كثيرة هي المنظمات الصهيونية بعضها يقتل بالرصاص والآخر يطلق قذائف الإعلام الباطلة التي تفرش الأرض للمذابح والتهجير، ماذا تعرف عن منظمة "زاكا" مصدر الشائعات الأولى لشيطنة الفلسطينيين؟
بعد وقت قليل من عملية
"طوفان الأقصى"، الذي شنّتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ضد الاحتلال
الإسرائيلي، سرعان ما انتشرت تقارير في الإعلام الغربي تزعم قطع مقاتلي حماس رؤوس
40 طفلًا إسرائيليًا خلال الهجوم، وبشكل متسارع انساق الإعلام الغربي وراء الرواية
الإسرائيلية تلك واستخدمتها قنواته كخبر رئيسي في نشراتها، فيما جعلته الصحف
الأمريكية والبريطانية عنوانًا لصفحتها الأولى، ومع تكشف الحقائق برز إلى السطح
مجددًا الحديث عن منظمة الإنقاذ اليهودية المتطرفة "زاكا"، المسؤولة الأولى عن نشر
الأكاذيب والافتراءات حول الأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر، بدءًا من الافتراءات حول
قطع رؤوس الأطفال حديثي الولادة إلى أكاذيب الاغتصاب الجماعي ومزاعم انتزاع الأجنة
من بطون أمهاتهم. فما هي طبيعة تلك المنظمة؟، وكيف تعمل؟
من رحم التطرف
انطلقت فكرة تأسيس منظمة
زاكا (وهو اختصار عبري لعبارة تحديد هوية ضحايا الكوارث) منذ أن كان مؤسسها ميشي
زهاف، عضوا داخل مجموعة من المتطوعين المتدينين الذين قاموا في عام 1989م، بجمع
رفات قتلى عملية فدائية نفذتها حركة الجهاد الإسلامي للسيطرة على الحافلة رقم 405
التابعة لشركة إيجد بالطريق السريع الأول من تل أبيب إلى القدس، حيث هوت الحافلة
صوب منحدر حاد بمنطقة إفجيج، وهو الحادث الذي خلف 16 قتيلا و27 مصابًا بجروح
متفاوتة الخطورة، وفي عام 1995م، تأسست المنظمة رسميًا على يد زهاف الذي بات رجل
أعمال معروف، وسيئ السمعة في ذات الوقت، فهو ينحدر من عائلة حاخامية من الحريديم
المتدينين، لكنه اشتهر بجرائمه الجنسية البشعة، وكان معروفًا أيضًا بين المجتمع
الأرثوذكسي في القدس المحتلة باسم "جيفري إبستين الحريدي"، نسبةً إلى رجل الأعمال
الأمريكي الذي أثارت جرائمه الجنسية فضائح واسعة النطاق ولم تتوقف إلا بعد انتحاره،
بالإضافة إلى سجل زهاف الإجرامي الشائن واعتداءاته الجنسية، كان شخصية فاسدة طيلة
ترؤسه لمنظمة زاكا، حيث استولى على ملايين الدولارات بشكل غير قانوني من أموال
المنظمة، وبحلول مارس 2021م كانت المواقع الإخبارية الإسرائيلية مليئة بالقصص
والتفاصيل عن تلك الفضائح ومن ثمَّ التهم التي تعرض لها زهاف، حيث جرى اتهامه
بالفساد المالي بعدما نجح في تحويل ملايين التبرعات التي حصلت عليها المنظمة إلى
حساباته المالية الخاصة، ومع تزايد الضغوط عليه دخل زهاف في غيبوبة لأكثر من عام
بعد محاولته الانتحار، وسرعان ما توفي في يونيو 2022م.
