ما هي محكمة العدل الدولية ومتى تأسست، ومما تتشكل هيئتها القضائية، وما أهميتها وكيف تتخذ قراراتها، وهل قراراتها إلزامية على جميع الدول؟
هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة. ويقع مقرها في لاهاي بهولندا. وهي الجهاز الوحيد من بين الأجهزة الستة للأمم المتحدة الذي لا يقع في نيويورك.
أُنشئت محكمة العدل الدولية يوم 26 يونيو/حزيران 1945 بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وكانت أولى جلساتها الافتتاحية في أبريل/نيسان عام 1946.
ومنذ ذلك الحين مارست اختصاصها فيما يتعلق بفض النزاعات بين الدول، واعتبرت بمثابة الوصي على القانون الدولي، وتعمل وفق نظام أساسي يشبه إلى حد كبير نظام سابقتها (محكمة التحكيم الدائمة) الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة.
مهام المحكمة
يتمثل دورها في تسوية النزاعات الدولية التي تعرض عليها من طرف الدول، في إطار ما يسمى بـ"القضايا الخلافية" وفقا للقانون الدولي، مع إبداء الرأي الاستشاري في المسائل القانونية التي تحيلها عليها أجهزة الأمم المتحدة، والوكالات الدولية المخولة.
لمحكمة العدل الدولية نشاط قضائي واسع. لكن تعد الأحكام الصادرة عن المحكمة قليلةً نسبياً، لكنها شهدت بعض النشاط ابتداء من مطلع الثمانينيات، وقد سحبت الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بالسلطة القضائية الإلزامية لهذه المحكمة، مما يعني بأنها تلتزم بما تقبله من قرارات المحكمة وتتحلل مما لا تقبله منها!
مما تتألف المحكمة
تتألف المحكمة من 15 قاضياً، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لمدة تسع سنوات، ويمكن إعادة انتخاب الأعضاء. يُنتخب ثلث الأعضاء كل ثلاث سنوات. ولا يسمح بوجود قاضيين يحملان نفس الجنسية، وفي حال توفي أحد القضاة الأعضاء، يُعاد انتخاب قاض بديل يحمل نفس جنسية المتوفي فيشغل كرسيه حتى نهاية فترته. ويجب أن يمثل القضاة كل الحضارات والأنظمة القانونية الرئيسية في العالم.
ويشترط في القضاة وبحسب النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ان يكونوا «مستقلين ينتخبون من الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية الحائزين في بلادهم للمؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية، أو من المشرعين المشهود لهم بالكفاية في القانون الدولي وكل هذا بغض النظر عن جنسيتهم.».
يمكن عزل القاضي عن كرسيه فقط بموجب تصويت سري يجريه أعضاء المحكمة. وقد شككت الولايات المتحدة بنزاهة القضاة إبان قضية نيكاراغوا، عندما ادعت أنها تمتنع عن تقديم أدلة حساسة بسبب وجود قضاة في المحكمة ينتمون إلى دول الكتلة الشرقية.
أين تقع محكمة العدل وما هي أدوارها؟
تقع محكمة العدل الدولية في قصر السلام في لاهاي بهولندا، وهي هيئة الأمم المتحدة الرئيسية الوحيدة غير الموجودة في مدينة نيويورك.
لغتا العمل الرسميتان هما الإنجليزية والفرنسية.
المهمة الأولى للمحكمة هي البت في النزاعات القانونية بين الدول، فإجراءات التقاضي تلك تشكل 80% من نشاط المحكمة، فضلا عن مسائل تتعلق بالقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي للبيئة واستخدام القوة والمسؤولية الدولية للدول.
تلجأ الدول للمحكمة عند الاختلاف على ترسيم الحدود فيما بينها، أو في حالات النزاع على جزر أو مناطق بحرية، وعند ادعاء دول على أخرى أنها قد اخترقت معاهدة أو قاعدة من القانون الدولي، وفي حال احتاجت الأمم المتحدة أو إحدى وكالاتها إلى رأي قانوني بقضايا شائكة. ولا يمكن للمحكمة أن تنظر في قضية إلا بموافقة الدول المعنية بهذه القضية.
