كثيرة هي التصريحات التي أطلقها الرئيس بايدن عن قرب التوصل إلى هدنة في غزة، فهل هذا السعي حقيقي أم أنها مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، فإن افترضنا صحة تلك التصريحات فما الذي يدفع بايدن لإنجاز تلك الهدنة، هل إدارة بايدن في حاجة ماسة إليها؟
"بايدن في حالة لُهاث هستيري لإنجاز الهدنة في غزة أو صفقة التبادل"
هكذا وصف موقع أكسيوس الأمريكي ما يفعله الرئيس الأمريكي جو بايدن والحراك
الأمريكي النشيط، والمسعى الحثيث الذي يبذله مسئولو إدارته، للوصول إلى الهدنة
المؤقتة وتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني.
وأضاف الموقع إن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطًا كبيرة على سائر الأطراف لأجل ذلك.
ويتساءل الكثيرون هل أمريكا ترغب بالفعل في الهدنة ووقف القتال في غزة؟
هل يمكننا أن نصدق أن أمريكا تريد إيقاف الحرب وهي التي شاركت مع الكيان في تدمير
غزة، وممارسة الإبادة الجماعية ضد أهلها؟ حتى أن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ذكرت
في تقرير لها منذ يومين، أن الولايات المتحدة وافقت سراً على 100 صفقة سلاح وسلمتها
إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر، وهذا غير الصفقات المعلنة.
ولكن دلالات عدة تشي أن أمريكا متلهفة بالفعل على هدنة ووقف للقتال، ليست دائمة،
ولكن على الأقل لفترة مؤقتة، بالرغم من أن مسئولي الإدارة الأمريكية لا يكفون عن
ترديد أن للكيان الصهيوني حق الدفاع عن نفسه وتدمير حماس.
|
تثور شكوك عديدة حول مآلات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي
تحتدم بين بايدن وترامب، وتنبع ضراوة المعركة الانتخابية في كون كل من
المرشحيْن تحيط بهما علامات ضعف كثيرة، ولذلك فإن فرصهما متقاربة |
وأبرز هذه الدلالات، خروج بايدن المفاجئ للصحفيين، ليصرح أن هناك اتفاقًا للتهدئة
بين جيش الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، سيتم الإعلان عنه قريبا.
وبالرغم من أن مكتب رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتانياهو سارع لنفي تلك الأنباء،
وتوالت بعدها ردود الفعل سواء من جانب الدول التي تتوسط كقطر ومصر، أو حتى مصادر
المقاومة والتي تنفي قرب التوصل لاتفاق، وبالفعل انقضى الموعد الذي ضربه بايدن ولم
يتم إنجاز الاتفاق.
حتى تساءل الجميع لماذا صدرت هذه التصريحات من أعلى سلطة في أمريكا؟ ولماذا هذا
التعجل في خروجها؟
فهل وراء التلهف الأمريكي على إجراء هدنة أو ادعاء التلهف، لحسابات انتخابية تتعلق
بفرص إعادة انتخاب بايدن؟
أم أن الأمر يتعلق بثبات المقاومة الفلسطينية وإلحاقها خسائر موجعة للصهاينة، وأن
الأمر إذا استمر بهذه الوتيرة فمعناه انهيار الاستراتيجية الأمريكية في الشرق
الأوسط ولابد من البحث عن مخرج آخر؟
وأخيرًا قد يكون سبب الاستعجال الأمريكي، أن هناك أولويات ملحة تتعلق باحتواء الخطر
الصيني والروسي على الزعامة الأمريكية، وأنه يستوجب على أمريكا انهاء تلك الحرب
سريعا، أو تخفيف حدتها حتى تنتقل أمريكا إلى ما هو أهم وأخطر؟
كل هذه الاحتمالات تحتاج إلى تحليل لمعرفة أسباب التعجل الأمريكي على التهدئة في
المنطقة، وسنكتفي في هذا المقال بمناقشة عامل الانتخابات، واحتمال تأثيره في حالة
التعجل التي تظهر بها الولايات المتحدة لإتمام الصفقة.
الانتخابات القادمة ومأزق بايدن
تثور شكوك عديدة حول مآلات الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي تحتدم بين بايدن
وترامب، وتنبع ضراوة المعركة الانتخابية في كون كل من المرشحيْن تحيط بهما علامات
ضعف كثيرة، ولذلك فإن فرصهما متقاربة،
حيث يتقدم ترامب بفارق ضئيل على بايدن في آخر استطلاع للرأي، والذي يظهر دعم 47 في
المائة من الشعب الأمريكي لترامب، و45 في المائة لبايدن.
فترامب عمره 77 عاما، والذي يلاحقه القضاء في 4 قضايا رئيسة في عدة ولايات أمريكية،
يواجه فيها مجتمعة 91 تهمة جنائية، كما أن بعض القضايا التي يلاحق فيها ترامب قد
تصل عقوبتها لنحو 20 عاما في حال إدانته، وهو ما دفع بعض المحللين السياسيين، من
بينهم الخبير السياسي جوليان زيليزر، لتفسير إصرار منافسته هيلي على عدم الانسحاب
من السباق ضده رغم خساراتها المتلاحقة، بأنها تحاول الصمود لفترة كافية أملا في أن
تفضي الإجراءات القانونية لتقويض ترشح ترامب، وحتى في آخر هزيمة لها لم تعلن
الانسحاب من التنافس مع ترامب، بل علقت حملتها الانتخابية ولم توقفها في انتظار
أحكام المحاكم.
أما بايدن فمشكلته أخطر، حيث يبلغ من العمر 81 عاما، وبذلك يُعدّ أسن رئيس أمريكي
على الإطلاق، وقد ثارت شكوك مؤخرا حول قدراته العقلية.