|
قصص
منظمة زاكا المختلقة وتلفيقاتها المبالغ فيها تهدف إلى إظهار الوحشية
المزعومة لحماس، وذلك من أجل تبرير استمرار العقاب الجماعي والحرب الوحشية
التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة |
تضم منظمة زاكا ما يزيد
على ثلاثة آلاف متطوع منتشرين في جميع أنحاء إسرائيل، وتعمل المنظمة على مدار
الساعة طوال أيام الأسبوع، استجابة لأي هجوم أو كارثة أو حادث، بشكل احترافي
وباستخدام المعدات اللازمة للإنقاذ، كما تتعامل المنظمة مع حوادث الوفاة غير
الطبيعية، وتتعاون على نحو وثيق مع جميع خدمات الطوارئ وقوات الأمن الإسرائيلية،
كما أن لديها تعاونًا وثيقًا مع وزارة الخارجية الإسرائيلية وجيش الاحتلال والهيئات
الحكومية الأخرى، وقد تنامى نشاطها رسميًا على مدى العقدين الماضيين مع اتساع نطاق
العمل التطوعي بها، وهي تحظى بثناء كبير في الداخل الإسرائيلي، وتُصنف دوما على
أنها المنظمة الأكثر تقديرًا بعد الجيش، ورغم تطرف مؤسسها ومتطوعيها إلا أنها حصلت
في عام 2005م على اعتراف الأمم المتحدة باعتبارها منظمة تطوعية إنسانية دولية، وقد
نالت هذا التصنيف بعدما فشلت لثلاث سنوات في نيله نظرًا لمعارضة العديد من المنظمات
والدول.
وفقًا لموقع المنظمة على
الإنترنت؛ فإن الهدف من وراء تأسيس المنظمة هو تمكين اليهود المتدينين الذين لا
يستطيعون الخدمة في جيش الاحتلال من الحصول على إطار آخر للمساهمة في المجتمع
بطريقة هادفة، وتوفير خدمة أساسية ضمن إطار يتسم بالاحترافية والانضباط، وذلك عبر
القيام بجهود الإنقاذ وجمع الجثث وأشلاء القتلى في الحوادث وفترات الصراع، والتعرف
على هويات ضحايا الكوارث وإزالة دماء الموتى من على الأرض احترامًا لكرامتهم
وقدسيتهم، ودفنها معهم حسب الشريعة والتقاليد اليهودية، ظهر متطوعو زاكا لأول
مرة في شوارع إسرائيل على دراجاتهم النارية في التسعينيات، حيث شاركت المنظمة في
حرب إعلامية مع منظمات الإنقاذ الأرثوذكسية المتطرفة المنافسة، مثل يونايتد
هاتزالا، في محاولة للحصول على تبرعات اليهود الأثرياء في الخارج، هذه المنافسة بين
تلك المنظمات كان لها الدور الأكبر في اختلاق القصص المزيفة من أجل نيل أكبر قدر
ممكن من التبرعات، وكان من اللافت أنه كلما زاد الاهتمام والدعم التي تحصل عليها
المنظمة من وسائل الإعلام والشخصيات الغربية المؤثرة، زادت فرص نجاحها في تحقيق
أهدافها المالية.
تزييف الحقائق
في أكتوبر 2023م، نشر براد
بيرس، وهو صحفي وباحث مستقل، تقريرًا مفصلاً عن فساد منظمة زاكا، حيث أشار فيه إلى
زاكا بأنها "المنظمة غير الحكومية الأكثر غموضًا والمشكوك فيها، ولم أرَ مثل هذه
الدرجة من السرية والشكوك"، وعلى الرغم من أن افتراءات زاكا قد تبدو مثيرة للسخرية،
إلا أنها كانت متسقة تمامًا مع قيم ومبادئ المنظمة ومؤسسها، وقد
حملت
صدمة
هجوم "طوفان الأقصى" فرصة ذهبية لمنظمة زاكا من أجل جمع التبرعات لهذه المنظمة
الفاسدة سيئة السمعة، وقد سمحت لها الأحداث بأن تتحول الحكومة الإسرائيلية ووسائل
الإعلام الغربية وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى وكلاء يقومون بالدعاية لها
مجانا، لقد صدمت القصص المختلقة التي روّجت لها زاكا الكثير من الجمهور الغربي
المتعاطف مع إسرائيل، مما جعلهم يستحضرون الذكريات المظلمة المزعومة لليهود،
وتحديدًا ما يُعرف بالمحرقة التي تمت على يد ألمانيا النازية، وتصدرت هذه القصص
المزيفة عناوين الصحف الغربية وأثارت حالة من الغضب بين النخبة اليهودية الأمريكية.
