحتلال الإسرائيلي لفترة طويلة في قطاع غزة واحتمال نشوب حرب شاملة مع حزب الله في لبنان، بدأت حكومة نتنياهو تنظر في تمديد الفترة التي يجب أن يخدم فيها المجندون وجنود الاحتياط ضمن صفوف جيش الاحتلال، وهو ما أدى إلى ارتفاع الاستياء من الإعفاء الحريدي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

حكومة حرب منقسمة

عندما وصلت الحكومة إلى السلطة في أواخر عام 2022، وشكلت التحالف الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، شعر الحريديم بوجود فرصة، وبحسب تقارير فإن الاتفاق الائتلافي بين نتنياهو والأحزاب الحريدية ينص على أنهم سيحددون لاحقًا أن الإعفاءات هي حق دستوري للمجتمع الحريدي، مع رفع مستوى الدراسة في المدرسة الدينية إلى مستوى دستوري أعلى حتى من الخدمة العسكرية، ولا شك أن اعتماد نتنياهو على دعم الحريديم للبقاء في السلطة يجعل من غير المرجح أن يوافق على رفع الإعفاء والسماح للجيش فعليًا بالبدء في تجنيد فتيان المدارس الدينية، فهو يخشى إحداث أي صدع في الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية الحريدية منعًا لانهيار ائتلافه الحاكم، فتلك الأحزاب لن توافق على الجلوس في ائتلاف لا يؤيد تمويل مؤسساتهم التاريخية، ونظرًا لأن المدارس الدينية تعتمد على التمويل الحكومي بناءً على التحاقها، فإن مثل هذه الخطوة يمكن أن تدمر ميزانياتهم بين عشية وضحاها، وقد اقترح نتنياهو خطة لتمديد الإعفاء من الخدمة العسكرية للحريديم من خلال رفع السن التي لا يزال من الممكن فيها تجنيدهم من 26 إلى 35 عامًا، مما يدفعهم فعليًا إلى البقاء في المدارس الدينية لمدة 9 سنوات إضافية إذا كانوا يريدون الاستمرار في تجنب الخدمة العسكرية.

لكن هذا الاقتراح لا يحظى بالدعم الكافي سواء داخل الحكومة الإسرائيلية أو خارجها، فالحاخام الأكبر لليهود السفارديم في إسرائيل، يتسحاق يوسف، قال إنه إذا أُجبر اليهود الحريديم على الخدمة في الجيش فإنهم جميعًا سيغادرون البلاد، ومن بين منتقدي الاقتراح وإعفاء الحريدين بشكل عام، وزير الدفاع يوآف غالانت، المهندس الرئيسي للعملية العسكرية على قطاع غزة، وكذلك زعيم حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس، وكلاهما من بين الأعضاء الخمسة في مجلس الحرب الحالي، وبينما قال غالانت إنه لا يدعم الاقتراح، هدد غانتس بالانسحاب من الائتلاف إذا تمت الموافقة عليه، مما دفع نتنياهو إلى التراجع عن موقفه، وعرض خطة معدلة تقضي بزيادة سنوية تدريجية في عدد الحريديم الذين يؤدون الخدمة العسكرية التي هي بالنسبة لمعظم الإسرائيليين تقليد صارم يتم غرسه منذ الصغر، كما أنها - سواء في الخطوط الأمامية أو في أحد الأقسام الأخرى العديدة - هي طريق للتدريب الوظيفي والحياة المهنية، لكنها بالنسبة للحريديم ليست كذلك على الإطلاق، حيث يرون أن الجيش ليس مصممًا لاستيعابهم وأن التجنيد الإجباري على نطاق واسع من شأنه أن يجردهم من هويتهم الأساسية.

نهاية نتنياهو!

قد تكون قدرة بنيامين نتنياهو على البقاء كرئيس للوزراء وكزعيم للائتلاف الحاكم في خطر متزايد، لا سيما في ظل الاحتجاجات الكبيرة التي تطالب باستقالته وإجراء انتخابات جديدة، ووفقًا لتقييم التهديدات السنوي لعام 2024 لمجتمع الاستخبارات الأمريكي فإن هناك رغبة متزايدة في المجتمع الإسرائيلي نحو تشكيل حكومة مختلفة وأكثر اعتدالًا، فعلى الرغم من تمتع الحرب الحالية على قطاع غزة بدعم داخلي واسع النطاق، حيث يؤيدها ما يقرب من ثلثي الإسرائيليين ويريدون توسيع العمليات لتشمل رفح، إلا أن ائتلاف نتنياهو لا يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين، ويبدو أن هذا الانقسام قد غذى النهج الراهن لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث تناور الإدارة الأمريكية من أجل الانفصال عن نتنياهو بينما تتمسك بإسرائيل ضد حماس.

إن وصول الصدام بشأن تجنيد الحريديم إلى ذروته يفاقم مأزق ائتلاف نتنياهو الحاكم، ومن المرجح أن يؤدي السيناريو الذي يُطلب فيه من جميع اليهود المتشددين الذين يبلغون من العمر 18 عامًا فجأة إلى الالتحاق بالجيش الإسرائيلي إلى رحيل الأحزاب الحريدية عن ائتلاف نتنياهو ويعجل بانهياره، لذا يسعى نتنياهو جاهدًا لصياغة حل توافقي، بما في ذلك التعهد لشركائه الحريديم بأنه سوف يعوضهم بأثر رجعي إذا منعت المحكمة العليا مدارسهم من تلقي الأموال العامة، وفي نفس الوقت لا يريد نتنياهو مخالفة قرار المحكمة العليا الذي ينهي إعفاء الحريديم بالجملة من التجنيد، لا سيما في تلك اللحظة الراهنة التي يُطلب فيها من مئات الآلاف من الجنود النظاميين وجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي بتمديد مدة خدمتهم.

وعلى هذه الخلفية، أصبحت التكهنات حول زوال حكومة نتنياهو وأفول مستقبله السياسي في انتشارٍ متزايد، بعضها يشير إلى استقالة الوزراء بيني غانتس وجادي أيزنكوت من الحكومة، أو استقالة حفنة من المشرعين من حزب الليكود الذين يدعمون اقتراح حجب الثقة للإطاحة بنتنياهو، وقد دفعت الظروف مسألة التجنيد الإلزامي لطلاب المدارس الدينية - وهو تهديد دائم لاستقرار الحكومات الإسرائيلية - إلى مركز الاهتمام، فالحكومة الإسرائيلية الحالية حزبين حريديين وفي حالة إذا ما سقط التحالف الحالي وتم تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة ستضم بلا شك أحزاب حريدية، ففي العقود الأخيرة، كانت الأحزاب الحريدية هي العامل الذي قلب الموازين لصالح التحالف، وبالتالي كان بإمكان هذه الأحزاب استخدام مكانتها كصانعة ملوك لضمان أن ما تعتبره مصلحة مجتمعها المتدين، فهل ستؤدي هذه المسألة المعقدة ـ ضمن عوامل وأزمات أخرى ـ إلى سقوط نتنياهو وإغراق إسرائيل في انتخابات جديدة؟

أعلى