إلى جانب ذلك يمكن لمحكمة العدل الدولية أن تنظر في أي مسألة قانونية دولية، ويمكن لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تقدم دعوى قضائية أمامها، وأيضا للدول الأخرى غير الأعضاء كذلك الحق في اللجوء إلى المحكمة وفق شروط معينة، ومن ثم فإن اختصاص المحكمة يشمل جميع دول العالم. وقد مثل عدد كبير من الدول أمام المحكمة في دعاوى قضائية منذ عام 1946.
وتتمثل المهمة الثانية في إجابة الأسئلة القانونية التي تعرض عليها من بعض الهيئات والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وتصدر وفقا لهذه الإجراءات آراء استشارية تسمى "فتاوى".
أصدرت المحكمة منذ 1946 مجموعة من الآراء بشأن عدد من القضايا التي حظيت في عدد من المرات بتغطية إعلامية واسعة، وكانت أغلبية هذه الآراء قد طلبت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وتمنح السلطة القانونية والمعنوية للمحكمة وزنا مهما لآرائها الاستشارية، وعلاوة على ذلك فإن أخذ الدول والمنظمات الدولية آراء محكمة العدل الدولية بعين الاعتبار يسهم بشكل كبير في تطوير القانون الدولي.
أسهمت المحكمة في حل عدد من الأزمات وتسوية العلاقات بين الدول وتفعيل مسارات التفاوض التي كان بعضها مجمدا لفترات طويلة، وذلك من خلال إيجاد حلول قانونية للنزاعات، أو بالإشارة إلى القانون الذي يتعلق بمسألة معينة.
وباعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة، فإن المحكمة جزء رئيسي من الآلية الدولية لتعزيز السلام، وبهذه الصفة تستقبل محكمة العدل الدولية بانتظام زيارات من مختلف الدول وشخصيات رفيعة المستوى.
تمويل المحكمة:
تتلقى محكمة العدل الدولية من عدة مصادر منها:
الأمم المتحدة: تعتبر المحكمة جزءا من الأمم المتحدة، ولذلك تحصل على جزء من تمويلها من ميزانية الأمم المتحدة. وتنص المادة 33 من النظام الأساسي للمحكمة على أن " تتحمل الأمم المتحدة مـصروفات المحكمة على الوجه الذي تقرره الجمعية العامة".
اشتراكات الدول الأعضاء: تلتزم الدول الأعضاء بدفع اشتراكات سنوية لدعم أنشطة المحكمة وميزانيتها.
التبرعات: تقبل المحكمة تبرعات من الدول والكيانات والتجمعات الدولية لتمويل أنشطتها.
رسوم مقدمة من الدول: عندما ترفع دولة ما دعوى أمام المحكمة، يجب عليها دفع رسوم مقدمة، وهذه الرسوم تسهم في تمويل المحكمة.
وتخصص معظم ميزانية المحكمة لتغطية تكاليف عملها وأنشطتها، مثل أجور الموظفين وتكاليف البنية التحتية، وتعتمد الكيفية التي تجمع بها المحكمة تمويلها على الاتفاقيات الدولية والتفاهمات بين الدول الأعضاء والأمم المتحدة.
إجراءات التقاضي
عندما تتولى المحكمة قضية ما تتم الإجراءات فيها على مرحلتين، أولا تقدم الدول الحجج والأدلة والتقارير خطيا، ثم يقدم الممثلون والمحامون المرافعات الشفوية أثناء الجلسات، وبعدها تنسحب هيئة المحكمة لتبدأ المداولات التي يغلب عليها طابع السرية، وعلى إثرها تتخذ القرارات من قبل أغلبية القضاة الحاضرين.
تدوم مداولات المحكمة بين 4 و6 أشهر، وكل قرار يصدر باللغتين الرسميتين للمحكمة، الإنجليزية والفرنسية، ويطبع بأكثر من لغة رسمية، ويسلم إلى كل الدول المعنية وتتم قراءة الأحكام في جلسة علنية، إذ تختتم الأحكام بـ"فقرة المنطوق" الذي تقدم فيه المحكمة قرارها المتعلق بكل النقاط المختلف حولها.
جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة نهائية وغير قابلة للاستئناف وينبغي الإشارة إلى أن الدول المعنية التي تمثل أمام المحكمة تتعهد تلقائيا باحترام قراراتها الملزمة.
وعمليا تنفذ جميع الأحكام الصادرة عن المحكمة، وإذا ما رفضت إحدى الدول تطبيقها، فيمكن للدولة الخصم اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إذ يجوز لهذا الأخير وفقا للمادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة إصدار توصيات أو إقرار تدابير لتنفيذ القرار، ولكن نظرا إلى الوزن القانوني والمعنوي والدبلوماسي للمحكمة، فإنه من النادر جدا أن تصل الأمور إلى هذه المرحلة.
كيف يتخذ القرار وكيف ينفذ؟
يجوز للقضاة أن يقدموا حكماً مشتركاً أو أحكاماً مستقلة حسب آراء كل منهم. وتؤخذ القرارات وتقدم الاستشارات وفق نظام الأغلبية، وفي حال تساوي الأصوات، يعتبر صوت رئيس المحكمة مرجحاً. وهي أعلى وكالة قضائية في هيئة الأمم المتحدة. وهي توفر وسائل سلمية لحل النزاعات القانونية الدولية.
تنص المادة 94 على وجوب امتثال جميع أعضاء الأمم المتحدة لقرارات المحكمة المتعلقة بهم. وإذا لم تمتثل الأطراف، يمكن عرض القضية على مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات الإنفاذ. هناك مشاكل واضحة مع طريقة الإنفاذ هذه. إذا كان الحكم ضد أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن أو حلفائه، فإن أي قرار يتعلق بالإنفاذ سيستخدم حق النقض. حدث ذلك، على سبيل المثال، بعد قضية نيكاراغوا، عندما عرضت نيكاراغوا قضية عدم امتثال الولايات المتحدة لقرار المحكمة أمام مجلس الأمن. علاوة على ذلك، إذا رفض مجلس الأمن تنفيذ حكم ضد أي دولة أخرى، فلا توجد طريقة لإجبار الدولة على الامتثال. وعلاوة على ذلك، فإن الشكل الأكثر فعالية لاتخاذ إجراءات لمجلس الأمن، وهو العمل القسري بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن تبريره إلا إذا كان السلم والأمن الدوليين على المحك. لم يفعل مجلس الأمن ذلك قط حتى الآن.
في عام 1992 م، نظرت المحكمة في العلاقة بين محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، والفصل بين سلطاتهما في قضية بان آم. كان على المحكمة أن تنظر في طلب قدمته ليبيا لأمر بتدابير حماية مؤقتة لحماية حقوقها، التي زعمت أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة تنتهكها بفرض عقوبات اقتصادية. كانت المشكلة أن هذه العقوبات قد أذن بها مجلس الأمن، مما أدى إلى تضارب محتمل بين مهام الفصل السابع لمجلس الأمن والوظيفة القضائية للمحكمة. قررت المحكمة، بأغلبية أحد عشر صوتًا مقابل خمسة، أنه لا يمكنها الأمر بالتدابير المؤقتة المطلوبة لأن الحقوق التي تطالب بها ليبيا، حتى لو كانت مشروعة بموجب اتفاقية مونتريال، لا يمكن اعتبارها مناسبة للوهلة الأولى لأن الإجراء صدر بأمر من مجلس الأمن. وفقًا للمادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة، فإن الالتزامات المنصوص عليها في الميثاق لها الأسبقية على الالتزامات التعاهدية الأخرى. ومع ذلك، أعلنت المحكمة قبول الطلب في عام 1998 م. لم يصدر قرار بشأن الأسس الموضوعية منذ أن قامت الأطراف بتسوية القضية خارج المحكمة في عام 2003 م.
كان هناك إحجام واضح من جانب أغلبية المحكمة عن التورط في نزاع بطريقة تجعله يحتمل أن يتعارض مع المجلس. وذكرت المحكمة في قضية نيكاراغوا أنه لا يوجد تناقض ضروري بين الإجراءات التي يتخذها مجلس الأمن والبت في محكمة العدل الدولية. ومع ذلك، عندما يكون هناك مجال للصراع، يبدو أن التوازن لصالح مجلس الأمن.