|
المسؤولون
الإسرائيليون لعبوا دورًا مركزيًا في حملة التضليل حول هجوم طوفان الأقصى،
معتمدين على المعلومات التي تزودهم بها منظمة زاكا ومن على شاكلتها |
قصص منظمة زاكا المختلقة وتلفيقاتها المبالغ فيها تهدف إلى إظهار الوحشية المزعومة
لحماس، وذلك من أجل تبرير استمرار العقاب الجماعي والحرب الوحشية التي تشنّها
إسرائيل على قطاع غزة،
كما أن هذه القصص في مجموعها قد شكّلت صياغة الرواية الرسمية لأحداث يوم 7 أكتوبر
في وسائل الإعلام الغربية ودوائر صنع القرار هناك، ويمكننا المرور سريعًا على بعضها
من خلال النقاط التالية:
● روّج
الرئيس الأمريكي جو بايدن في لقاء أجراه مع شبكة "سي بي إس نيوز" إلى أنه رأى بأم
عينيه أطفالاً وأجنة مقطوعي الرأس، والملاحظ أن المتحدث باسم جيش الاحتلال
الإسرائيلي قد تحدث عن هذه القصة الكاذبة في تصريح سابق، وقال إنها نقلًا عن مسؤول
كبير في وزارة الصحة الإسرائيلية، لم يمض وقت طويل حتى اضطر متحدث باسم البيت
الأبيض إلى التراجع عما قاله بايدن، وأوضح أن الرئيس استند في حديثه إلى ادعاءات
المتحدث باسم نتنياهو والتقارير الإعلامية الواردة من إسرائيل، ليتضح في نهاية
المطاف ان قصص قطع رؤوس الأطفال بأكملها تعود إلى يوسي لانداو، رئيس العمليات في
منظمة زاكا الإسرائيلية.
● خلال
جلسة استماع لمجلس الشيوخ الأمريكي في 31 أكتوبر بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة،
عرض وزير الخارجية أنتوني بلينكن مبرراته لرفض واشنطن للهدنة ووقف إطلاق النار، من
خلال استحضار قصة مروعة ـ ظهر زيفها لاحقًا ـ عن قيام عناصر حماس بالهجوم على منزل
بداخله أسرة إسرائيلية كانت تتناول طعام الإفطار، حيث قتلوا الأب أمام أطفاله
الصغار واقتلعوا عين الأُم، وقطعت قدم الابنة البالغة من 8 أعوام، وقُطِعَتْ
أَصَابِعُ الوَلَد البالغ 6 أعوام، واختتم بلينكن حديثه قائلًا: "هذا هو الوضع الذي
يواجهه المجتمع الإسرائيلي". كان من الملاحظ أن بلينكن لم يقل من أين جاءته هذه
المعلومات الفظيعة، والأغرب أنه لم يسأله عن ذلك أي من أعضاء مجلس الشيوخ، لتكشف
وسائل إعلام مستقلة لاحقًا أن تلك القصة كانت من نسج الخيال وأنها من بين القصص
المختلقة التي تروّج لها منظمة زاكا.
●
المسؤولون الإسرائيليون لعبوا دورًا مركزيًا في حملة التضليل حول هجوم طوفان
الأقصى، معتمدين على المعلومات التي تزودهم بها منظمة زاكا ومن على شاكلتها، فبعضهم
ادعى كذبًا على سبيل المثال أنه تم العثور على جثث أطفال يهود ميتين معلقين على حبل
غسيل في أحد الكيبوتسات.
● في مقال
افتتاحي نشرته مجلة نيوزويك في 22 نوفمبر، أكدت السيدة الأولى الإسرائيلية ميشال
هرتسوغ أن "مقطع فيديو لحماس في أحد الكيبوتسات يُظهر إرهابيين يعذبون امرأة حامل
وينتزعون جنينها من بطنها"، وبطبيعة الحال لم نجد هذا الفيديو، لأن المصدر الوحيد
كان لانداو، راوي القصص الرئيسي من منظمة زاكا.
● عندما
قامت حكومة الاحتلال بتشكيل لجنة مدنية للتحقيق في جرائم حماس، انتهت اللجنة بنشر
تقرير مشكوك في صحته يتهم حماس بارتكاب جرائم ضد النساء والأطفال الإسرائيليين،
ويعتمد هذا التقرير على صور مزيفة قدمتها زاكا، ومع ذلك لم تتمكن اللجنة من تقديم
دليل واحد أو مقطع فيديو يثبت مزاعمها.