فبايدن يواجه تململا داخل حزبه لعدة عوامل من بينها سنه وتراجع الاقتصاد الأمريكي،
علاوة على دوره في الحرب على غزة، وهو الأمر الذي يمنح ترامب فرصة حقيقية للتفوق
عليه والفوز في الانتخابات المقبلة.
وبالنسبة لسنه فهناك مؤشرات عديدة على تأثير تقدم عمره على تدهور صحته العقلية،
منها استشهاده بالرئيس المكسيكي "السيسي"، فضلاً عن تدخل قويّ لمستشاريه في إلغاء
عُرْف سنوي، يُجري فيه الرئيس مقابلة تلفزيونية خلال تجمهر عشرات ملايين الشعب
الأمريكي لمتابعة مباراة البطولة لكرة القدم، ولكن أخطرها إعلان المحقق الخاص روبرت
هير، تقريره بشأن حيازة الرئيس وثائق رسمية سرّية، حيث أشار فيه إلى بايدن بأنه رجل
طاعن في السن وضعيف الذاكرة، ووصف المجلس الأطلسي الداعم للحزب الديموقراطي هذا
التقرير بأنه تقييم مدمّر لحالة بايدن الذهنية.
وبالنسبة للاقتصاد، فقد أشار آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال، أن
الناخبين باتوا أكثر تفاؤلا بشأن الوضع الاقتصادي، حيث قال نحو 31 في المئة من
الناخبين في الاستطلاع إن الاقتصاد تحسن خلال العامين الماضيين خلال معظم فترة
ولاية بايدن، بزيادة 10 نقاط مئوية عن استطلاع أجرته الصحيفة في ديسمبر. وقال 43 في
المئة إن مواردهم المالية تسير في الاتجاه الصحيح، بزيادة قدرها 9 نقاط عن
الاستطلاع السابق.
|
استخدم بايدن سياسة من وجهين: الكلام المعسول للعرب والمسلمين، وكذلك
الحركات البهلوانية كإلقاء المساعدات من الطائرات على غزة بدلا من التدفق
البري لها، أملا أن يظهر بايدن نفسه كمدافع عن حملة الإبادة الجماعية ضد
الفلسطينيين |
ولكن وبحسب الاستطلاع، فإن هذا لم يؤد إلى تحسن كبير في نظرة الذين شملهم الاستطلاع
إزاء إعادة انتخاب بايدن، فهناك زيادة اهتمام الناخبين بقضايا أخرى مثل الحرب بين
إسرائيل وحماس، وقضية الهجرة.
ولكن تبقى حرب غزة هي القضية الأخطر بالنسبة لفرص إعادة انتخاب بايدن، وربما كانت
الدافع الذي يجعله يضغط لإنجاز صفقة قبل رمضان. كيف ذلك؟
ظهر واضحا تأثير ما يجري في غزة أثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي والتي
أجريت في ولاية ميتشجن، وبالرغم من أن بايدن قد حقق فوزا سهلا في تلك الانتخابات
التمهيدية كما كان متوقعا، لكن التصويت انطوى على رسالة توبيخ من الأمريكيين العرب
احتجاجا على موقفه من الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني في غزة.
إذ صوت ما يقرب من 16% من الديموقراطيين في الولاية بغير ملتزم بدلا من إعطاء صوتهم
لبايدن، في إطار حملة لإقناع الرئيس بالتراجع عن دعمه لإسرائيل، والجدير ذكره أنه
في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين لم تتجاوز نسبة غير ملتزم 2%.
وفي الانتخاب الرئاسية السابقة تقدم بايدن على ترامب في هذه الولاية بنسبة لا تزيد
عن 2% مما يوضح أهمية ال 16% في التأثير على النتائج النهائية.
ولا يقتصر خطورة تأثير الحرب في غزة، على نتائج الانتخابات القادمة على تهديدات
العرب والمسلمين الأمريكان بالمقاطعة، بل الأمر تخطاه إلى فئة كبيرة من الشباب
الأمريكي والذي بات مستاء من مذابح غزة، ولعل إحراق الشاب الأمريكي لنفسه بلباسه
العسكري وهو يهتف تحيا فلسطين، خير شاهد على أن غزة باتت قضية إنسانية يهتم بها
أرباب المروءة والقلوب الرحيمة.
ولكن هناك فئة من اليهود الأمريكان من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة،
تأثيرهم لا يزال كبيرا في الحياة السياسية الأمريكية، متمثلا في ضخ أموال الحملات
الانتخابية للحزبين، وتأثيرهم كذلك على الاعلام من قنوات وصحف، ولا يستطيع بايدن
تجاوزهم.
وإزاء هذا المأزق
استخدم بايدن سياسة من وجهين: الكلام المعسول للعرب والمسلمين، وكذلك الحركات
البهلوانية كإلقاء المساعدات من الطائرات على غزة بدلا من التدفق البري لها، أملا
أن يظهر بايدن نفسه كمدافع عن حملة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين،
ولكنه في الواقع العملي لا يجبر الكيان الصهيوني على التوقف عن القتل والهدم
والتجويع، مع أنه لديه القدرة والإمكانيات لوقف العدوان وكبح جماح الصهاينة،
مكتفيًا بمجرد إطلاق التهديدات لنتانياهو وإشاعة توتر العلاقات بين الرجلين، بينما
واقع الحال فإن السلاح لا يزال متدفقًا.
ولعل صورة بايدن الطبيعية ظهرت مؤخرا عندما تجاوز التعنت الصهيوني في مفاوضات وقف
إطلاق النار، قائلا: ان الكرة الآن في ملعب حماس، وكأنه يطلب منها الاستسلام.