منذ أوائل أكتوبر الماضي
وحتى أسابيع قليلة مضت، تمكنت زاكا من جمع 13.7 مليون دولار كتبرعات
من الداخل الإسرائيلي فقط،
وفي المقابل يحصل المتبرعون الذين يتبرعون بأكثر من 1000 دولار على ميدالية تخليدًا
لذكرى الهجوم الإسرائيلي على غزة المسمى بـ "السيوف الحديدية"،
الدعاية الفظيعة
مؤخرًا؛ قام الكاتب
والصحفي الأمريكي ماكس بلومنتال، رئيس تحرير موقع "The
Grayzone"، بفضح الكثير من أكاذيب
وروايات منظمة زاكا، حيث تعمق بلومنتال فيما أسماه "الدعاية الفظيعة"، وهي
استراتيجية تستخدمها إسرائيل في كثيرٍ من الأحيان لحشد الدعم والتأييد الغربي لأي
عمل عسكري تقوم به، وفي إطار هذه الاستراتيجية تقوم بتصميم سيناريوهات والتلاعب
بالأدلة وتغذية وسائل الإعلام بها، وقد قام بلومنتال إلى كشف زيف التلفيقات
الإسرائيلية الهادفة إلى إضفاء طابع درامي على همجية حماس المفترضة من أجل توسيع
المجال السياسي أمام هياج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتوصل إلى في إطار بحثه
على سبيل المثال إلى أن السيارات التي كانت تفرّ من مهرجان أقيم بالقرب من غزة،
كانت متفحمة بالكامل، والجثث التي بداخلها كانت متفحمة، كل هذه الصور التُقِطَت
وعُرِضَت على وسائل الإعلام الغربية كدليل على وحشية حماس وقيامها بإحراق عائلات
إسرائيلية أحياء، لكن الأمر الواضح والمؤكد هو أن الجيش الإسرائيلي قام بقصف سيارات
الإسرائيليين أثناء فرارهم من موقع المهرجان، كما قام بقصف المنازل القريبة فوق
ساكينها في كيبوتس بئيري بالدبابات بعد صدور أوامر عليا بذلك، وذلك لمنع حماس من
اقتياد المزيد من الأسرى إلى قطاع غزة.
المنفعة متبادلة بين زاكا
والحكومة الإسرائيلية في ترويج القصص الزائفة والمضللة حول الهجمات الفدائية التي
تقوم بها المقاومة الفلسطينية؛ فالحكومة الإسرائيلية تستخدم مثل هذه القصص التي
تروّجها زاكا للتبرير بأن استراتيجية العقاب الجماعي التي يتبعونها ليست ضرورية
عسكريًا فحسب، بل مبررة أخلاقيًا أيضا، وبمساعدة وسائل الإعلام الدولية المؤيدة
لإسرائيل، استطاعت آلة الدعاية الإسرائيلية أن تجعل واشنطن ومعظم العواصم الأوروبية
تحرص على ترديد وترويج تلك القصص الكاذبة، وفي المقابل تستفيد زاكا من وراء هذه
الروايات إلى كسب الدعم والتبرعات، وقد كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية في تحقيق مطوّل
أن عددًا من متطوعي زاكا نشروا روايات كاذبة عن فظائع لم تحدث ودعايات مزيفة عن
رفات القتلى إبان هجوم طوفان الأقصى وذلك بهدف جمع تبرعات بمبررات زائفة للتخلص من
ديون أثقلت المنظمة لسنوات، وسرد تحقيق هآرتس قصصًا عن استغلال أعضاء المنظمة
تواجدهم في مواقع الهجمات للتصوير بعدما رتبوا المكان بشكل خاص لإثارة مشاعر
المتبرعين والحصول على التبرعات.
لا شك أن الإبادة الجماعية
التي ترتكبها إسرائيل لا تحتاج إلى أدلة لكشفها أمام المجتمع الدولي، ولا شك أن ما
تقوم به إسرائيل من تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وشيطنتهم عبر شهادات كاذبة
وادعاءات مزيفة لدليل كافي على ذلك، لا سيما وأن هذه الروايات يتم نشرها على نطاق
واسع في العالم الغربي، وتستمر دون تراجع أو اعتذار على الرغم من فضح زيفها، ويمتد
هدف إسرائيل إلى ما هو أبعد من السعي لتزييف الحقائق، إذ تهدف إلى ترسيخ استعمارها
الاستيطاني العدواني في فلسطين، وإعطاء الأولوية لتهويد الأرض وسكانها على حساب
محنة الفلسطينيين.